وأيضا ، النّصوص الدّالة على كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم مبعوثا إلى الناس كافّة ، إنّما تلزم لو توقّف مفهوم الرّسالة والبعثة إلى كلّ النّاس على المخاطبة للكلّ بالأحكام الشّرعية شفاها ، وليس كذلك ، بل ذلك يتحقّق بتعريف البعض بالمشافهة ، وتعريف الآخرين بنصب الدّلائل والأمارات ، واجتهاد المجتهد باستخراج أحكام بعض الوقائع من بعض ، لكثرة الأحكام الشرعية ، وعدم النصّ على كلّ واحد منها عينا ، وكثرة الوقائع.
ولا يلزم من ذلك أن لا يكون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم رسولا ولا مبلّغا بالنسبة إلى الأحكام الّتي لم تثبت بالنصوصيّة من خطابه ، وكذا في الأحكام الّتي لم تثبت بالخطاب شفاها.
لا يقال : الدلائل الّتي يمكن الاحتجاج بها في الأحكام الشرعيّة على من وجد بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غير الخطاب ، إنّما يعلم كونها حجّة بالدلائل الخطابيّة ، فإذا كان الخطاب الموجود في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا يتناول من بعده ، فقد تعذّر الاحتجاج به عليه.
لأنّا نقول : يمكن معرفة كونها حجّة بالنّقل عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه حكم بكونها حجّة على من بعده ، أو بالإجماع المنقول عن الصّحابة وغيرهم على ذلك ، وهو الجواب عن الثاني.
وعن الثالث : أنّ الإجماع على أنّا مكلّفون بمثل ما كلّفوا به ، أمّا على أنّا مخاطبون بذلك الخطاب ممنوع ، وذلك لأنّ الله تعالى عرّفنا أنّا مكلّفون حال وجودنا بمثل تكليف من عاصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ الخطاب للمعدوم ممتنع