رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

قال مكي (١) : ويكون" ثياب سندس" : مبتدأ ، والظرف الخبر. [ويجوز](٢) رفع" ثياب" ب" عال" ، إذا جعلته حالا ، أو بالاستقرار إذا جعلت" عاليا" ظرفا.

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر : " خضر" بالجر ، ورفعه الباقون (٣).

وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم : " وإستبرق" بالرفع ، وجرّه الباقون (٤).

فمن رفع" خضرا" جعله نعتا للثياب ، وحسن ذلك ؛ لأن الثياب والخضر جمعان ، ويؤيده قوله : (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) [الكهف : ٣١].

ومن جرّ" خضرا" جعله وصفا ل" سندس" ، وضعّفه بعض النحويين ؛ لأن الخضر جمع أخضر ، والسندس واحد. وقد قيل : إن السّندس جمع سندسة.

وقيل : إنه اسم جنس ، فهو في معنى الجمع.

وقد أجاز الأخفش وصف الواحد الذي يدل على الجنس بالجمع ، فأجاز : أهلك الناس الدينار الصفر ، والدرهم البيض (٥). وهو قبيح من جهة اللفظ ، حسن من جهة المعنى.

ومن رفع" استبرق" عطفه على الثياب ، على معنى : وعاليهم ثياب استبرق ، بحذف المضاف ، فهو مثل قولهم : على زيد ثوب خزّ وكتّان ، أي : وثوب كتان.

__________________

(١) الكشف (٢ / ٣٥٥).

(٢) في الأصل : وجوز. والتصويب من ب ، والكشف ، الموضع السابق.

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٨٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٠) ، والكشف (٢ / ٣٥٥) ، والنشر (٢ / ٣٩٦) ، والإتحاف (ص : ٤٢٩ ـ ٤٣٠) ، والسبعة (ص : ٦٦٤ ـ ٦٦٥).

(٤) انظر : المصادر السابقة.

(٥) انظر : القرطبي (١٩ / ١٤٦).

٤٢١

[ومن جرّه](١) عطفه على" سندس" ؛ لأنه جنس من الثياب [مثله](٢).

وقد سبق في الكهف (٣) تفسير السّندس ، والإستبرق ، والأساور.

[فإن](٤) قيل : قد ذكر هاهنا أن أساورهم من فضة ، وفي موضع آخر أنها من ذهب؟

قلت : يحلّون بالجميع ؛ لأن في اجتماع الحليتين معنى ليس في الانفراد ؛ لأن كلّ واحد من النوعين يظهر حسن الآخر.

قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) قال الفراء (٥) وغيره : ليس من خمر الدنيا فيكون نجسا.

وقال غيره (٦) : لم يعصر فتمسّه الأيدي الوضرة [وتدوسه](٧) الأقدام الدنسة.

قال مقاتل (٨) : هو عين ماء على باب الجنة ، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غشّ وغلّ وحسد.

وقال أبو قلابة وإبراهيم : يؤتون بالطعام ، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون ، فتضمر بذلك بطونهم ، ويفيض عرق من جلودهم مثل

__________________

(١) في الأصل : وجره. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : ومثله. والتصويب من ب.

(٣) عند الآية رقم : ٣١.

(٤) في الأصل : فا. والتصويب من ب.

(٥) معاني الفراء (٣ / ٢١٩).

(٦) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٧٤).

(٧) في الأصل : وتدنسه. والمثبت من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٨) تفسير مقاتل (٣ / ٤٣١ ـ ٤٣٢).

٤٢٢

المسك (١).

قوله تعالى : (إِنَّ هذا) إشارة إلى ما وصف من نعيم الجنة (كانَ لَكُمْ جَزاءً) بأعمالكم الصالحة (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً).

قال عطاء : شكرتكم عليه [وأثبتكم](٢) أفضل الثواب.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٣١)

قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) أي : فصلناه في الإنزال ، ولم ننزله جملة واحدة.

وقد أشرنا إلى حكمة ذلك فيما مضى.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٠٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٤٠) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٧٧) وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن أبي قلابة. ومن طريق آخر عن إبراهيم التيمي.

(٢) في الأصل : وآتيكم. والمثبت من ب.

٤٢٣

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) مفسّر في مواضع (١).

وبعض المفسرين يقولون : هو منسوخ بآية السيف (٢). وقد ذكرنا صواب القول في هذا وأمثاله.

(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي : من مشركي مكة (آثِماً) وهو عتبة بن ربيعة ، (أَوْ كَفُوراً) يريد : الوليد بن المغيرة. وكانا قالا له : ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بكل ما تريد ، من مال ورئاسة وغيرهما.

وقيل : الصفتان لأبي جهل.

فإن قيل : ما الفائدة في" أو" ، وهلّا قال : آثما وكفورا ؛ ليكون نهيا عن طاعتهما جميعا؟

قلت : هذه أو التي للتخيير ، إذا قلت : اضرب زيدا أو عمرا ، فمعناه : اضرب أحدهما. فإذا قلت : لا تضرب زيدا أو عمرا ، فمعناه : لا تضرب أحدهما. فالمعنى هاهنا : لا تطع أحدهما ، فيكون منهيا عن طاعتهما معا بطريق الفحوى ، كقوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [الإسراء : ٢٣] ، بخلاف قوله : لا تطعهما ، فإنه يجوز من حيث اقتضاء الوضع أن يطيع أحدهما ، وليس في فحوى الخطاب ما يقتضي المدلول الذي ذكرناه في قوله : لا تطع أحدهما.

قوله تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) أي : اذكره بالتعظيم والتنزيه (بُكْرَةً وَأَصِيلاً).

__________________

(١) في سورة الطور ، عند الآية رقم : ٤٨ ، وسورة القلم عند الآية رقم : ٤٨.

(٢) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٩٢) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٦٣) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٥٠٣).

٤٢٤

قال المفسرون : يعني : اذكره في صلاة الفجر ، وصلاة العصر.

وبعضهم يقول : الظهر والعصر.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) يريد : صلاة المغرب والعشاء ، (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) يريد : صلاة الليل ، وكانت فرضا عليه ، وهي نافلة لأمته.

قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يعني : كفار مكة ، أي : يؤثرون الدار العاجلة وهي الدنيا ، (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أي : قدّامهم. وقيل : يدعون خلف ظهورهم لا يعبؤون به (يَوْماً ثَقِيلاً) عسيرا شديدا.

قوله تعالى : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) أصل الأسر : الرّبط والتّوثيق ، ومنه : أسر الرجل ؛ إذا أوثق بالقدّ ، وفرس مأسور به الحق ، وترس مأسور بالعقب (١).

والمعنى : شددنا خلقهم وأحكمنا أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.

(وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) يعني : إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأمثالهم ، فجعلناهم بدلا منهم.

قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ) يعني : السورة أو الآيات القريبة.

والآية مفسّرة في المزمل (٢).

قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو : " يشاؤون"

__________________

(١) انظر : اللسان ، مادة : (أسر).

(٢) عند الآية رقم : ١٩.

٤٢٥

بالياء (١) ؛ حملا على قوله : (فَمَنْ شاءَ) ، وقوله : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ) ، وما في حيزها.

وقرأ الباقون بالتاء ، على الخطاب العام لجميع الخلق.

والمعنى : وما يشاؤون اتخاذ السبيل وغيره ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أنهم لا يشاؤون شيئا إلا بمشيئة الله تعالى. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).

(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) قال عطاء : من صدّق نبيه أدخله جنته (٢).

(وَالظَّالِمِينَ) يريد : المشركين (٣) ، ونصبه بفعل مضمر يفسّره ما بعده.

وقرأ جماعة ، منهم : ابن الزبير ، وأبو العالية ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة : " والظالمون" بالرفع على الابتداء (٤) ، (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٨٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤١) ، والكشف (٢ / ٣٥٦) ، والنشر (٢ / ٣٩٦) ، والإتحاف (ص : ٤٣٠) ، والسبعة (ص : ٦٦٥).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٠٦).

(٣) في ب : الكافرين.

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٤٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٢).

٤٢٦

سورة المرسلات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمسون آية (١) ، وهي مكية.

واستثنى ابن عباس آية واحدة وهي قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) فقال : هي مدنية (٢).

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(١٥)

قال الله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) أقسم الله سبحانه وتعالى بالرياح يتبع بعضها بعضا ، كعرف الفرس. وهذا المعنى مروي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة (٣).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٦١).

(٢) انظر : الإتقان (١ / ٥٤) ، والماوردي (٦ / ١٧٥) ، وزاد المسير (٨ / ٤٤٣).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩) من طرق عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة ، وابن ـ

٤٢٧

(فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) وهي الرياح الشديدة الهبوب.

(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) قال ابن مسعود : هي الرياح التي تنشر السحاب (١).

وقال الحسن : هي الرياح التي ينشرها الله بين يدي رحمته. هذا قول جمهور المفسرين.

(فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) قال مجاهد : هي الرياح تفرّق بين السحاب فتبدّده (٢).

وقيل : المرسلات : الملائكة.

فيكون سبحانه قد أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهن بالمعروف من أمره سبحانه ، فعصفن في مشيهنّ ، كما تعصف الرياح مسارعة في امتثال أمره [بطوائف](٣) منهم ، نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهنّ بالوحي ، أو (٤) نشرن الكتب [ففرقن](٥) بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عليهم‌السلام.

__________________

ـ أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٢) عن ابن مسعود. وانظر : الماوردي (٦ / ١٧٥ ، ١٧٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣٨١ ـ ٣٨٢).

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٣١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٢). وذكره الماوردي في تفسيره (٦ / ١٧٦) ، والسيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣٨١) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٠٧).

(٣) في الأصل : وبطوائف. والتصويب من ب.

(٤) في الأصل زيادة قوله : عند.

(٥) في الأصل : ففرن. والتصويب من ب.

٤٢٨

وقال أبو هريرة وابن مسعود في رواية مقاتل (١) : المرسلات : الملائكة (٢).

قال الزجاج (٣) : العاصفات : الملائكة تعصف بروح الكافر.

وقال الضحاك : الناشرات : الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد (٤).

وقال الحسن وقتادة : " الفارقات" : آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام (٥).

وقال قطرب : الملقيات : الرسل يلقون ما أنزل الله إليهم إلى الأمم (٦).

فإن قيل : ما وجه النصب في" غرقا"؟

قلت : نصبه على الحال ، على التفسير الذي ذكرناه أولا ، على معنى : متتابعة. ويجوز أن يكون مفعولا له إذا أريد بالمرسلات : الملائكة ، أي : أرسلن للمعروف الذي هو نقيض المنكر.

قوله تعالى : (عُذْراً أَوْ نُذْراً) قرأ الحرميان وابن عامر وأبو بكر : بضم الذال

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٣٥).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٢٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٢) ، والحاكم (٢ / ٥٥٥ ح ٣٨٨٦).

وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٨١) وعزاه لابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة. ومن طريق آخر عن ابن مسعود ، وعزاه لابن جرير.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٦٥).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ١٧٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٤٥).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٣٢). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٠٧) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٨٢) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة.

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ١٧٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٤٦).

٤٢٩

فيهما. وقرأهما الباقون : بالإسكان (١). وهما لغتان ، والضم الأصل ، والإسكان للتخفيف ، وهما مصدران في موضع المفعول لهما ، أي : للإعذار والإنذار. ويجوز أن يكونا منصوبين على البدل من" ذكرا" (٢) ، وجواب القسم قوله تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) والمعنى : إنما توعدون من البعث والجزاء لكائن.

قوله تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ) مبتدأ ، خبره : (طُمِسَتْ).

وقيل : " النجوم" رفع بفعل مضمر دل عليه" طمست" ، والجملة في موضع الجر ب" إذا" ، والعامل في إذا مضمر ، تقديره : فاذكر إذا النجوم طمست ، وإن شئت كان التقدير : فإذا النجوم طمست بعثتم (٣). وإعراب ما بعده من المواضع الثلاثة كإعرابه.

[ومعنى](٤) قوله : " طمست" : محي نورها.

(وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) فتحت فكانت أبوابا.

(وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) قلعت من أماكنها. وقد ذكرناه في طه (٥).

(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) قرأ أبو عمرو : " وقّتت" بالواو ، ومثله أبو جعفر غير أنه خفف القاف.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٨٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٢) ، والكشف (٢ / ٣٥٧) ، والنشر (٢ / ٢١٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣٠) ، والسبعة (ص : ٦٦٦).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٧) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٤).

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٨) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٤).

(٤) زيادة من ب.

(٥) عند الآية رقم : ١٠٥.

٤٣٠

وقرأ الباقون" أقّتت" بالهمزة وتشديد القاف (١).

والمعنى : جمعت لوقتها الذي تشهد فيه على الأمم.

وأصلها : وقّتت بالواو ، فأبدلوا من الواو المضمومة همزة.

قال الزجاج وغيره (٢) : كل واو [انضمت](٣) وكانت ضمتها لازمة جاز أن تبدل منها همزة.

قال الفراء (٤) : تقول : صلى القوم أحدانا. وهذه [أجوه](٥) حسان.

ومن خفف فهو كقوله : (كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣].

قوله تعالى : (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) تعظيم لذلك اليوم ، وتعجيب للعباد من هوله.

(لِيَوْمِ الْفَصْلِ) بيان ليوم التأجيل ، وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق.

ثم عظّمه فقال : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ).

ثم أخبر عن حال الذين كذبوا به فقال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ). وقد ذكرنا معنى" ويل" في البقرة.

قال الزجاج (٦) : "(وَيْلٌ)" مرفوع بالابتداء ، و"(لِلْمُكَذِّبِينَ)" : الخبر (٧).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٩٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٢ ـ ٧٤٣) ، والكشف (٢ / ٣٥٧) ، والنشر (٢ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣٠) ، والسبعة (ص : ٦٦٦).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٢٦٦).

(٣) في الأصل : اضمت. والتصويب من ب ، ومعاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣).

(٥) في الأصل : أجرة. والتصويب من ب ، ومعاني الفراء (٣ / ٢٢٣).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٢٦٧).

(٧) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٨) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٥).

٤٣١

قال الزمخشري (١) : فإن قلت : كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)؟

قلت : هو في أصله مصدر منصوب ، سادّ مسدّ فعله ، ولكنه عدل به إلى الرفع ؛ للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه. ونحوه (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ٥٤]. ويجوز : " ويلا" ، بالنصب ؛ ولكنه لم يقرأ به.

(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٢٨)

قوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) وقرأ قتادة : " نهلك" بفتح النون (٢) ، من هلكه بمعنى : أهلكه.

قرأ الأكثرون : (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) برفع العين على الاستئناف ، [ويؤيده](٣) قراءة ابن مسعود : " ثم سنتبعهم" (٤).

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٧٩).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٩٧) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٥).

(٣) في الأصل : ويده. والتصويب من ب.

(٤) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٩٧) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٥).

٤٣٢

وقرأ الأعرج : " نتبعهم" بجزم العين (١) ، عطفا على" نهلك".

وهذا تهديد لكفار مكة.

قال ابن جرير (٢) : الأولون : قوم نوح وعاد وثمود ، والآخرون : قوم إبراهيم ولوط ومدين.

(كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي : مثل ذلك الفعل الشنيع نفعل بكل من أجرم.

قوله تعالى : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ) وقرأت لقالون من رواية أحمد بن صالح عنه : "(نَخْلُقْكُمْ)" بإظهار القاف.

(مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ضعيف. والمراد من ذلك : تذكيرهم بقدرته على ما يريد من البعث وغيره.

(فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) وهو الرحم. (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) وهو مدة الحمل.

(فَقَدَرْنا) وقرأ نافع والكسائي : " فقدّرنا" بتشديد الدال (٣).

قال أبو علي (٤) : قدّر وقدر لغتان. فمن قرأ : "(فَقَدَرْنا)" بالتخفيف ؛ فلقوله : (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ، ف"(الْقادِرُونَ)" أشكل ب" قدرنا" ، ويجوز"(الْقادِرُونَ)" مع قدّر ، فيجيء باللغتين ، كما قال : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ) [الطارق : ١٧].

وقال غيره : المخففة من القدرة والملك ، [والمشددة من التقدير](٥) والقضاء.

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٩٧) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٦).

(٢) تفسير الطبري (٢٩ / ٢٣٥).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٩١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٣) ، والكشف (٢ / ٣٥٨) ، والنشر (٢ / ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣٠) ، والسبعة (ص : ٦٦٦).

(٤) الحجة للفارسي (٤ / ٩١).

(٥) في الأصل : والمشدة من القدر. والتصويب من ب ، وزاد المسير (٨ / ٤٤٩).

٤٣٣

ويؤيد القراءة بالتشديد قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس : ١٩].

قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) معنى الكفت في اللغة : الضم والجمع ، والكفات هاهنا : اسم لما يكفت ، مثل : الضمام والجماع : اسم لما يضمّ ويجمع.

قال الزمخشري (١) : [وبه](٢) انتصب (أَحْياءً وَأَمْواتاً) كأنه قيل : كافتة أحياء وأمواتا. أو بفعل مضمر يدل عليه وهو : يكفت.

وقال الأخفش : انتصب على الحال.

والمعنى : تكفت أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها. هذا قول قتادة وجمهور المفسرين (٣).

وقال مجاهد وأبو عبيدة : المعنى : ألم نجعل الأرض أحياء بالنبات والعمارة ، وأمواتا بالخراب والجفاف (٤).

(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) جبالا ثوابت عاليات ، وكلّ عال فهو شامخ.

(وَأَسْقَيْناكُمْ) مفسر في الحجر (٥).

(ماءً فُراتاً) عذبا. وقد سبق أيضا تفسيره.

قال مقاتل (٦) : وهذا كله أعجب من البعث.

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٨٠).

(٢) في الأصل : به. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٣٧). وانظر : معاني الفراء (٣ / ٢٢٤) ، والوسيط (٤ / ٤٠٨).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ١٧٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٤٩). ولم أقف عليه في مجاز القرآن لأبي عبيدة.

(٥) عند الآية رقم : ٢٢.

(٦) انظر : تفسير مقاتل (٣ / ٤٣٧).

٤٣٤

ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة ، فقال :

(انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٤٠)

(انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أي : انطلقوا إلى العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا.

ثم كرر فقال : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) وقرأت ليعقوب من رواية رويس عنه : " انطلقوا إلى ظل" بفتح اللام (١) ؛ إخبارا عن امتثالهم ما أمروا به من الانطلاق ، وهي قراءة أبيّ بن كعب وأبي عمران.

قال ابن قتيبة وغيره (٢) : الظّلّ هاهنا : ظل من دخان نار جهنم ، سطع ثم افترق ثلاث فرق ، وهكذا شأن الدخان العظيم تراه [يتفرّق](٣) ذوائب إذا ارتفع ، فيقال لهم : كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب ، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه.

قال مجاهد : تكون شعبة فوق الإنسان ، وشعبة عن يمينه ، وشعبة عن شماله ،

__________________

(١) النشر (٢ / ٣٩٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٣٠).

(٢) تأويل مشكل القرآن (ص : ٣١٩).

(٣) في الأصل : يفترق. والمثبت من ب.

٤٣٥

فيحيط به دخان جهنم (١).

ثم وصف ذلك الظل فقال : (لا ظَلِيلٍ) يعني : لا يظل من الحر ، (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ).

قال الكلبي : لا يردّ عنهم لهب جهنم (٢).

وقد ذكرنا فيما مضى : أن اللهب ما يعلو على النار إذا أضرمت من أصفر وأحمر وأخضر.

ثم وصف النار فقال : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) الشّرر : جمع شررة ، وهو ما تطاير من النار متفرقا.

والقصر : واحد القصور المبنية ، في قول ابن مسعود وابن عباس وجمهور المفسرين (٣).

وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال : كنا نرفع الخشب للشتاء ثلاثة أذرع أو أقل ، ونسميه القصر. كأنه جمالات صفر أي : حبال السفن ، تجمع حتى تكون كأوساط الرجال (٤).

وقال مجاهد : القصر : الجبل (٥).

وقال الضحاك وسعيد بن جبير : القصر : أصول النخل والشجر

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ١٧٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٥٠).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٠٩).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٣٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٨٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس.

(٤) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٧٩ ح ٤٦٤٨).

(٥) انظر : القرطبي (١٩ / ١٦٤).

٤٣٦

العظام (١) ، واحدتها : قصرة ، مثل تمرة وتمر ، وجمرة وجمر.

وقرأ علي عليه‌السلام وابن عباس وأبو رزين ومجاهد وأبو الجوزاء : " كالقصر" بفتح الصاد (٢) ، مثل : شجرة وشجر.

قال الزجاج (٣) : أراد : أعناق الإبل.

وقال ابن قتيبة (٤) : أراد : أصول النخل المقطوعة.

وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة والنخعي : بضم القاف والصاد (٥) ، بمعنى : القصور ، كرهن ورهن.

وقرأ سعيد بن جبير بخلاف عنه : بكسر القاف وفتح الصاد (٦) ، جمع قصرة.

قال أبو حاتم : ولعله لغة. ونظيرها من الكلام : حوجة وحوج.

قال ابن جني (٧) : وقالوا أيضا في حلقة الحديد : حلقة وحلق ـ بفتح اللام ـ ، وقالوا : حلق ؛ بكسر الحاء.

وقرأ أبو الدرداء وغيره : " كالقصر" بضم القاف وسكون [الصاد ،

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٤٠) عن الضحاك. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٨٦) وعزاه لابن جرير عن الضحاك.

(٢) انظر هذه القراءة في : الطبري (٢٩ / ٢٤٠) ، وزاد المسير (٨ / ٤٥٠).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٦٨).

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٠٧).

(٥) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٥٠) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٨).

(٦) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٥٠ ـ ٤٥١) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٨).

(٧) المحتسب (٢ / ٣٤٦).

٤٣٧

بتخفيف](١) قصر (٢).

ثم أردف التشبيه بمثله فقال : كأنه جمالات صفر.

قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر : " جمالة" على التوحيد ، جمع جمل ، [مثل](٣) : حجر وحجارة.

قال مكي (٤) : لحقته هاء التأنيث ؛ لتأنيث الجمع ، كما قالوا : فحل وفحال وفحالة.

ومثلهم قرأ أبو رزين ، وحميد ، وأبو حيوة ، غير أنهم ضموا الجيم (٥) ، [وهو حبل](٦) السفينة.

وقرأ الباقون من السبعة : بكسر الجيم وزيادة ألف على الجمع (٧).

وضمّ الجيم رويس عن يعقوب (٨).

قال الزجاج (٩) : من قرأ" جمالات" بالكسر ، فهي جمع جمال ، كما تقول : بيوت

__________________

(١) في الأصل : الدال وتخفيف. والتصويب من ب.

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٥١). وعزاها لأبي العالية وأبي عمران وأبي نهيك ومعاذ القارئ ، دون أبي الدرداء ، وجعل قراءة أبي الدرداء كقراءة سعيد بن جبير المتقدمة.

(٣) في الأصل : من. والتصويب من ب.

(٤) الكشف (٢ / ٣٥٨).

(٥) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٥١) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٩).

(٦) في الأصل : وحبل. والتصويب من ب.

(٧) الحجة للفارسي (٤ / ٩١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٤) ، والكشف (٢ / ٣٥٨) ، والنشر (٢ / ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣١) ، والسبعة (ص : ٦٦٦).

(٨) النشر (٢ / ٣٩٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٣١).

(٩) معاني الزجاج (٥ / ٢٦٨).

٤٣٨

وبيوتات ، وهو جمع الجمع. ومن قرأ" جمالات" بالضم ، فهو جمع جمالة ، وهو القلس (١) ، من قلوس سفن البحر ، ويقال : كالقلس ، من قلوس الجسر.

قال الفراء (٢) : الصّفر : سود الإبل ، لا ترى الأسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة ، فلذلك سمّت العرب سود الإبل : صفرا. وهذا قول الحسن ومجاهد وقتادة وعامة المفسرين (٣).

قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) قال الزجاج (٤) : يوم القيامة له مواطن ومواقيت ، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها.

قال عكرمة : تكلموا واختصموا ، ثم ختم على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم ، فحينئذ لا ينطقون ، (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(٥).

وقال ابن الأنباري : لا ينطقون بحجة تنفعهم.

وقرأ أبو رجاء ، والقاسم بن محمد ، والأعمش : " يوم" بنصب الميم (٦) ، على معنى : هذا الذي قصصنا عليكم واقع يوم لا ينطقون ، وهو يوم القيامة ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون.

__________________

(١) القلس : هو حبل السفينة (اللسان ، مادة : قلس).

(٢) معاني الفراء (٣ / ٢٢٥).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٤١). وذكره الماوردي (٦ / ١٨٠) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٨٦) وعزاه لابن جرير عن الحسن. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٦٨).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٥١).

(٦) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٥١) ، والدر المصون (٦ / ٤٥٩).

٤٣٩

قال الزمخشري (١) : " فيعتذرون" عطف على" يؤذن" منخرط في سلك النفي. والمعنى : ولا يكون لهم إذن [واعتذار](٢) متعقب له ، من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الإذن ، ولو نصب [لكان](٣) مسببا عنه لا محالة.

قوله تعالى : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) إشارة إلى يوم القيامة ، يفصل فيه بين أهل الجنة وأهل النار ، (جَمَعْناكُمْ) أيها [المكذبون](٤) من هذه الأمة (وَ) المكذبين (الْأَوَّلِينَ).

وقوله : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) تقريع لهم على كيدهم لدين الإسلام ، وتسجيل [عليهم](٥) بالعجز والاستكانة.

قال مقاتل (٦) : المعنى : فإن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم.

ثم ذكر سبحانه وتعالى ما أعدّ للمؤمنين فقال :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٨٢).

(٢) في الأصل : وإعذار. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : لمكان. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : المكذبين. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : لهم. والمثبت من ب.

(٦) تفسير مقاتل (٣ / ٤٣٧).

٤٤٠