وغيرها ، ولا مؤثّرات وجلسات استشاريّة ، ولا تحضيرات واستعدادات يُرصَد لها هائل الأموال وتوظّف لها مختلف الطاقات والإمكانيّات .. بل صار الحسين رغم مرور أربعة عشر قرناً على قتله هو الذي يسيّر العقول والقلوب ، فانعقدت به موضوعات المعرفة والثقافة والأدب والتأريخ ، كلّها تراجع وتقرأ وتحلّل وتبحث في نهضته المباركة ، نهضة الإصلاح والتغيير لواقع هيمن عليه الاستبداد والحقد والفهم البراغماتي لقيم الدين ومبادئه ، فامتدّت الذراع الاُمويّة لتنال من حقيقة الفكر والرسالة وتسخّر العقل والثقافة وطاقات الاُمّة نحو حالات الاضطراب العقائدي والفوضى الثقافيّة ، عبر اختلاق الأكاذيب والوقائع المزوّرة والنصوص الوهمّيّة ، فانتشر الفساد المعرفي وامتدّت آثاره إلى يومنا هذا. ولولا الفكر الإصلاحي والنهج التغييري الذي سلكه الحسين وضحّى بمهجته وخيرة أهله وصحبه من أجله لأطبق التيّار الاُموي على كلّ مقدّرات الاُمّة وأحكم قبضته وسدّ كلّ منافذ العقل والاجتهاد .. ولولا نسق الحسين لما عاد للأصالة والثوابت حديثٌ يذكر ، ولما بنت العقلانيّة كيانها في بقاع الفكر الحواريّ الإسلاميّ الشيعي.
فرغم أنّ الحسين (عليه السلام) حقيقةٌ شاهقةٌ بدمائه وفكره ومعرفيّته وثقافته وعقيدته وتغييره وإصلاحه ونهجه ، وواقعٌ لا تغتاله الأوهام والخيالات ، لكنّ هذا ليس السرّ المقصود في معنى الخلود المعهود ; إذ الاستقراء التاريخي يضبط حالات مناظرة وشبيهة لما عليه الحسين (عليه السلام) من نهج وحركة وأصالة التُزِم بها إلى آخر المطاف دون أدنى استسلام وتخاذل