ينقطع ، فإنّك لا تعني به العين المشاهدة منه ، بل النوع المعلوم المستمرّ بتعاقب جريانه وإن كانت الإشارة إلى عينه. فالمراد أنّ هذا مثل الّذي ... إلخ ، ولكن لمّا استحكم الشبه بينهما جعل ذاته ذاته.
وجعل ثمر الجنّة من جنس ثمر الدنيا لتميل النفس إليه أوّل ما رأت ، فإنّ الطباع مائلة إلى المألوف متنفّرة عن غيره ، وتتبيّن لها مزيّته وكنه النعمة فيه ، إذ لو كان جنسا لم يعهد ظنّ أنّه لا يكون إلّا كذلك ، فلا يتبيّن موقع النعمة حقّ التبيّن. فحين أبصروا الرّمّانة من رمّان الدنيا ومبلغها في الحجم ، وأنّ الكبرى لا تفضل عن حدّ البطّيخة الصغيرة ، ثم يبصرون رمّانة الجنّة تشبع السّكن أي : أهل الدار ، والنّبقة من نبق الدنيا في حجم الفلكة ، ثم يرون نبق الجنّة كقلال هجر ، كما رأوا ظلّ الشجرة من شجر الدنيا وقدر امتداده ، ثمّ يرون الشجرة في الجنّة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعه ، كان ذلك أبين للفضل ، وأظهر للمزيّة ، وأجلب للسرور ، وأزيد في التعجّب من أن يفاجئوا ذلك الرمّان ، وذلك النبق من غير عهد سابق بجنسهما.
وقيل : معنى «من قبل» قبل هذا في الجنّة ، لأنّ طعامها متشابه في الصورة ، كما حكي عن الحسن أنّ أحدهم يؤتى بالقصعة فيأكل منها ، ثم يؤتى بأخرى فيراها مثل الأولى ، فيقول ذلك ، فيقول الملك : كل فاللّون واحد والطعم مختلف. وكما روي أنّه عليهالسلام قال : «والّذي نفس محمد بيده أنّ الرجل من أهل الجنّة ليتناول الثمرة ليأكلها ، فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدّل الله مكانها مثلها». فيمكن أنّهم إذا رأوها على الهيئة الاولى قالوا ذلك. والأوّل أظهر ، لمحافظته على عموم «كلّما» ، فإنّه يدلّ على ترديدهم هذا القول كلّ مرّة رزقوا ، والداعي إلى ذلك فرط استغرابهم وتبجّحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللّذة والتشابه التامّ في الصورة.
وقوله : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) اعتراض يقرّر ذلك. والضمير على الأوّل راجع