حفظتها طيلة السنين والقرون المتمادية. من جملة ذلك خضوعها لقيادة الفقيه الجامع للشرائط ، خضوعاً لا يتأتّى عبثاً ولا يحصل جزافاً ، إنّما عن جدارة واستحقاق تشترك عدّة عوامل في تحقّقهما ، كصون النفس وحفظ الدين ومخالفة الهوى وإطاعة أمر المولى ، مع مسحة إلهيّة وعناية ربّانية ويد غيبية حاضرة تكشف وتنير وتؤيّد.
ولا غرو في ذلك ; فهو القائد والرمز الذي يسمو فوق المحن والآلام والصعاب والتخندقات والرغبات ، القطب الذي لا معنى للأشياء في قاموسه إلاّ معاني النبل والشرف والإيمان والمبادئ والاُصول الحقّة ، ولا تصفية حسابات في جدول أعماله ولا ثأر ولا انتقام ولا حقد ولا حسد ولا استبداد ولا استعراض ولا مظاهر ترف ولا استئناس بملذّات الحياة ، هجير الصيف لا يؤذيه ، زمهرير الشتاء لا يثنيه ، لا تعطيل أيّام التحصيل ولا راحة أيّام التعطيل ، من الناس إلى الناس في الناس ، لا مناطق فراغ بينه وبين الناس ...
هكذا هو الفقيه العالق في أذهان وقلوب الناس ، هكذا هو الفقيه الذي إذا صمت صمت الناس ، وإذا قال قالوا ، وإذا سكن سكنوا ، وإذا تحرّك تحرّكوا ، تسجد الدنيا له راكعةً ولا يعتني لحالها أبدا ، تقصده الاُمّة كي يكون قائدها وكهفها وملاذها ، لا ذاك الذي ذهب وجاء واحتمى بظلّ وعباءة مَن سواه ليبلغ المراد دون أن يدرك أنّ عزّاً كهذا يطلِبُ ولا يُطلَب ، يطلبُ ذاك الراغب عنها لا الراغب فيها ، ذاك الذي لا يلوذ بكساء الحسب والنسب والعشيرة ... بل بظلّ الله يحتمي وعليه يتّكل ، ذلك الذي يحمل