وفيه نظر ، لأنّه تخصيص ، والمحقّقون على خلاف ذلك ، وأنّه يجوز أن يكون كلّ من البيان والمبيّن معلومين ومظنونين ، وأن يكون المبيّن معلوما ، والبيان مظنونا ، وبالعكس ، كما جاز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، لإمكان تعلّق المصلحة بذلك ، هذا فيما يرجع إلى الطريق.
وأمّا ما يرجع إلى الدلالة ، فنقول : إن كان المبيّن مجملا كفى في بيانه تعيين أحد احتماليه بأدنى ما يفيد الترجيح ، وإن كان عامّا أو مطلقا ، فلا بدّ وأن يكون المخصّص والمقيّد في دلالته أقوى من دلالة العامّ على صورة التخصيص ، ودلالة المطلق على صورة التقييد ، إذ لو تساويا لزم الوقف ، ولو كان مرجوحا لزم إلغاء (١) الراجح بالمرجوح ، وهو ممتنع.
وقال بعض الناس : المجمل فيما يعمّ به البلوى كأوقات الصلاة ، وكيفيّتها ، وعدد ركعاتها ، ومقادير الركعات ، وجنسها ، لا يجوز أن يبيّن إلّا بطريق قاطع.
وأمّا ما لا يعمّ به البلوى ، كقطع يد السّارق ، وما يجب على الأمّة في الحدود ، وأحكام المكاتب ، والمدبّر ، فيجوز أن يبيّن بخبر الواحد ، وسيأتي بيان التساوي.
وأمّا الثانية ، فقال قوم : إنّ بيان الواجب واجب ، وهؤلاء إن أرادوا أنّ المبيّن إذا كان واجبا ، كان بيانه صفة شيء واجب ، فهو صحيح ، وإن أرادوا أنّ الفعل إذا كان واجبا ، ويتضمّن البيان صفاته وتفصيل أحواله ، فهذه التفاصيل واجبة ، لأنّها صفات الواجب ، وكذلك المندوب يكون بيان أحواله وأوصافه كذلك ، فهو صحيح أيضا.
__________________
(١) في «ب» : إلقاء.