أو لأنّ الحكمة تمنع من ذلك ، وهو باطل ، إذ قد يتّفق أن يكون على زيد ألف درهم ، وقد قضى منها تسعمائة وتسعين ، وينسى ذلك ، فيقرّ بالألف فيتذكّر في الحال القضاء ، فيستدرك بالاستثناء.
وقد يحتمل أن يكون لزيد على عمرو درهم ، ولخالد على عمرو ألف درهم فيروم عمرو أن يقرّ لخالد بالألف ، فسبق لسانه بالإقرار لزيد ، فلا يجد إلى دفع ذلك عنه سبيلا إلّا بالاستدراك.
وإذا كان كذلك ، لم تمنع الحكمة منه ، ولهذا لو صرّح المستثنى بأحد العددين ، لم يكن عليه لوم ولا مانع سوى هذه بالاستقراء ، وإذا انتفت صحّ حسن الاستثناء.
احتجّ المخالف بوجوه :
الأوّل : المقتضي لفساد الاستثناء قائم ، وما لأجله ترك العمل به في الأقلّ غير موجود في المساوي والأكثر ، فوجب أن يفسد فيهما.
وبيان المقتضي للفساد : أنّه إنكار بعد إقرار ، فلا يكون مقبولا.
وأمّا القارن ، فلأنّ القليل في معرض النّسيان ، لقلّة المبالاة به ، وعدم التفات النّفس إليه ، بخلاف الأكثر ، فإنّه يكون متذكّرا محفوظا ، لكثرة التفات النفس إليه ، فإنّ من يقرّ بعشرة ، ربّما كانت ناقصة شيئا يسيرا ، أو يكون قد أدّى منها شيئا قليلا ، ثمّ نسيه لقلّته ، فلا جرم أقرّ بعشرة كاملة ، ثمّ تذكّر بعد الإقرار ، فوجب تمكّنه من استدراكه ، دفعا للضّرر ، فلذلك سوّغنا استثناء الأقلّ من الأكثر ، ولم يوجد هذا المعنى في استثناء المثل والأكثر ، لأنّهما في مظنّة التذكّر ، ومع الفرق يبقى المقتضي سليما عن المعارض.