والخلاف هنا في شيء واحد ، وهو أنّ استعمال المنفصل على سبيل الحقيقة أو على سبيل المجاز؟ مع وقوع الاتّفاق على أنّه حقيقة في المتّصل.
والحقّ هو الثاني ، خلافا للقاضي.
لنا وجوه :
الأوّل : الاستثناء مأخوذ من الثني ، وهو إخراج بعض ما تناوله اللّفظ ، ولا يتحقّق ذلك في غير الجنس ، فإنّ من قال : رأيت الناس [إلّا الحمر] ، لا يدخل فيه غيرهم من الأجناس ، فلا يتحقّق الاخراج حينئذ ، لعدم تحقّق الدّخول الّذي هو شرط الإخراج ، بل الجملة الأولى باقية بحالها لم يخرج عنها شيء. (١)
وفيه نظر ، لإمكان ثبوت المسبوقيّة (٢) هنا ، فإنّ الحاكم على جملة ، يحتمل حكم على أخرى به ، وبالمنفصل يخرج الاحتمال ، ويتحقّق الثني ، خصوصا والمنفصل إنّما يحسن مع احتمال المشاركة.
الثاني : الاستثناء من غير الجنس إمّا أن يكون من اللفظ ، أو من المعنى ، والقسمان باطلان ، فيبطل من غير الجنس حقيقة.
أمّا الأوّل ، فلأنّ اللّفظ الدّالّ على الشيء فقط ، لا يدلّ على ما يخالف مسمّاه ، وإذا لم يدلّ اللّفظ على ذلك المخالف ، لم يحتج إلى صارف يصرفه عنه.
وأمّا الثاني ، فلأنّه لو جاز حمل اللّفظ على المشترك بين مسمّاه
__________________
(١) الاستدلال للآمدي في الإحكام : ٢ / ٣٩٣.
(٢) في «أ» و «ب» : المشتقّ منه.