رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

سورة قريش

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمس آيات في المدني ، وأربع في الكوفي (١). وهي مكية عند الأكثرين.

وقال ابن السائب : مدنية (٢).

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)(٤)

قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) قرأ ابن عامر : " لإلاف" بغير ياء بعد الهمزة ، مثل : لعلاف ، جعله مصدر ألف [إلافا](٣).

قال أبو طالب يوصي أبا لهب بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

ولا تتركنه ما حييت لمعظم

وكن رجلا ذا نجدة وعفاف

تذود العدى عن ربوة هاشمية

إلا فهم في الناس خير إلاف (٤)

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٩٠).

(٢) انظر : زاد المسير (٩ / ٢٣٨).

(٣) زيادة من ب.

(٤) البيتان لأبي طالب بن عبد المطلب ، انظر : ديوانه (ص : ١٧٧) ، والقرطبي (٢٠ / ٢٠٢) ، والماوردي (٦ / ٣٤٦).

٧٤١

وقرأ الباقون بياء بعد الهمزة (١) ، جعلوه مصدر الف ، وهما لغتان.

واتفقوا على إثبات الهمزة في الموضع الثاني ، مصدر آلف.

وكأن ابن عامر آثر الجمع بين اللغتين في الكلمتين.

واختلفوا في متعلق اللام من" لإيلاف" ، فذهب جمهور العلماء إلى أنه متعلق بقوله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥] ، أي : أهلكهم الله لتبقى قريش ، [وما](٢) قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف (٣). فتكون هذه السورة مرتبطة بما قبلها.

وقيل : إنهما في مصحف أبيّ سورة واحدة من غير فصل.

ويروى : أن عمر رضي الله عنه قرأهما في الركعة الثانية من صلاة المغرب (٤).

وقال الأعمش والكسائي : هذه لام التعجب ، كأن المعنى : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت (٥).

وقال الزجاج (٦) : قال النحويون الذين ترتضى عربيّتهم : هذه اللام معناها متصل بما بعدها. المعنى : فليعبدوا رب هذا البيت لإلفهم رحلة الشتاء والصيف.

والتأويل : أن قريشا كانوا يرحلون في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ١٤٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٧٣ ـ ٧٧٥) ، والكشف (٢ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠) ، والنشر (٢ / ٤٠٣) ، والإتحاف (ص : ٤٤٤) ، والسبعة (ص : ٦٩٨).

(٢) في الأصل : ما. والمثبت من ب.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٣٨).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦).

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٣٩).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦).

٧٤٢

فيمتارون ، وكانوا في الرحلتين آمنين ، والناس يتخطّفون ، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا : نحن أهل حرم الله ، فلا يتعرّض لهم.

وكل من كان من ولد النضر بن كنانة ، فهو من قريش.

واختلفوا في سبب تسميتهم بذلك ؛ فقال الأكثرون : سمّوا قريشا ؛ لجمعهم المال ، وكانوا أهل تجارة ، ولم يكونوا أصحاب زرع ولا ضرع ، والقرش : الكسب (١).

وقال معاوية لابن عباس : لم سمّيت [قريش](٢) قريشا؟ فقال : بدابّة تكون في البحر من أعظم دوابّه ، يقال لها : قريش ، لا تمرّ بشيء من الغثّ (٣) والسمين إلا أكلته. وأنشده شعر الجمحي :

وقريش [هي](٤) التي تسكن البح

ر ، بها سميت قريش قريشا

تأكل الغثّ والسّمين ، ولا تترك

فيه لذي الجناحين ريشا

هكذا في البلاد حيّ قريش

يأكلون البلاد أكلا كميشا (٥)

ولهم آخر الزمان نبي

يكثر القتل فيهم والخموشا (٦)

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : قرش).

(٢) في الأصل : قريشا. والتصويب من ب.

(٣) الغثّ : الرديء من كل شيء (اللسان ، مادة : غثث).

(٤) زيادة من ب.

(٥) كميشا : أي : سريعا (لسان العرب ، مادة : كمش).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٥٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٠).

والخموش : جمع الخمش ، وهو مثل الخدش في الوجه والبدن (اللسان ، مادة : خمش).

٧٤٣

قوله : (إِيلافِهِمْ) : ترجمة عن الأول وبدل منه ، (رِحْلَةَ) : مفعول به (١) ، وأراد رحلتي الشتاء والصيف ، فأفرد لأمن الإلباس.

(فَلْيَعْبُدُوا) أي : فليوحدوا (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي : من بعد جوع ، كما تقول : كسوتك من عري ، أي : من بعد عري.

قال عطاء عن ابن عباس : كانوا في ضرّ ومجاعة حتى جمعهم [هاشم](٢) على الرحلتين ، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير ، حتى كان فقيرهم كغنيهم. فلم يكن [بنو](٣) أب أكثر منهم مالا ولا أعزّ من قريش (٤).

وقد قال الشاعر فيهم :

الخالطون فقيرهم بغنيّهم

حتى يكون فقيرهم كالكافي (٥)

(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) إن حضروا آمنهم الحرم ، وإن سافروا لا يتعرض لهم ، وغيرهم من العرب يتغاورون ويتناحرون. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٩٥) ، والدر المصون (٦ / ٥٧٣).

(٢) في الأصل : هشام. والتصويب من ب.

(٣) في الأصل : أبو. والمثبت من ب.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٥٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٢).

(٥) جاء في هامش ب : وفي القصيدة :

عمرو العلا هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

والبيت لابن الزبعرى ، وقيل : لتبع ، وهو في : الماوردي (٦ / ٣٤٧) ، والبحر (٨ / ٥١٦) ، وتاريخ الأزرقي (١ / ١٨٠) ، والقرطبي (٢٠ / ٢٠٥) ، وسيرة ابن هشام (١ / ٣١٧).

٧٤٤

سورة أرأيت

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ست آيات في المدني ، وسبع في الكوفي (١).

قال الأكثرون : هي مكية.

وقال ابن عباس وقتادة : مدنية (٢).

وقيل : نصفها مكي نزل في العاص بن وائل ، ونصفها الآخر مدني نزل في عبد الله بن أبيّ المنافق (٣).

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ)(٧)

قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) قال الكلبي : هو العاص بن وائل (٤).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٩١).

(٢) انظر : الماوردي (٦ / ٣٥٠) ، وزاد المسير (٩ / ٢٤٣).

(٣) هو قول هبة الله ابن سلامة. انظر : الناسخ والمنسوخ (ص : ٢٠٥).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ٣٥٠) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٥٥٨) ، وأسباب النزول (ص : ٤٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٤).

٧٤٥

والدّين : الجزاء والحساب.

وقال صاحب الكشاف (١) : المعنى : هل عرفت الذي [يكذب بالجزاء](٢) من هو؟ إن لم تعرفه (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي : يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى.

(وَلا يَحُضُ) أي : لا يبعث أهله ويحثهم (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ). والمعنى : لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه.

ثم ذكر حال المنافقين ، مخبرا بجزائهم ، فذلك قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) غافلون لاهون ؛ لأنهم لا يرجون بفعلها ثوابا ، ولا يخافون بتركها عقابا (٣).

وأكثر المفسرين يقولون : هي عامة في كل من يغفل عن صلاته حتى يخرج وقتها ، ويتخذ ذلك ديدنا ، وإذا صلى فقلبه متشاغل بالتردد في أودية الأماني ، لا يطمأن في ركوع ولا سجود ، ولا يذكر الله بقلب خاشع.

قال قتادة : ساه عنها لا يبالي ، صلّى أو لم يصلّ (٤).

(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) قال الحسن : هو المنافق ، إن صلّى صلّى رياء ، وإن فاتته لم يندم (٥).

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٨٠٩).

(٢) في الأصل : يكذب بالدين أي : بالجزاء. والمثبت من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٣) في هامش ب : أسند البزار من حديث مصعب بن سعد عن أبيه ، أنه سأل عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. رفعه عكرمة بن إبراهيم ... رووه موقوفا.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣١٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٤٣) وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣١٦). وذكره الماوردي (٦ / ٣٥١).

٧٤٦

وعن سعد بن أبي وقاص : هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها (١).

(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال ابن عباس : المعروف كله ، حتى القدر والقصعة والفأس (٢).

أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود قال : «كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عارية الدلو والقدر» (٣).

قال عكرمة : ليس الويل لمن منع هذا ، إنما الويل لمن جمعهن فراءى في صلاته ، وسها عنها ، ومنع هذا (٤).

ويروى عن عمر وعلي والحسن وقتادة : أن الماعون : الزكاة (٥).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣١٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٦٨) ، والبيهقي في الكبرى (٢ / ٢١٤ ح ٢٩٨٢) ، والطبراني في الأوسط (٢ / ٣٧٧ ح ٢٢٧٦) ، وأبو يعلى (٢ / ١٤٠ ح ٨٢٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٤٢) وعزاه لأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في سننه.

(٢) ذكره الطبري (٣٠ / ٣١٩) ، والماوردي (٦ / ٣٥٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦).

(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ١٢٤ ح ١٦٥٧).

(٤) أخرج نحوه البيهقي في الكبرى (٦ / ٨٨ ح ١١٢٥١). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٥٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٦). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٨ / ٦٤٥) وعزاه للفريابي وابن المنذر والبيهقي.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣١٤ ـ ٣١٦) ، والحاكم (٢ / ٥٨٥ ح ٣٩٧٧) ، والبيهقي في الكبرى (٤ / ٨٢ ح ٧٠٢٠) ، وابن أبي شيبة (٢ / ٤٢٠ ح ١٠٦٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٤٥) وعزاه للفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم عن علي بن أبي طالب. وذكره الماوردي (٦ / ٣٥٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٦).

٧٤٧

سورة الكوثر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثلاث آيات (١). وهي مكية في قول الأكثرين.

وقال الحسن وقتادة وعكرمة : هي مدنية (٢).

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٣)

قال الله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) وقرأ الحسن : " أنطيناك" (٣) ، وهما بمعنى واحد.

والكوثر : فوعل من الكثرة.

والذي عليه جمهور المفسرين [وتدل](٤) عليه الأخبار والآثار : أنه نهر في الجنة.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، حدثنا البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٩٢).

(٢) انظر : زاد المسير (٩ / ٢٤٧).

(٣) انظر هذه القراءة في : القرطبي (٢٠ / ٢١٦) ، والدر المصون (٦ / ٥٧٧).

(٤) في الأصل : تدل. والتصويب من ب.

٧٤٨

شيبان ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : «لما عرج بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السماء قال : أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر» (١).

وبالإسناد قال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة ، قال سألتها عن قوله : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)؟ قالت : «نهر أعطيه نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، شاطئاه عليه درّ مجوّف ، آنيته كعدد النجوم» (٢).

وفي الصحيحين من حديث أنس قال : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : أنزلت عليّ آنفا سورة ، فقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ، ثم قال : هل تدرون ما الكوثر؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عزوجل ، [عليه](٣) خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم» (٤).

وفي رواية : «وعدنيه ربي في الجنة ، عليه حوضي» ، وساق الحديث.

وبالإسناد قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : «أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠٠ ح ٤٦٨٠).

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠٠ ح ٤٦٨١).

(٣) زيادة من صحيح مسلم (١ / ٣٠٠).

(٤) أخرجه مسلم (١ / ٣٠٠ ح ٤٠٠). ولم أقف عليه عند البخاري.

٧٤٩

أعطاه [الله](١) إياه. قال أبو بشر : فقلت لسعيد بن جبير : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه» (٢).

قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال قتادة : صلّ صلاة الأضحى (٣).

وقال مجاهد : صلاة الصبح بالمزدلفة (٤).

وقال مقاتل (٥) : صلّ الصلوات الخمس.

وأما قوله : (وَانْحَرْ) فقال عامة المفسرين : اذبح يوم النحر (٦).

وقال علي عليه‌السلام : ضع اليمنى على اليسرى في الصلاة (٧).

قال ابن جرير (٨) : ضعهما عند النحر في الصلاة. ويروى هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) زيادة من الصحيح.

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠٠ ح ٤٦٨٢).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٢٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٥١) وعزاه لابن جرير.

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٧٠) عن مجاهد وعطاء وعكرمة. وذكره الماوردي (٦ / ٣٥٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٩) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٦٥١) وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعكرمة.

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٥٢٨).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٤٩).

(٧) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٢٥) ، والحاكم (٢ / ٥٨٦ ح ٣٩٨٠) ، والضياء المقدسي في المختارة (٢ / ٢٩٢) ، والبخاري في التاريخ (٦ / ٤٣٧ ح ٢٩١١) ، والبيهقي في الكبرى (٢ / ٢٩ ح ٢١٦٣) ، وابن أبي شيبة (١ / ٣٤٣ ح ٣٩٤١) ، والدارقطني (١ / ٢٨٥ ح ٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٥٠) وعزاه لابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في تاريخه وابن جرير وغيرهم.

(٨) في تفسيره (٣٠ / ٣٢٦).

٧٥٠

قال ابن عباس : قالت قريش : ليس لمحمد ولد ، فسيموت وينقطع أثره ، فأنزل الله تعالى سورة الكوثر إلى قوله : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).

وفي رواية عن ابن عباس قال : نزلت في العاص بن وائل ، لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على باب المسجد فوقف يحدثه ، ثم دخل العاص المسجد وفيه ناس من صناديد قريش فقالوا له : من الذي كنت تحدث؟ فقال : ذلك الأبتر ، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانوا يسمون من ليس له ابن : أبتر ، فأنزل الله هذه السورة (١).

وقيل : شانئه : أبو جهل.

وقيل : أبو لهب.

وقيل : عقبة بن أبي معيط.

والأبتر : المنقطع عن كل خير.

__________________

(١) ذكره الواحدي في : أسباب النزول (ص : ٤٩٤) ، وزاد المسير (٩ / ٢٥٠).

٧٥١

سورة الكافرون (١)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ست آيات (٢).

والأظهر عندهم ـ وهو قول الأكثرين ـ : أنها مكية.

ويروى عن قتادة : أنها مدنية (٣).

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(٦)

أخبرنا محمد بن محمد بن أبي بكر الهمذاني ، أخبرنا عبد الرزاق بن إسماعيل بن محمد وابن عمه المطهر بن عبد الكريم بن محمد [قالا](٤) : أخبرنا عبد الرحمن بن حمد الدوني ، أخبرنا أبو نصر الكسار ، أخبرنا أبو بكر السني ، أخبرنا أبو عبد الرحمن ـ يعني : النسائي ـ ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا

__________________

(١) في ب : الكافرين.

(٢) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٩٣).

(٣) انظر : الماوردي (٦ / ٣٥٧) ، وزاد المسير (٩ / ٢٥٢).

(٤) في الأصل : قال. والتصويب من ب.

٧٥٢

زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن فروة بن نوفل (١) ، عن أبيه (٢) ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما جاء بك؟ قال : جئت يا رسول الله لتعلمني شيئا أقوله عند منامي ، قال : إذا أخذت مضجعك فاقرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ثم نم على خاتمتها ، فإنها براءة من الشرك» (٣).

وبالإسناد قال أبو بكر السني : حدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا عبيد الله بن أحمد ، حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، حدثنا عيسى بن ميمون ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ في ليلة : " إذا زلزلت الأرض" كانت له كعدل نصف القرآن ، ومن قرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) كانت له كعدل ربع القرآن ، ومن قرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) كانت له كعدل ثلث القرآن» (٤).

قال عامة المفسرين : لما قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة النجم بمكة على المشركين ، وألقى الشيطان في قراءته ما ألقى ، طمع مشركوا قريش فيه ، فأتوه فقالوا له : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : معاذ الله أن أشرك بالله غيره ، فأنزل

__________________

(١) فروة بن نوفل الأشجعي الكوفي ، مختلف في صحبته ، والصواب أن الصحبة لأبيه ، قتل في خلافة معاوية (تهذيب التهذيب ٨ / ٤٤٥ ، والتقريب ص : ٤٤٥).

(٢) نوفل الأشجعي ، صحابي نزل الكوفة ، وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروى عنه بنوه : فروة ، وعبد الرحمن ، وسحيم (تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٣٩ ، والتقريب ص : ٥٦٧).

(٣) أخرجه أبو داود (٤ / ٣١٣ ح ٥٠٥٥) ، والترمذي (٥ / ٤٧٤ ح ٣٤٠٣) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٢٠٠ ح ١٠٦٣٧) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٣٢٣).

(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ١٦٦ ح ٢٨٩٤) من حديث ابن عباس ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٣٢٢).

٧٥٣

الله هذه السورة. فأتى المسجد وفيه صناديد قريش فقرأها عليهم ، فأيسوا منه (١).

والمعنى : (لا أَعْبُدُ) في المستقبل من الزمان (ما تَعْبُدُونَ) من الأصنام اليوم ، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) في المستقبل (ما أَعْبُدُ) أي : من أعبده اليوم ، وهو الله تعالى.

(وَلا أَنا عابِدٌ) أي : ولا كنت قطّ عابدا فيما سلف (ما عَبَدْتُّمْ).

المعنى : ما فعلت ذلك في الجاهلية ، فكيف تتوقعونه مني في الإسلام.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) أي : ما عبدتم في زمان من الأزمان (ما أَعْبُدُ). وهذا التقرير اختيار صاحب الكشاف ، قال (٢) : لأن" لا" لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال ، ألا ترى أن" لن" تأكيد لما تنفيه" لا".

قال الخليل : أصل" لن" : " لا أن" (٣).

وقال الزجاج (٤) : المعنى : لا أعبد في حالي هذه ما تعبدون.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ* وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) أي : ولا أعبد في المستقبل ما عبدتم.

(وَلا أَنْتُمْ) فيما تستقبلون (عابِدُونَ ما أَعْبُدُ).

وقيل : هو تكرير فائدته : حسم أطماع المشركين من عبادة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم آلهتهم.

قال مقاتل (٥) : نزلت هذه السورة في أبي جهل والمستهزئين ، ولم يؤمن منهم

__________________

(١) انظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٤٩٦).

(٢) الكشاف (٤ / ٨١٤).

(٣) في هامش ب : وهذا على مذهبه في" لن" أنه مختصة بنفي المستقبل ولهذا خص المصنف التقرير السابق بأنه اختياره.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٣٧١).

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٥٢٩).

٧٥٤

أحد.

قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ) أي : شرككم ، (وَلِيَ دِينِ) توحيدي.

وهذه مجاملة. أي : قد بعثت إليكم لأرشدكم إلى الهدى ، فإذا لم تتبعوني فدعوني ، ولا تدعوني إلى الشرك.

وقيل : هو تهديد.

وبعضهم يقول : هو منسوخ بآية السيف (١).

واختلف القراء في"(وَلِيَ دِينِ)" ؛ فقرأ نافع وحفص وهشام : "(وَلِيَ)" بفتح الياء ، وأسكنها الباقون (٢).

وأثبت الياء في" ديني" في الحالين يعقوب ، وحذفها الباقون (٣).

__________________

(١) انظر دعوى النسخ في : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ٢٠٦) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٦٨) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٥٠٩).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١٥٠) ، والنشر (٢ / ٤٠٤) ، والكشف (٢ / ٣٩٠) ، والإتحاف (ص : ٤٤٤) ؛ والسبعة (ص : ٦٩٩).

(٣) النشر (٢ / ٤٠٤) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٤٤).

٧٥٥

سورة النصر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثلاث آيات ، مدنية بالإجماع (١).

وقد ذكرنا في مقدمة الكتاب أنها آخر سورة أنزلت جميعا.

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً)(٣)

والمعنى : إذا جاءك يا محمد (نَصْرُ اللهِ) على أعدائك من قريش وفتح مكة ، وكان لعشر مضين من رمضان سنة ثمان.

(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) قال أبو عبيدة (٢) : جماعات في تفرقة.

قال الحسن : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة قالت العرب : أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان ، فدخلوا في دين الله أفواجا (٣).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٩٤).

(٢) مجاز القرآن (٢ / ٣١٥).

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ٣٦٠) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٥٦٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٥٦). وقوله : " فليس لكم به يدان" أي : ليس لكم به طاقة.

٧٥٦

قوله تعالى : (فَسَبِّحْ) هو العامل في (إِذا جاءَ).

والمعنى : فصلّ ، أو فقل : سبحان الله.

(بِحَمْدِ رَبِّكَ) حامدا له حيث ردّك إلى مكة ظاهرا عزيزا قاهرا ، تجرّ عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب ، بعد أن خرجت منها خائفا متسترا ، قد أظهر دينك ، وأعلى كلمتك ، وأوقع في القلوب هيبتك ، وأنجز لك ما وعدك.

(وَاسْتَغْفِرْهُ) اطلب منه المغفرة ؛ خضوعا لجلاله ، وإظهارا لعظمته ، وفقرا إلى رحمته ، (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً).

وبالإسناد قال البخاري : حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : «ما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن أنزلت عليه : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلا يقول فيها : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي» (١).

قال (٢) : وأخبرني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن» (٣).

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠٠ ح ٤٦٨٣).

وفي هامش ب : وفي الباب عن عبد الله بن مسعود ذكر الإمام أحمد في مسنده ، وهو بألفاظ في بعض طرقه : أنه كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، إنك أنت التواب الرحيم (انظر : المسند ١ / ٣٨٨ ح ٣٦٨٣ ، ١ / ٣٩٢ ح ٣٧١٩ ، ١ / ٣٩٤ ح ٣٧٤٥).

(٢) أي البخاري.

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠١ ح ٤٦٨٤) ، ومسلم (١ / ٣٥٠ ح ٤٨٤).

٧٥٧

وأخرجه مسلم أيضا عن زهير بن حرب ، عن جرير.

قال البخاري : حدثني عبد الله بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن حبيب [بن](١) أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : «أن عمر سألهم عن قول الله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)؟ قالوا : فتح المدائن والقصور. قال : ما تقول يا ابن عباس؟ قال : أجل ، أو مثل ضرب لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نعيت له نفسه» (٢).

قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه ، فقال : لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ [فقال عمر](٣) : إنه من قد علمتم. فدعاه ذات يوم فأدخله معهم ، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم ، قال : ما تقولون في قول الله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فقال بعضهم : أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت : لا ، قال : فما تقول؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلمه له ، قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ، فذلك علامة أجلك ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول» (٤).

__________________

(١) في الأصل : عن. والتصويب من ب ، والصحيح.

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠١ ح ٤٦٨٥).

(٣) زيادة من ب ، والصحيح.

(٤) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠١ ح ٤٦٨٦).

٧٥٨

وكان ابن مسعود يقول : إن هذه السورة تسمى : سورة التوديع (١).

قال قتادة : عاش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين (٢). والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٨١٨ ـ ٨١٩).

وفي هامش ب : وفي مسند أحمد عن ابن عباس : لما نزلت قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعيت إليّ نفسي بأنه مقبوض في تلك السنة (انظر : المسند ١ / ٢١٧ ح ١٨٧٣).

وفيه عن ابن مسعود : كنت معه ليلة وفد الجن ، فلما انصرف تنفس ، فقلت : ما شأنك؟ فقال : نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود (انظر : المسند ١ / ٤٤٩ ح ٤٢٩٤).

وفيه عن عائشة : فلما خرجت نفسه لم أر ريحا أطيب منها (انظر : المسند ٦ / ١٢١ ح ٢٤٩٤٩).

وفيه عنها : سمعته يقول : ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد إليه ثم يخير ... (انظر : المسند ٦ / ٧٤ ح ٢٤٤٩٨).

وفيه عن علي : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفّن في سبعة أثواب (انظر : المسند ١ / ١٠٢ ح ٨٠١).

وفيه عن أبي سعيد أو أبي عسيب : كيف نصلي عليك؟ قال : ادخلوا أرسالا أرسالا (انظر : المسند ٥ / ٨١).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٦٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٥٧).

٧٥٩

سورة تبت

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمس آيات (١). وهي مكية بإجماعهم.

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(٥)

والسبب في نزولها : ما أخرج في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتكم إن حدّثتكم أن العدو مصبّحكم أو ممسّيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا : نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا تبا لك ، فأنزل الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) إلى آخرها» (٢).

ومعنى : "(تَبَّتْ)" : خسرت يدا أبي لهب. [والمراد : جملته ، فهو كقوله : (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠].

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٩٥).

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٠٢ ح ٤٦٨٨) ، ومسلم (١ / ١٩٣ ح ٢٠٨).

٧٦٠