يقتضي أن يكون اعتبار الصّفة بعد ذلك تكليفا جديدا.
ولأنّه لو كان المأمور به ذبح بقرة معيّنة لما استحقّوا الذّمّ والتعنيف على السؤال وطلب البيان ، بل كانوا يستحقّون المدح عليه ، فلمّا عنّفهم [الله] بقوله (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(١) علمنا تقصيرهم في الإتيان بما أمروا به أوّلا ، وذلك إنّما يكون لو كان المأمور به ذبح بقرة منكّرة.
ولما روي عن ابن عباس أنّه قال : «لو ذبحوا أيّة بقرة أرادوا لأجزأت ، عنهم لكنّهم شدّدوا على أنفسهم ، فشدّد الله عليهم». (٢)
الرابع : يجوز أن يكون المأمور به ذبح بقرة موصوفة تبيّنت لهم بيانا تامّا ، لكنّهم لم يتبيّنوا لبلادتهم ، فاستكشفوا طلبا لزيادة ، فحكى الله تعالى ذلك.
الخامس : سلّمنا أنّ البيان التامّ لم يتقدّم ، فجاز أن يقال : إنّ موسى عليهالسلام كان قد أشعرهم أنّ البقرة ليست مطلقة بل معيّنة ، فطلبوا البيان التفصيليّ ، فالبيان الإجماليّ كان مقارنا ، والتفصيليّ كان متأخّرا ، وليس تقييد سؤالهم بطلب البيان مع إطلاقه ، بالإجماليّ ، أولى من التفصيليّ.
اعترض (٣) : بأنّ تأخير البيان يلزم لو كان الأمر للفور ، ونحن لا نقول به.
ولا يجوز عود الكنايات إلى ضمير الشأن ، وإلّا لم يبق ما بعده مفيدا ، لعدم الفائدة في قوله : (بَقَرَةٌ صَفْراءُ)(٤) بل لا بدّ من إضمار شيء ، وهو خلاف
__________________
(١) البقرة : ٧١.
(٢) الدر المنثور : ١ / ١٩٠ ؛ وتفسير ابن كثير : ١ / ١٩٢.
(٣) المعترض هو الرازي في محصوله : ١ / ٤٨٣.
(٤) البقرة : ٦٩.