اقول : الداعى البلاغى اظهار المتكلم ما فى نفسه من الخاطرات مخاطبا لغير الآدمى حين لا يجد مخاطبا آدميا كمعز الاخفش ، اولا يصلح ان يظهر لآدمى كما روى ان جابر بن يزيد الجعفى قال للصادق عليهالسلام : انى حفظت من ابيك احاديث امرنى ان لا احدث بها احدا فقد ضاق ذرعى منها ، قال عليهالسلام : اخرج الى الجبانة وادل راسك فى بئر فحدث ، او يريد ان يسمع كلامه من هو حاضر عنده قريب منه ولكن لا يرى توجيه الخطاب اليه صالحا فينادى غير آدمى ليسمعه ذلك الحاضر عنده ، او يريد اظهار ما فى نفسه من غير داع لاسماع احد فيبدا بخطاب غير فاهم ثم يظهر كلامه.
ثم ان هذا الذى قالوا انما هو فى غير كلام الله تعالى وكلام من يفهم لسان غير الآدمى من الانبياء والاوصياء والملائكة ، فان كل موجود له شعور وسمع ولسان كما نطق به القرآن ، فالله تعالى ينادى كل شىء بلسانه وسمعه وليس مجازيا ولا حكميا ، كما يخاطب بغير حرف النداء ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ـ ٥٠ / ٣٠ ، (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ـ ٤١ / ١١ ، وكذا غيره ممن ذكرنا كمكالمة سليمان عليهالسلام مع الهدهد ، كما ان نداء موجود لآخر من سنخه ليس مجازيا ولا حكميا ، كنداء النملة فى قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) ـ ٢٧ / ١٨ ، فافهم ان كنت من اهله.
الامر الثانى : قد يدخل حرف النداء على الجملة الاسمية او الفعلية ، نحو قوله تعالى : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ـ ٣٦ / ٢٧ ، (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) ـ ٢٥ / ٢٧ ، وكقول على عليهالسلام : فيا عجبا وما لى لا اعجب من خطا هذه الفرق على اختلاف حججها فى دينها ، اى فيا عجبت عجبا ، ومثله قوله : فيا عجبا والله يميت القلب ويجلب الهم اجتماع هولاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم ، وقوله : فيا عجبا بينا هو يستقيلها فى حياته اذ عقدها لآخر