وخضوع ، ولكن يبقى السؤال : لِمَ لا سرمديّة ولا خلود كسرمديّة وخلود الحسين؟
إذن ما الذي جعل من الحسين قضيّةً لا تنتهي وفكراً دوّاماً ومصدرَ فيض لا تجفّ منابعه ، لماذا يبكيه محبّوه كلّما مرّ ذكره وسردت مأساته رغم الفاصل التاريخي الكبير ، فيعقدون له المآتم التي تزداد هيبةً وعظمةً ويتنافسون بإظهار أرقى مراتب الولاء والعشق والعزاء ، وصار التمسّك بشعائر الحسين وإحياء ذكراه خطّاً أحمر لا يمكن تجاوزه ، وهكذا يدوم الحديث فيه (عليه السلام) والبكاء عليه طيلة أيّام السنة ولاسيّما في شهري محرم وصفر ; إذ تتغيّر كلّ المظاهر ، وتتهيّأ النفوس لستّين يوماً من الحزن والألم ، وتعطّل كلّ برامج الفرح والسرور بانطلاقة ذاتيّة محضة دون أدنى تأثيرات ومغريات ومحفّزات ، ويكون الواحد من أتباعه ومحبّيه على أهبّة الاستعداد ليبذل ما لديه فخراً واعتزازاً في سبيل إحياء ذكراه الخالدة؟
إنّ الحسين يعني في قلوب مواليه كلّ شيء ، فهو المبدأ والقيمة والنهج الذي لا نظير له ، إنّه عدل القرآن المبين والهادي إلى سواء السبيل ، والالتزام بفكره وأخلاقه يعني خير الدنيا والآخرة ، إنّه الحدّ الفاصل بين الكفر والإيمان ، منقذ البشريّة من الانحراف والضلال.
أمّا النخب من المعرفيّين وذوي الاختصاص والرموز الفكريّة والعلميّة والثقافيّة فقد أنتجت في نسقه ومبادئه وسيرته خيرة آثارها ، السيرة التي لم تأفل بل تزداد عنفواناً وعطاء كلّما مرّت العقود والقرون والأحقاب ،