إلى ما رزقوا في الدارين ، فإنّه مدلول عليه بقوله : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) ، ونظيره قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (١) أي : بجنسي الغنيّ والفقير. وعلى الثاني إلى الرزق كما أنّ «هذا» إشارة إليه ، فيكون المعنى : أنّ ما يرزقونه من ثمرات الجنّة يأتيهم متجانسا في نفسه ، كما حكي عن الحسن.
وعلى الأوّل لمّا كان التشابه بين ثمرات الدنيا والآخرة حاصلا في الهيئة الّتي هي مناط الاسم دون المقدار والطعم ، وهو كاف في إطلاق التشابه ، فلا يقال : إنّ التشابه هو التشابه في الصفة ، وهو مفقود بين ثمرات الدنيا والآخرة ، كما قال ابن عبّاس : ليس في الجنّة من أطعمة الدنيا إلّا الأسماء.
(وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ). ممّا يستقذر من النساء ويذمّ من أحوالهنّ ، كالحيض والدّرن ودنس الطبع وسوء الخلق ، فإنّ التطهير يستعمل في الأجسام والأخلاق والأفعال. وإنّما قال : مطهّرة ، ولم يقل : طاهرة ، لأنّ في «مطهّرة» فخامة لصفتهنّ ليست في طاهرة ، وهي الإشعار بأنّ مطهّرا طهّرهنّ ، وليس ذاك إلّا الله عزوجل المريد بعباده الصالحين أن يخوّلهم كلّ مزيّة فيما أعدّلهم. وإفراد الصفة على تأويل الجماعة. والزوج يقال للذكر والأنثى ، وهو في الأصل لما له قرين من جنسه كزوج الخفّ.
وفائدة المطعوم والمنكوح فيها لا يكون إلّا محض الالتذاذ لا دفع ضرر الجوع والتوالد وحفظ النوع ، فمطاعم الجنّة ومناكحها إنّما تشارك نظائرها الدنيويّة في بعض الصفات والاعتبارات.
ولمّا كان معظم اللذّات الحسنة مقصورا على المساكن والمطاعم والمناكح على ما دلّ عليه الاستقراء ، وكان ملاك كلّه الثبات والدّوام ، فإنّ كلّ نعمة جليلة إذا قارنها خوف الزّوال كانت منغصّة غير صافية من شوائب الألم ، بشّر المؤمنين بوعد
__________________
(١) النساء : ١٣٥.