وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم عند موته : ما زالت أكلة خيبر تعادّني (١) ، فهذا أوان قطعت أبهري. وأضاف الفعل المذكور إليهم وإن باشره آباؤهم ، لأنّهم رضوا بفعل أسلافهم فأضيف الفعل إليهم.
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨))
ثمّ رجع الكلام إلى الحكاية عن اليهود وعن سوء مقالهم وفعالهم فقال : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف ، أي : مغشّاة بأغطية خلقيّة لا يصل إليها ما جاء به محمد ولا تفهمه ، مستعار من الأغلف الّذي لم يختن ، كقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) (٢). وقيل : أصله غلف جمع غلاف فخفّف ، أي : أنّها أوعية العلم لا تسمع علما إلا وعته ولا تعي ما تقول ، أو نحن مستغنون بما فيها عن غيره.
ثمّ ردّ الله عليهم لما قالوا بقوله : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي : ليس ذلك كما زعموا أنّ قلوبهم خلقت كذلك ، لأنّها خلقت على الفطرة ، لكن الله لعنهم وخذلهم بسبب صميم كفرهم ، وأبعدهم من رحمته ، لتوغّلهم في عنادهم ولجاجهم (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) فإيمانا قليلا يؤمنون. و «ما» مزيدة للمبالغة في التقليل ، وهو إيمانهم ببعض الكتاب ، وذلك قليل بالإضافة إلى ما جحدوه من حرمة القتال والإجلاء والتصديق بنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وبما جاء به. وقيل : أراد بالقلّة العدم ، كما يقال : قلّ ما رأيت هذا قطّ ، أي : ما رأيته قطّ. وهذا أصحّ ، لموافقته لمذهبنا في أنّه لا إيمان لهم أصلا.
__________________
(١) في هامش الخطّية : «من العداد ، وهو اهتياج وجع اللديغ. منه». أي : تراجعني ويعاودني ألم سمّها في أوقات معلومة. والأبهر : الظهر. والأبهران : العرقان اللذان يخرجان من القلب. انظر مستدرك الحاكم ٣ : ٥٨.
(٢) فصّلت : ٥.