(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) عطف على «من آمن». والمراد بالعهد جميع العهود والنذور الّتي بينهم وبين الله ، والعقود التي بينهم وبين الناس ، وكلاهما يلزم الوفاء به.
(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) نصب على الاختصاص أو المدح ، ولم يعطف ، بأن قال : والصّابرون ، لفضل الصبر في الشدائد على سائر الأعمال. عن الزهري : البأساء في الأموال ، والضرّاء في الأنفس كالمرض (وَحِينَ الْبَأْسِ) وقت مجاهدة العدوّ.
(أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي : صدقوا الله فيما قبلوا منه ، والتزموه علما ، وتمسّكوا به عملا ، في الدين واتّباع الحقّ وطلب البرّ (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) عن الكفر وسائر الرذائل بوسيلة فعل هذه الفضائل.
وهذه الآية الشريفة جامعة للكمالات الإنسانيّة بأسرها ، دالّة عليها صريحا أو ضمنا ، فإنّها بكثرتها وتشعّبها منحصرة في ثلاثة أشياء : صحّة الاعتقاد ، وحسن المعاشرة ، وتهذيب النفس. وقد أشير إلى الأوّل بقوله : «من آمن» إلى قوله :
«والنّبيّين» وإلى الثاني بقوله : (وَآتَى الْمالَ) إلى قوله : (وَفِي الرِّقابِ) ، وإلى الثالث بقوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) إلى آخرها ، ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده ، وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحقّ ، وإليه أشار بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان».
واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ المعنيّ بها أمير المؤمنين عليهالسلام ، لأنّه لا خلاف بين الأمّة أنّه كان جامعا لهذه الخصال ، فهو مراد بها قطعا ، ولا قطع على كون غيره جامعا لها ، ولهذا قال الزجّاج والفرّاء : إنّها مخصوصة بالأنبياء المعصومين ، لأنّ هذه الأشياء لا يؤدّيها بكلّيّتها على حقّ الواجب فيها إلّا الأنبياء عليهمالسلام.