الآخر : الفقه الاستدلالي.
وهو الذي يهتمّ بالتفصيل في عرض الأحكام الشرعيّة مع أدلّتها ، بالقبول أو الردّ ، بالترجيح أو التضعيف ، بالإبرام أو النقض ، على نحو من التوسّع في البيان ، والإحاطة بالأسانيد والأقوال ، وكثرة الفروع وتشعّبها ، ملحوظٌ فيه جانب البحث والمناقشة والعرض العلميّ بشكل جلي.
ومن أمثلته : منتهى المطلب للعلاّمة الحلّي ، الذكرى للشهيد الأوّل ، المسالك والروضة للشهيد الثاني ، جامع المقاصد للمحقّق الكركي ، مجمع الفائدة للأردبيلي ، المدارك للسيّد السند ، كشف اللثام للفاضل الهندي ، رياض المسائل للطباطبائي ، المستند للنراقي ، جواهر الكلام للشيخ محمّد حسن النجفي ، وغيرها.
ولقد مرّ الفقه الشيعي بعدّة أدوار ، يعتقد البعض أنّها سبعة : التشريع ، التدوين ، التطوّر ، الجمود والتقليد ، النهوض ، الرشد والنمو ، التكامل ; وهذا الأخير استطاع فيه الفقه الشيعي أن يبلغ ذروته من حيث المتانة ، والمرتبة الرفيعة من الدقّة ، والضبط ، وتقوية الاُصول ، وتفريع الفروع ، ورقيّ الاستنباط.
ولعلّ هذه الدرجة السامية ، والمقام الشامخ ، والنضوج التام ، هي حصيلة النزاع الذي كان دائراً آنذاك بين المدرسة الأخباريّة ومدرسة الفقه والاجتهاد ، فقد كانت الاُولى سائدة ومزدهرة في كربلاء بعد أن تركّزت وانتشرت في البحرين.