علّة أيضا ، (١) ولهذا فإنّه لو لم يفتقر إلى البيان إلّا للتمكّن من الأداء ، لجاز أن يخاطبنا الله تعالى بما لا نفهم به شيئا البتّة ، كخطاب الزّنج ، والخصم يمنع منه ، ويقول : لا بدّ من أن يعرف السامع بالخطاب شيئا ما.
لا يقال : لا يلزم من تأخير البيان كون الخطاب عبثا وإن لم يفهم به المراد في الحال ، فإنّه يفيد العزم والاعتقاد.
لأنّا نقول : إنّما يجب العزم والاعتقاد لو علم أنّ الخطاب أمر ، ومن جوّز تأخير بيان العموم وكلّ ما له ظاهر ، لا يأمن أن تكون صيغة الأمر لم تستعمل في الأمر ، وأنّه يبيّن له ذلك فيما بعد.
وعن الخامس عشر : بجواز عدم تأخير البيان لكن عمر لم يتبيّن ، ويدلّ عليه كلامه ، ولا بدّ للمستدلّ من أن يقول به : لأنّ الحاجة قد حضرت.
وعن السادس عشر : أنّ بيان القرآن منه ما لا يجوز نقله إلّا متواترا ، وهو ما تعبّدنا فيه بالعلم دون الظنّ ، وليس يمتنع أن يتواتر ذلك في حال تواتر نقل القرآن ، وإن كان نقل القرآن أشدّ استفاضة.
ومنه ما يجوز نقل بيانه بالآحاد وهو المظنون من الأحكام ، ولا يجب أن يستفيض ذلك ، فيقال : إنّه إنّما يستفيض في مدّة فيتأخّر عنها البيان.
وعن السابع عشر : انّ بعض مانعي تأخير البيان جوّز أن لا يسمع المكلّف الخبر الخاصّ ، ويقول : يلزمه البحث والطلب إذا خوّفه الخاطر ، فيجوز أن يكون
__________________
(١) توضيحه : أنّ لوجوب البيان عند الخطاب علّتين : إحداهما تمكّن المكلّف من الفعل والأداء ، وثانيهما : خروج الخطاب عن كونه عبثا ، فلا يجوز أن يقتصر بالأولى.