والحديث الصدق ، فمن خالفك فيه مع وضوح الأمر فهو معاند. هذه بجملتها خبر «إنّ» ، أو هو فصل يفيد أنّ ما ذكره في شأن عيسى ومريم حقّ. واللام دخلت فيه لأنّه أقرب إلى المبتدأ من الخبر ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ ، فإذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل الذي هو أقرب إلى المبتدأ أجوز.
(وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) صرّح فيه بـ «من» الزائدة للاستغراق ، تأكيدا للردّ على النصارى في تثليثهم. فالمعنى : وما لكم أحد يستحقّ إطلاق اسم الإلهيّة إلّا الله ، وانّ عيسى ليس بإله كما زعموا ، وإنّما هو عبد الله ورسوله. ولو قال : ما إله إلّا الله بغير «من» لم يفد هذا المعنى. (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لا أحد يساويه في القدرة التامّة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهيّة.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) فإن أعرضوا عن اتّباعك وتصديقك ، وعمّا أتيت به من الدلالات والبيّنات (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) وعيد لهم. ووضع المظهر موضع المضمر ليدلّ على أنّ التولّي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والاعتقاد المؤدّي إلى فساد النفس ، بل وإلى فساد العالم.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤))
ولمّا تمّ الحجاج على القوم دعاهم سبحانه إلى التوحيد ، فقال : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) يعمّ أهل الكتابين. وقيل : يريد به وفد نجران أو يهود المدينة. (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) أي : عدل (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) لا يختلف فيها الرسل والقرآن والتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب الإلهيّة. ويفسّر الكلمة قوله : (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) أن