واغلب الشدائد والمصائب تكون تمحيصا للناس في دنياهم للتمسك بالدين. وكربلاء (كرب وبلاء) هي مزيج من المحن والآلام الشديدة ، وكانت اكبر اختبار تاريخي لأهل الحقّ والباطل لاجل أن يحدّدوا مواقفهم.
لمّا بلغ سيّد الشهداء تلك البقعة ، سأل : ما اسم هذا الموضع؟ فقيل له : كربلاء. فدمعت عيناه وراح يقول : «اللهم اني اعوذ بك من الكرب والبلاء» وقد أيقن بأنّ شهادته هو وأصحابه في هذا المكان فقال : «هذا موضع كرب وبلاء ، هاهنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا وسفك دمائنا» (١).
كان اختلاط اسم هذه الأرض بالمصائب والشدائد قد نقل من قبل هذا عن لسان بعض الأولياء ؛ فعيسى عليهالسلام عند ما مرّ بها بكى وقال : إنّها أرض كرب وبلاء (٢).
وحينما كان الحسين طفلا مع امّه تحمله اخذه النبي صلىاللهعليهوآله وقال : لعن الله قاتلك. فسألته فاطمة عليهاالسلام : وأين يقتل ولدي؟ قال : «موضع يقال له كربلاء وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الامّة [الأئمّة] ...» (٣).
اذا اعتبرنا كربلاء أرض البلاء ، فهي موضع اختبار لإخلاص وفداء ومحبّة أبي عبد الله عليهالسلام وأهل بيته وأصحابه الذين تجلّى جوهرهم الذاتي وبعدهم الرفيع ومدى صدق عقيدتهم وادّعائهم ، في بوتقة الآلام والشهادة والمحن والمصائب. وظهرت فيها أيضا ماهيّة أهل الكوفة وأدعياء نصرة الحسين ، وانكشفت من خلالها حقيقة الحكّام الأمويين تجاه سبط الرسول وحجّة الله.
وقد أشار أبو عبد الله عليهالسلام إلى دور البلاء في اكتشاف جوهرة التديّن ، ومدى الالتزام في خطابه في منزل يقال له «ذي حسم» أو في كربلاء ـ وفق رواية
__________________
(١) مروج الذهب للمسعودي : ٥٩.
(٢) بحار الانوار ٤٤ : ٢٥٣.
(٣) بحار الانوار ٤٤ : ٢٦٤.