(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧))
ثمّ ذكر الله سبحانه ما أمر به آدم عليهالسلام بعد ما أنعم عليه ، من اختصاصه بالعلوم الّتي بها أوجب له الإعظام وأسجد له الملائكة الكرام ، فقال : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). نون «قلنا» نون الكبرياء والعظمة لا نون الجمع. والسكنى من السكون ، لأنّها استقرار ولبث. و «أنت» تأكيد أكّد به المستكن ليصحّ العطف عليه. وإنّما لم يخاطبهما أوّلا تنبيها على أنّه المقصود بالحكم ، والمعطوف عليه تبع له.
و «الجنّة» دار الثواب ، لأنّ اللام للعهد ولا معهود غيرها. ومن زعم أنّها لم تخلق بعد قال : إنّه بستان كان بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقه الله امتحانا لآدم ، وحمل الإهباط على الانتقال منه إلى أرض الهند ، كما في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) (١) والقول الأوّل أشهر وأصحّ وأكثر. ومن يزعم أنّ جنّة الخلد من يدخلها لا يخرج منها غير صحيح ، لأنّ ذلك إنّما يكون إذا استقرّ أهل الجنّة فيها للثواب ، فأمّا قبل ذلك فإنّها تفنى ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢).
وعن ابن عبّاس وابن مسعود أنّه لمّا أخرج إبليس من الجنّة لامتناعه من
__________________
(١) البقرة : ٦١.
(٢) القصص : ٨٨.