أرادوه لم يؤمنوا به ، كما لم يؤمن آباؤهم بالأنبياء والّذي أتوا به وبغيره من المعجزات. وإنّما لم يقطع الله سبحانه عذرهم بما سألوه من القربان الّذي تأكله النار ، لعلمه سبحانه بأنّ في الإتيان به مفسدة لهم ، والمعجزات تابعة للمصالح ، ولأنّ ذلك اقتراح في الأدلّة على الله ، والّذي يلزم على الله أن يزيح عنهم العلّة بنصب الأدلّة فقط.
ثم قال تسلية لرسوله من تكذيب اليهود وقومه : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) أي : لست بأوّل مكذّب ، بل كذّب قبلك رسل أتوا بالمعجزات الباهرة.
والزبر جمع زبور ، وهو الكتاب الجامع للحكم والمواعظ والزواجر ، من : زبرت الشيء إذا حبسته وزجرته. والكتاب في عرف القرآن ما يتضمّن الشرائع والأحكام ، ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامّة القرآن. والمنير الّذي ينير الحقّ لمن اشتبه عليه.
وقرأ ابن عامر : وبالزبر ، بإعادة الجارّ ، للدلالة على أنّها مغايرة للبيّنات بالذات.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥))
ثم بيّن سبحانه أنّ مرجع الخلق إليه ، فيجازي المكذّبين رسله على أعمالهم من حيث حتم الموت على جميع خلقه ، فقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) وعد ووعيد للمصدّق والمكذّب. والمراد بالموت هاهنا انتفاء الحياة ، والقتيل قد انتفت الحياة منه ، فهو داخل في الآية (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تعطون جزاء أعمالكم ، خيرا كان أو شرّا ، تامّا وافيا يوم قيامكم من القبور. ولفظ التوفية يشعر