النسخ وإن لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد سبق منه النهي عن ذلك الفعل ، ولا عرف تحريمه بسكوته عن فاعله ، وتقريره عليه يدلّ على تسويغه خصوصا إن وجد منه استبشار وثناء على فاعله ، لاستحالة السكوت عن الإنكار مع القدرة ، والاستبشار مع تحريم الفعل.
لا يقال : يحتمل أنّه لم ينكر عليه ، لعلمه بأنّه لم يبلغه التحريم ، فلم يكن الفعل حينئذ حراما عليه.
أو لأنّه علم بلوغ التحريم إليه ، فلم يفد وأصرّ على فعله.
أو لأنّه منعه مانع من الإنكار.
لأنّا نقول : عدم بلوغ التحريم إليه غير مانع من الإنكار ، بل يجب عليه إعلامه بتحريم ذلك الفعل ، لئلّا يعود إليه.
وأمّا إذا علم الفاعل التحريم وأصرّ مع إسلامه ، فلا بدّ من تجديد الإنكار عليه ، لئلّا يتوهّم نسخه ، بخلاف عدم تجديد الإنكار على أهل الذمّة في اختلافهم إلى كنائسهم ، إذ هم غير متّبعين له.
والأصل عدم المانع ، خصوصا بعد ظهور دعوته وقوّة شوكته.
واعلم أنّ الشافعي تمسّك في باب إلحاق النسب بالقيافة بما نقله عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من ترك الإنكار والاستبشار في باب القيافة ، لما قال مجزّز المدلجي (١) حين نظر إلى أقدام زيد وأسامة تحت ملحفة وقد ظهرت
__________________
(١) في أسد الغابة : مجزّز المدلجي القائف ، وإنّما قيل له : مجزّز ، لأنّه كان كلّما أسر أسيرا جزّ ناصيته ، لاحظ أسد الغابة : ٤ / ٤٨ برقم ٤٦٨٠.