( و ) لازم ذلك أنّه ( لا يكفيه ) مجرد اطلاعه بـ ( فتوى الفقهاء ) لعدم كونه بذلك مجتهداً مطلقاً يجوز له الإفتاء والقضاء ، بل ولا متجزّئاً أيضاً ، بناءً على أنّ مناط الاجتهاد مطلقاً إنّما هو العلم بمدارك الأحكام كلاًّ أو بعضاً لا الاطلاع بفتوى الفقهاء ، فلو حصل له دون الأوّل لم يكن مجتهداً ، كما أنّه لو انعكس فعلم بالمدارك ولم يطلع بها ، كان مجتهداً مطلقاً لو علم بالمدارك كلها ، ومتجزئاً لو علم ببعضها.
والأصل في اعتبار أهليّة الفتوى في صحة القضاء بعد الإجماع الظاهر والمحكي في الروضة والمسالك وغيرهما (١) ما مضى من النصوص المعتبرة للعلم في الفتوى.
ونحوها الأصل (٢) ، والعمومات من الكتاب (٣) والسنّة (٤) المستفيضة ، بل المتواترة الناهية عن العمل بالمظنة ، ومن ليس له الأهليّة لا يحصل له سوى المظنة غالباً المنهي عن العمل بها ، بل من له الأهليّة كذلك أيضاً ، إلاّ أنّ حجية ظنه مقطوع بها مجمع عليها ، فهو ظن مخصوص في حكم القطع ، كسائر الظنون المخصوصة من ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة اللفظية ، والأنساب ، والسوق ، واليد ، وغيرها ، ولا كذلك ظن من ليس له الأهليّة ؛ إذ لا دليل على حجيته قاطعاً ، بل ولا ظنيّاً ، ولو سلّم الأخير فغايته إثبات الظني بمثله ، وهو غير جائز بإطباق العقلاء.
ومن هنا ينقدح وجه المنع عن التجزّي ؛ إذ ليس معناه إلاّ العمل
__________________
(١) الروضة ٣ : ٧٠ ، المسالك ٢ : ٣٥١ ؛ وانظر الكفاية : ٢٦١.
(٢) في « ح » و « ب » : الأُصول.
(٣) يونس : ٣٦.
(٤) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٥ أبواب صفات القاضي ب ٦.