نحن فيه لا يقال : فلان معروف بالكفّ عن الحرام ، إلاّ بعد اختباره بالمعاملات والمحاورات الجارية بين الناس ، كما لو وقع في يده أمانة أو تجارة أو نحو ذلك ، أو جرى بينه وبين غيره خصومة أو نزاع ، فإن كان ممّن لا يتعدى في ذلك الحدود الشرعية فهو العادل ، وإلاّ فغيره.
وأمّا من لم يحصل الاطّلاع على باطن أحواله وإن رُئي مواظباً على الصلوات والتدريس والتدرس ونحو ذلك ، فهو من قبيل مجهول الحال ، لا يصدق أنّه يعرف بالاجتناب عن المحرمات ، بل يحتمل أن يكون كذلك وأن لا يكون.
وأظهر من هذه الصحيحة الأخبار الأخيرة المعبّرة عنه بمعاملته مع الناس فلم يظلمهم ، إلى آخر الأُمور المعدودة فيها ، وهي لا تقصر عن المعاشرة الباطنيّة ، بل لعلّها عينها ، كما يظهر من المسالك حيث قال : يعتبر في المزكّي أن يكون خبيراً بباطن من يعدّله ، إمّا بصحبة أو جوار أو معاملة أو نحوها (١).
ونحوها باقي الأخبار الدالّة على اعتبار الخير والصلاح في العادل (٢) ؛ إذ مقتضاها اعتبار العلم بوجودهما في نفس الأمر ، كما مضى (٣) ، ولا يحصل إلاّ بالخبرة الباطنيّة.
ونحو هذه الأخبار كلمة القدماء المعبّرة عنه بالمعروف بالدين والورع ، كما في كلام المفيد (٤) ، أو بالستر والعفاف ، إلى آخر ما في
__________________
(١) المسالك ٢ : ٣٦٢.
(٢) المتقدمة في ص : ٤٢ ، ٤١.
(٣) راجع ص : ٣٤ ، ٤٠.
(٤) المقنعة : ٧٢٥.