والمضمون إلى يومنا بنحو تصاعدي ، ثم كيف فرض السؤال وجوده وأنا اُطالع ما ذكرت؟ ما هي العلاقة بين خلود الحسين وتكوّن العقل العربي والإسلامي؟
لعلّ خصائص العقل العربي المعياريّة التي ذكرها الجاحظ من سرعة البداهة والحكم والارتجال ، قبال خصائص العجم والفرس من المعاناة والتفكير الطويل والاجتهاد والمشاورة ودراسة الكتب وغيرها ، هي التي أحضرت سؤال «الحسين» بعقلي وذهني ، ولاسيّما أنّ هناك من يعدّ ما صدر من الجاحظ استلاباً لقدرة العرب على التعقّل. وربما حقيقة الأمر كما عليه رأي الجاحظ والجابريّ ـ المستشكل ـ على حدٍّ سواء ، وبذلك لابدّ للعقل العربي أن يُلحِقَ بخصائصه خصائص العجم ليتأمّل ويبحث ويراجع ويحفر ويبعثر ويقارن ويستقرئ ويحلّل ويستنتج الصحيح ، فإنّها دعوة لمراجعة الفكر والتاريخ والمناهج المعتمدة ، دعوة إلى تقصّي الحقائق بكلّ وضوح وشفّافيّة على أساس من النسق العلميّ المعرفيّ بأدوات تسمو على الانحياز والطائفيّة والإغماط ، إلى دراسة «الحسين» وسرّ الخلود الذي يزداد عنفواناً كلّما مرّت الأيّام والسنون ، «الحسين» الذي رقى فوق إشكاليّة الخلافة ومعارضة نظام الحكم الاُموي القائم آنذاك ، ليتحوّل إلى فكر وثقافة راسخة في ضمير الاُمّة والإنسانيّة قد تركت آثارها ـ التي لن تزول ـ على الواقع العقائدي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، وباتت مسلّمةً من مسلّمات الهويّة والانتماء والعقل العربي الإسلامي.