القسوة الّتي هي سبب الكفر والقتل. فجرّهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات وقتل النّبيّين ، ولهذا صغار الذنوب سبب يؤدّي إلى ارتكاب كبارها ، كما أنّ صغار الطاعات أسباب مؤدّية إلى تحرّي كبارها.
وقيل : «ذلك» إشارة أيضا إلى ضرب الجزية والذلّة والبوء بالغضب ، فكرّر الإشارة للدلالة على أنّ ما لحقهم من ضرب الذلّة والمسكنة والبوء بالغضب كما هو بسبب الكفر والقتل ، كان أيضا بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله.
واعلم أنّ التخلية بين الكفّار وقتل الأنبياء إنّما جاز لينال الأنبياء من رفع المنازل والدرجات ما لا ينالونه بغير القتل ، فليس ذلك بخذلان ، كما أنّ التخلية بين المؤمنين والأولياء والمطيعين وبين قاتليهم ليست بخذلان لهم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
وبعد ذكر حال أهل الكفر والعناد بشّر أهل الإيمان الحقيقي بالفوز الأبدي والفلاح السرمدي يوم المعاد بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أظهروا الإيمان بألسنتهم من غير مواطاة القلوب ، يريد به المنافقين ، لانخراطهم في سلك الكفرة.
(وَالَّذِينَ هادُوا) تهوّدوا. يقال : هاد وتهوّد إذا دخل في اليهوديّة ، وهو هائد. ويهود إمّا عربيّ من «هاد» إذا تاب ، سمّوا بذلك لمّا تابوا من عبادة العجل. وأصله الميل ، كقوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي : ملنا. ويقال لمن تاب : هاد ، لأنّ من تاب عن شيء مال عنه. وقيل : سمّوا بذلك لأنّهم مالوا عن دين الإسلام. وإمّا معرّب