قولهم أيضا ، لقطعهم على خروج ذلك من العموم ، ولا يشكّون فيه.
واحتجّوا أيضا : بأنّ تقدّم الخاصّ [على العامّ] كالعهد بين المتكلّم والمخاطب ، فانصرف الخطاب العامّ إليه.
وهو ضعيف ، فإنّ معنى قولهم : إنّه كالعهد ، أنّ المتكلّم قد دلّ بالخاصّ المتقدّم على أنّ مراده بالعامّ ما دون الخاصّ ، وأنّه لا يفهم السامع إلّا ذلك ، وفيه النّزاع.
واحتجّ أبو حنيفة بوجوه :
الأوّل : تناول العامّ لآحاده يجري مجرى ألفاظه خاصّة ، يتناول كلّ واحد منها ما دلّ عليه ، فإنّ قوله : «اقتلوا المشركين» بمنزلة قوله : «اقتلوا زيدا المشرك ، وعمرا ، وخالدا» ولو قال ذلك بعد قوله : «لا تقتلوا زيدا» كان الثاني ناسخا ، فكذا ما قلناه.
الثاني : الخاصّ المتقدّم يمكن نسخه ، والعامّ يمكن أن يرفعه ، فكان ناسخا له.
الثالث : تردّد الخاصّ المتقدّم بين كونه منسوخا ومخصّصا يمنع من كونه مخصّصا ، لأنّ البيان لا يكون ملبسا (١).
الرابع : قال ابن عباس : «كنّا نأخذ بالأحدث فالأحدث» (٢) فإذا كان العامّ متأخّرا ، وجب الأخذ به.
__________________
(١) في «ب» و «ج» : ملتبسا.
(٢) تقدم تخريج الحديث آنفا.