ولعلّ الاقتصار على هذه الثلاثة في الآية لأنّ مناط الاستدلال هو التغيّر ، وهذه متعرّضة لجملة أنواعه ، فإنّه إمّا أن يكون في ذات الشيء كتغيّر الليل والنهار ، أو جزئه كتغيّر العناصر بتبدّل صورها ، أو الخارج عنه كتغيّر الأفلاك بتبدّل أوضاعها.
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤))
ثم وصف الله سبحانه ذوي الألباب بقوله : (الَّذِينَ) أي : هؤلاء الّذين يستدلّون على توحيد الله وعلمه وقدرته بالذات بخلقه السماوات والأرض هم الّذين (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) قائمين (وَقُعُوداً) وقاعدين (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) ومضطجعين ، أي : يذكرونه دائما على الحالات كلّها ، فإنّ أحوال المكلّفين لا تخلوا من هذه الثلاثة. وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أحبّ أن يرتع في رياض الجنّة فليكثر ذكر الله».
وحكي أنّ الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلّته سحابة ، فعبدها فتى من فتيانهم فلم تظلّه. فقالت له أمّه : لعلّ فرطة فرطت منك في مدّتك.