لإعواز الكتب والإشهاد ، أمر المسافر بأن يقيم الارتهان مقام الكتاب والاشهاد ، على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال. والقبض شرط في صحّة الرهن عند أكثر علمائنا والجمهور غير مالك.
(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي : أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنّه به (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) وهو الّذي عليه الحقّ. أمر بأن يؤدّي الدين إلى صاحب الحقّ وافيا وقت محلّه من غير مطل ولا تسويف. وسمّي الدين أمانة لائتمانه عليه بترك الارتهان منه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في الخيانة وإنكار الحقّ. وفيه مبالغات.
ثمّ خاطب الشهود بقوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) أيّها الشهود. ويحتمل أن يكون الخطاب للمديونين بشهادتهم إقرارهم على أنفسهم (وَمَنْ يَكْتُمْها) مع علمه بالمشهود به وتمكّنه من أدائها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) رفع قلبه بآثم ، كأنّه قيل : يأثم قلبه.
والجملة خبر إنّ. وإسناد الإثم إلى القلب لأنّ الكتمان مقترفه ، ونظيره : العين زانية والأذن زانية ، أو للمبالغة ، فإنّه رئيس الأعضاء ، وأفعاله أعظم الأفعال ، فكأنّه تمكّن الإثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) تهديد ووعيد.
وهذه الآية وما قبلها من بدائع لطف الله تعالى لعباده في أمر معاشهم ومعادهم ، وتعليمهم ما لا يسعهم جهله ، وفيها بصيرة لمن تبصّر ، وكفاية لمن تفكّر.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))
ولمّا بيّن بيان الشرائع الّتي هي سبب انتظام أمورهم في الدنيا ، ذكر التوحيد