اخرى ـ حين قال : «... ان الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فان محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» (١).
وأي امتحان أشد من أن يرى حجّة الله وهو محاصر من قبل أعدائه وهم يخذلونه طمعا في مغانم دنيوية أو خوفا من الموت. وعند ما كان الإمام يطلب النصرة طوال مسيره ولا يلقى منهم رغبة في الجهاد أو قدرة على التضحية ، كان يأمرهم بالابتعاد عن المنطقة ويقول : «فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا إلّا (هلك) أكبّه الله في نار جهنم» (٢).
إضافة إلى ما تضمّنته كربلاء من امتحان عظيم ، فقد كانت في الوقت نفسه سببا للتقرّب من الله وعلو الدرجة ، كما اختبر إبراهيم وإسماعيل بأمر الذبح ، وكما امر إبراهيم بأن يترك ذرّيته بواد غير ذي زرع. واختبره الله أيضا بنار نمرود حين القي في سعيرها.
وقدّم سيّد الشهداء أيضا اثنين وسبعين قربانا إلى مسلخ العشق ، وكان هو الذبح العظيم ، وقربان آل الله ، وتعرض عياله في صحراء الطف لصنوف الأذى والعذاب والعطش.
وخرجوا كلّهم من ذلك الاختبار بوجوه وضّاءة ، وكان كلام سيد الشهداء في اللحظات الاخيرة دليلا على الرضا والتسليم : «الهي رضا بقضائك وتسليما لأمرك».
وكان في كلام فاطمة بنت الإمام الحسين اشارة إلى ان كربلاء كانت موضع ابتلاء لامة الرسول وللعترة ، ففشل فيها الآخرون ، وابلى فيها آل الرسول بلاء حسنا : «فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا» (٣).
وهكذا يمكن أيضا النظر إلى عاشوراء من زاوية «البلاء» واعتبار «الابتلاء»
__________________
(١) تحف العقول : ٢٤٥.
(٢) انساب الاشراف ٣ : ١٧٤ ، بحار الانوار ٤٤ : ٣٧٩.
(٣) رياض القدس ٢ : ٣٤١.