وقد أجمع الأصوليّون على امتناع العمل بالعامّ قبل البحث عن المخصّص ، لكن اختلفوا : فقال القاضي أبو بكر (١) وجماعة من الأصوليّين : يمتنع العمل به واعتقاد عمومه إلّا بعد القطع بانتفاء المخصّص ، وإلّا فالجزم بعمومه ، وبالعمل به مع احتمال وجود المعارض ممتنع ، ومعرفة انتفاء المخصّص بطريق القطع ممكن : بأن تكون المسألة الّتي تمسّك فيها بالعموم ممّا يكثر الخلاف فيها بين العلماء ، ويطول النزاع بينهم ، ولم يطلع أحد منهم على موجب التخصيص ، مع كثرة البحث ، فلو كان هناك مخصّص لامتنع خفاؤه عنهم.
ولأنّه لو كان المراد بالعموم الخصوص ، لوجب أن ينصب الله تعالى عليه دليلا ويبلّغه للمكلّفين.
وذهب ابن سريج ، (٢) والجويني (٣) والغزّالي (٤) وأكثر الأصوليّين إلى امتناع اشتراط القطع في ذلك ، إذ لا طريق إلى معرفته إلّا بالسبر ، وهو غير يقينيّ ، ووجوب اطّلاع العلماء عليه لو كان ظنّيّ ، ولو اطّلع بعضهم لم يقطع بوجوب نقله ، وليس كلّ عامّ كثر خوض العلماء فيه ، بل الواجب الظّنّ المستند إلى البحث بحيث لو كان مخصّص لظهر.
أمّا القطع بالنّفي ، فإنّه يقتضي تعطيل أكثر العمومات ، وكذا البحث في كلّ دليل مع معارضه.
__________________
(١) التقريب والإرشاد : ٣ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦.
(٢) تقدّمت ترجمته في الجزء الأوّل : ١٥٩.
(٣) لاحظ البرهان في أصول الفقه : ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.
(٤) المستصفى : ٢ / ١٧٨.