لنا ما تقدّم ، من أنّ الخاصّ أقوى دلالة ، فيكون العمل به أرجح.
ومن أنّ العمل بالعامّ في جميع الصور ، يوجب إلغاء الخاصّ ، واعتبار الخاصّ لا يوجب إلغاء واحد منهما ، فكان أولى. (١)
وفيه نظر ، فإنّه على تقدير تأخير العامّ عن وقت العمل بالخاصّ ، فيكون نسخا ، لا إلغاء للخاصّ ، إذ قد عمل به أوّلا ، فكان التخصيص في زمانه ، وليس التخصيص في أعيان العامّ ، أولى من التخصيص في أزمان الخاصّ.
واحتجّ أبو الحسين : بأنّ قوله : «لا تقتلوا اليهود» يمنع من قتلهم أبدا ، وقوله من بعد : «اقتلوا الكفّار» يفيد قتلهم في حالة من الحالات ، والخبر الخاصّ يمنع من قتلهم في تلك الحالة ، فإذا تمانعا ، والخاصّ أخصّ باليهود ، وأقلّ احتمالا ، وجب القضاء به.
ولو قال : «اقتلوا اليهود» ثمّ قال : «لا تقتلوا الكفّار» وقد بقيت من اليهود بقيّة لم يقتلوا ، فالأمر يقتضي قتلهم في حال من الحالات ، والنّهي يمنع من ذلك ، فإذا تمانعا في تلك الحال ، قضي بالخاصّ. (٢)
واحتجّت الشافعيّة : بأنّ الخاصّ معلوم دخول ما تناوله تحته ، ودخول ذلك تحت العامّ مشكوك فيه ، والعامّ لا يترك بالشك.
وهو ضعيف ، لأنّهم إن أرادوا أنّ العامّ لو انفرد لم يعلم دخول ما تناوله تحته ، فممنوع ، وإن ارادوا أنّه لا يعلم ذلك لأجل الخاصّ ، ففيه النّزاع ، وهو ترك
__________________
(١) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٤٤٢.
(٢) المعتمد : ١ / ٢٥٧.