بل هو أدلّ الألفاظ على علم زيد ، والتبادر دليل الحقيقة ، وكذا في كلّ ما ساواه.
احتجّ المخالف بوجوه :
الأوّل : لو كان الاستثناء من النفي يفيد الإثبات ، لوجب ثبوت النّكاح بمجرّد الوليّ ، والصّلاة بمجرّد الطّهارة ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا نكاح إلّا بوليّ» (١) و «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) ولا شكّ في أنّه لا يجب تحقّق النكاح عند حضور الوليّ ، ولا تحقق الصلاة عند حصول الوضوء ، بل إنّما يدلّ على عدم صحّتهما عند عدم هذين الشرطين.
الثاني : بين الحكم بالنفي ، والحكم بالإثبات ، واسطة ، وهي عدم الحكم ، فمقتضى الاستثناء ، بقاء المستثنى غير محكوم عليه ، لا بالنّفي ولا بالإثبات.
الثالث : الألفاظ تدلّ على الصّور المرتسمة في الأذهان ، والأكثر أنّ الصّور الذهنيّة مطابقة للأمور الخارجيّة ، فالاستثناء المذكور في اللّفظ ، إن صرفناه إلى الحكم ، أفاد زوال الحكم ، وإن صرفناه إلى ذلك العدم ، أفاد زوال ذلك العدم ، وحينئذ يجب الثبوت ، إلّا أنّ الأوّل أولى ، لأنّ تعلّق اللّفظ بالحكم الذّهني ، تعلّق بغير واسطة ، وتعلقه بالأحوال الخارجيّة إنّما هو بواسطة الأحكام الذهنيّة ، فكان الأوّل أولى.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في سننه : ٣ / ٤٠٧ برقم ١١٠١ ، وأبو داود في سننه : ٢ / ٢٢٩ برقم ٢٠٨٥ ، وابن ماجة في سننه : ١ / ٦٠٥ برقم ١٨٨٠ و ١٨٨١ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٩٤ و ٤١٣ ، ولاحظ عوالي اللآلي : ٣ / ٣١٣ برقم ١٤٨.
(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٢ ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١ ؛ وعوالي اللآلي : ٢ / ١٨٤ و ٢٠٩ ، وج ٣ / ٨.