ثمّ ما ذكر من المتواتر ، فإن ادّعى أنّه متواتر عند أهل السنّة والجماعة ، فقد بيّنّا بطلانه ، وأنّه ليس حديث متواتر عندنا إلّا ما ذكرناه (١).
__________________
(١) إنّ تعريف الفضل هذا للتواتر بقوله : « لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم على الكذب » فيه تأمّل.
والأولى أن يقال في تعريفه : « هو خبر جماعة يحصل بإخبارهم العلم ، ويبلغوا من الكثرة بحيث يمتنع عادة تعمّدهم واتّفاقهم على الكذب ».
وقد خفي على الفضل بأنّ للتواتر أقساما ، فمنها :
التواتر الإجمالي : وهو أن يوجد بين مجموعة الأخبار ـ وإن اختلفت ألفاظها ـ ما تشترك به ، فيكون المشترك بينها متواترا إجماليا.
التواتر المعنوي : وهو أن تتّفق الأخبار معنى لا لفظا ، كعلمنا بشجاعة الإمام عليّ عليهالسلام ، وكرم حاتم الطائي ، وإن اختلفت الصور الناقلة لمواقف عليّ عليهالسلام في حروبه ، وحالات حاتم في إكرامه ، ولكنّ مجموعها يفيد العلم بأنّ عليّا عليهالسلام كان شجاعا ، وأنّ حاتما كان كريما.
التواتر اللفظي : وهو أن تتّحد ألفاظ المخبرين في خبرهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وبلدانهم.
أمّا عدد المخبرين ، فقد حدّده ابن حزم بأربعة ، واشترط الباقلّاني بأن يكونوا أكثر من أربعة ، ومنهم من قال : سبعة ، على عدد الأفلاك ؛ ومنهم من قال : إنّ أقلّه عشرة ؛ لأنّه أوّل جموع الكثرة ، كالإصطخري ؛ ومنهم من قال : اثنا عشر ، عدد نقباء بني إسرائيل ؛ وحكي عن أبي الهذيل العلّاف أنّ أقلّه عشرون ، وقيل أكثر من ذلك.
وكل هذا كلام غير سليم ؛ لأنّ المعيار في ذلك هو حصول العلم بعدم تعمّد الكذب ، وكلّ ذلك يعتمد على نوع الخبر المنقول وخطره ودقّته .. إلى غير ذلك ، ويشترط فيه استواء الوسط والأطراف ، مضافا إلى الحسّ.
أمّا قوله : « اتّفق جميع المحدّثين أنّه ليس حديث متواتر إلّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « من كذب عليّ متعمّدا ... » ..
فقد سبقه ابن الصلاح إلى ذلك ، وردّ عليه السيوطي في تدريب الراوي ٢ / ١٧٨ ـ ١٨٠ ، فقال : « ما ادّعاه ابن الصلاح من عزّة التواتر ، وكذا ما ادّعاه غيره