العقل الكوني «محايثاً» للطبيعة ومنظّماً لها من داخلها ، إنّه بذلك يميل إلى إقرار نوع من وحدة الوجود باعتبار «المحايثة» المذكورة.
في حين أنّ تصوّر آناكساجوارس لـ «النوس» ـ العقل الكلّي ـ مختلف ; إذ جعل منه مبدأً مفارقاً غير مندمج في الطبيعة ولا محايثاً لها ، فالعقل الكلّي عبارة عن نفس مستقلّة تصدر عنها نفوس مستقلّة.
نهضت من رحم الفكر الهراقليطسي الرواقيّة ، ومن الفكر الآناكساجوارسي الفلسفة السقراطيّة.
سار العقل الاُوربيّ في فلسفته الحديثة على نفس الاتّجاه ; إذ جعل ديكارت وكنت العقل البشري هو المنظّم للتجربة والمشرّع للطبيعة. إلى أن جاءت نظريّة الكمّ «الكوانتا» حيث أحلّت «الاحتمال» محلّ «الحتميّة».
يرشح من ذلك : أنّ المطابقة بين العقل ونظام الطبيعة ، والقول بأنّ العقل يكتشف نفسه في الطبيعة ومن خلال التعامل معها ، ثابتان أساسيّان في بنية الفكر الغربي : اليوناني والاُوربّي.
أمّا العقل العربي والإسلامي فإنّه يتمحور حول ثلاثة أقطاب : الله ، الإنسان ، الطبيعة.
وبالتكثيف يحذف «الله» من العقل اليوناني والاُوربّي ، بينا تحذف «الطبيعة» من العقل العربي الإسلامي.