ولا يبعد أن يقال : إنّ فكرة الأخباريّة في الإماميّة قد نشأت منذ عهد قديم في قبال فكرة الاجتهاد.
فالاتّجاه الأخباري يعتمد الجمود على ظواهر النصوص ، بينما يعتمد الاتّجاه الاجتهادي ـ بالإضافة إلى ظواهر النصوص ـ الإدراك العقلي ، ويقيس ظواهر النصوص على اُمور خارجة عن نطاقها من المدركات العقليّة والاُصول المسلّمة.
وهذا الاتّجاهان قد شكّلا في الفقه العامّي والإمامي مدرستين متقابلتين ، فنشأت في الأوّل مدرسة الرأي والقياس ، وعلى رأسها أبوحنيفة ، وفي قبالها مدرسة الظاهريّة ، وعلى رأسها داود الظاهري وأحمد بن حنبل.
ونشأت في الثاني مدرسة الاجتهاد والاستنباط ، وعلى رأسها أمثال : زرارة بن أعين ويونس بن عبدالرحمن والفضل بن شاذان ، وفي قبالها مدرسة كان يعبّر عن أهلها بأصحاب الحديث أو الحشويّة.
ولا نعني بهذه المقارنة إثبات وحدة المسلكين ـ الظاهري والأخباري أو القياسي والاجتهادي ـ كلاّ ، فإنّ بينهما فوارق أساسيّة ، فإنّ مثل زرارة ويونس بريء من القول بالقياس الذي تبنّاه أبوحنيفة وأصحابه (١).
__________________
١. وإن كانوا قد نُسِبوا إلى القول بالقياس ، فإنّ له معنى آخر لا مجال لذكره هنا .. وهذه النسبة هي من الشواهد على وجود اتّجاه عقليّ في الأشخاص المنسوب إليهم يشابه القياس في بعض الجهات.