الشهيرة : «يا فضيل! تجلسون وتتحدّثون؟» قلت : نعم ، جُعلت فداك ، قال : «إنّ تلك المجالس اُحبّها ، فأحيوا أمرنا ، يا فُضيل! فرحم الله من أحيا أمرنا» الواردة في المصادر بتفاوت يسير؟
ولعلّني اهتديتُ إلى اُفق من آفاقها الرحبة يهتف في أعماقي صادحاً : إنّ الإمام (عليه السلام) لم يقصد بتاتاً الجلوس العبثيّ والحديث اللغو ، ولاسيّما أنّ مقدّمات الحكمة حاصلةٌ في المقام ، إلى ذلك قوله (عليه السلام) : «أحيوا أمرنا» ولا شكّ أنّ المراد بأمرهم عليهم السلام : فكر ونهج ومبادئ واُصول وسيرة وأخلاق ومقاصد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .. وهل يُحيا أمرهم (عليهم السلام) بمجالس العبث ولغو الحديث؟!
ومن نافلة القول الإشارة إلى المعروف عن الفضاء الحوزويّ النجفيّ : أنّ العلماء والفضلاء وسائر الطلبة إذا زاروا أحدهم لسبب ما سرعان ما يطرحون مسألةً علميّة ويشرعون البحث فيها نقضاً وإبراماً حتى ولو كانت على نحو التكرار ; تثميناً منهم لقيمة الوقت والعلم وسعياً نحو صقل موهبة التفكير وتمرين العقل على إدارة العلم بأفضل الأنحاء وأرقى الآليات والوسائل.
هلاّ تساءلنا : أين نحن من بوصلة العقل المدير والفكر السليم والرؤى الفاعلة؟ هلاّ أفقنا من سباتنا العميق وجهلنا الرهيب؟ هلاّ خرجنا من دائرة الأوهام الذليلة ونفضنا عنّا غبار الذاكرة المريضة ، إلى عزّ الفطرة السليمة والذاكرة الأزليّة القديمة ..