رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

يعني : أنها تنفطر بشدة ذلك اليوم وهو له ، كما ينفطر الشيء بما يفطر به.

قال الفراء (١) : السماء تذكّر وتؤنّث ، وأنشد :

فلو رفع السماء إليه قوما

لحقنا بالسماء مع السحاب (٢)

وقال الزجاج وغيره (٣) : ذكّر على تأويل السماء بالسقف. وقيل : التقدير : السماء شيء منفطر به.

(كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) أي : وعد الله بالبعث مفعولا ، كائنا لا محالة.

وقيل : الضمير في"(وَعْدُهُ)" لليوم ، فيكون من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

(إِنَّ هذِهِ) الآيات الناطقة بهذا الوعيد الشديد (تَذْكِرَةٌ) موعظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) بالإيمان والطاعة.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ١٩٩).

(٢) انظر البيت في : اللسان (مادة : سما) ، والطبري (٢٩ / ١٣٩) ، والقرطبي (١٩ / ٥١) ، والبحر (١ / ٢١٩ ، ٨ / ٣٥٧) ، والدر المصون (١ / ١٣٦ ، ٦ / ٤٠٩) ، وزاد المسير (٨ / ٣٩٤) ، وروح المعاني (١ / ١٧١ ، ٢٩ / ١١٠).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٣).

٣٤١

حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٠)

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) أي : أقل (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) وقرأ هشام : " ثلثي" بسكون اللام (١) ، وهما لغتان.

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة : " ونصفه وثلثه" بالنصب فيهما ، على معنى : وتقوم النصف والثلث.

وقرأ الباقون من العشرة : بالجر فيهما ، عطفا على" ثلثي الليل" (٢) ، أي : وأدنى من نصفه ، وأدنى من ثلثه.

قال مكي (٣) : النصب أقوى ؛ لأن الفرض كان على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيام ثلث الليل ، فإذا نصبت [" ثلثه"](٤) أخبرت أنه كان يقوم ما فرض الله عليه وأكثر ، وإذا [خفضت](٥) " ثلثه" أخبرت أنه كان يقوم أقلّ من الفرض.

(وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) وهم المؤمنون المخلصون ، (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يعلم مقادير ساعاتهما ، لا يعلمها على الحقيقة سواه ، (عَلِمَ أَنْ لَنْ

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٧٣) ، والكشف (٢ / ٣٤٦) ، والنشر (٢ / ٢١٧) ، والإتحاف (ص : ٤٢٧) ، والسبعة (ص : ٦٥٨).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٧٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣١ ـ ٧٣٢) ، والكشف (٢ / ٣٤٥) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٧) ، والسبعة (ص : ٦٥٨).

(٣) الكشف (٢ / ٣٤٥).

(٤) زيادة من الكشف ، الموضع السابق.

(٥) في الأصل : نصبت. والتصويب من ب ، والكشف ، الموضع السابق.

٣٤٢

تُحْصُوهُ) قال مقاتل (١) : علم أن لن تطيقوا قيام ثلثي الليل ولا ثلث الليل ولا نصف [الليل](٢).

وقال الفراء (٣) : علم أن لن تحفظوا مواقيت الليل.

وقال غيره (٤) : الضمير في"(تُحْصُوهُ)" لمصدر"(يُقَدِّرُ)".

(فَتابَ عَلَيْكُمْ) عاد عليكم بالرحمة والتخفيف (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي : فصلّوا ما تيسّر عليكم.

وعبّر عن الصلاة بالقراءة ؛ لاشتمالها عليها ، كما عبّر عنها بالركوع والسجود.

قال الماوردي (٥) : يحتمل وجهين :

أحدهما : ما يتطوع به من نوافله.

الثاني : أنه محمول على [فروض](٦) الصلوات الخمس ؛ لانتقال الناس من قيام الليل إليها. ويكون قوله : "(ما تَيَسَّرَ)" محمولا على صفة الأداء في القوة والضعف ، والصحة والمرض.

وذهب كثير من المفسرين إلى أن المعنى : فاقرؤوا في الصلاة ما تيسير من القرآن.

ويروى أن ابن عباس أمّ الناس بالبصرة ، فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤١١).

(٢) في الأصل : الثلث. والتصويب من ب ، وتفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٣) معاني الفراء (٣ / ٢٠٠).

(٤) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٤٤).

(٥) تفسير الماوردي (٦ / ١٣٢).

(٦) في الأصل : فرض. والتصويب من ب ، وتفسير الماوردي ، الموضع السابق.

٣٤٣

من البقرة ، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ، فلما قضى صلاته قال : إن الله عزوجل يقول : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ). قال علي بن عمر الحافظ : هذا حجة لمن يقول : فاقرؤوا ما تيسر منه [فيما](١) بعد الفاتحة (٢).

قال بعضهم : هو أمر بقراءة القرآن.

ثم اختلفوا : هل هذا الأمر على وجه الإيجاب أم الاستحباب؟

والحق أن يقال : يجب على المسلم أن يتعلم من القرآن ما يتوقّف (٣) صحة الصلاة عليه.

قال الماوردي (٤) : وفي قدر ما تضمّنه هذا الأمر من القراءة خمسة أقوال :

أحدها : جميع القرآن ؛ لأن الله تعالى قد يسّره على عباده. وهو قول الضحاك.

والثاني : ثلث القرآن. حكاه جويبر.

والثالث : مائتا آية. قاله السدي.

والرابع : مائة [آية](٥). قاله ابن عباس.

والخامس : ثلاث آيات كأقصر سورة. قاله أبو خالد الكناني (٦).

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) أخرجه الدارقطني (١ / ٣٣٨ ح ٢) ، والبيهقي في الكبرى (٢ / ٤٠ ح ٢٢٠١) من حديث قيس بن أبي حازم. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٢٣) وعزاه للدارقطني والبيهقي في السنن.

(٣) في الأصل زيادة قوله : على. وانظر : ب.

(٤) تفسير الماوردي (٦ / ١٣٣).

(٥) زيادة من ب ، وتفسير الماوردي ، الموضع السابق.

(٦) في هامش ب : أسند البزار عن جابر : كتب علينا قيام الليل (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا ـ

٣٤٤

ثم نبّه على حكمة التخفيف بما ذكر من أعذار الناس فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) المعنى : فلا تطيقوا قيام الليل (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : يسافرون (يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي : يطلبون الرزق بالتجارة فلا يستطيعون قيام الليل ؛ إما لمشقة السفر ، وإما لكثرة السهر ، (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ).

قال بعض العلماء : سوّى الله تعالى بين المجاهدين والمسافرين لكسب الحلال (١).

قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إليّ من أن أموت بين شعبتي رحل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله (٢).

قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) يريد : الصلوات الخمس ، (وَآتُوا الزَّكاةَ) قال ابن عباس : صلة الرحم ، وقرى الضيف (٣). يشير إلى أن الزكاة لم تكن بعد فرضت.

قال عكرمة وقتادة : زكاة الأموال (٤).

__________________

ـ قليلا) فقمنا حتى انتفخت أقدامنا. فأنزل الله تبارك وتعالى الرخصة : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ...) إلى آخر السورة.

قلت أنا : وفي هذا نظر ، فإن هذا كان كله بمكة ، وجابر أنصاري ...

(١) ذكره الزمخشري في : الكشاف (٤ / ٦٤٤).

(٢) ذكره القرطبي (٨ / ٣٢٣). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٨ / ٣٢٣) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٩٦).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ١٣٤).

٣٤٥

وقيل : صدقة الفطر (١).

(وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) مفسّر في البقرة (٢).

والمراد بها هاهنا : النفقة في سبيل الله ، في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (٣).

والنوافل بعد الفرض ، في قول ابن زيد (٤).

وقال زيد بن أسلم : النفقة على الأهل (٥).

قوله تعالى : (هُوَ خَيْراً) قال الزجاج (٦) : " خيرا" منصوب بمفعول ثاني ل" تجدوه" ، ودخلت" هو" فصلا.

قال المفسرون : ومعنى : " هو خيرا" هو أفضل مما أعطيتم ، (وَأَعْظَمَ أَجْراً) من الذي تؤخرون إلى وقت الوصية عند الموت.

(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) من ذنوبكم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للمستغفرين (رَحِيمٌ) بالمؤمنين.

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ١٣٤).

(٢) عند الآية رقم : ٢٤٥.

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ١٣٤).

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٢). وذكره الماوردي (٦ / ١٣٤).

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ١٣٤).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٤).

٣٤٦

سورة المدثر صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمس وخمسون آية في المدني ، [وست](١) في الكوفي (٢). وهي مكية بإجماعهم.

واستثنى مقاتل آية وهي قوله : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً)(٣).

والسبب في نزولها : ما أخرج في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «[جاورت](٤) بحراء شهرا ، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي ، فنوديت ، فنظرت أمامي وخلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، فإذا هو جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فأتيت خديجة فقلت : دثّروني ، وصبوا عليّ ماء باردا ، وأنزل عليّ (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)(٥).

قوله : " فإذا هو جالس" يعني : جبريل عليه‌السلام.

[أخبرنا](٦) الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا

__________________

(١) في الأصل : ست. والتصويب من ب.

(٢) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٥٨).

(٣) انظر : زاد المسير (٨ / ٣٩٨).

(٤) في الأصل : جاوت. والتصويب من ب ، والصحيحين.

(٥) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٧٥ ح ٤٦٤٠) ، ومسلم (١ / ١٤٤ ح ١٦١).

(٦) في الأصل : وأخبرنا. والمثبت من ب.

٣٤٧

عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله قال : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه : فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت (١) منه رعبا ، [فرجعت](٢) فقلت : زمّلوني زمّلوني ، فدثّروني ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) إلى قوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ). قال أبو سلمة : والرجز : الأوثان. ثم حمي الوحي وتتابع» (٣).

قال الخطابي : " فجئثت" : أي : فرقت ، يقال : رجل مجؤوث. وقد صحّفه بعضهم فقال : " فجبنت" ، من الجبن. وهذا يدل على أن هذا من أول ما نزل من القرآن. وقد ذكرنا الصحيح من ذلك في مقدمة الكتاب.

فصل

اختلف العلماء في الشهر الذي ابتدئ فيه الوحي ؛ فقال أبو هريرة : نزل جبريل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرسالة يوم سبعة وعشرين من رجب ، وهو أول يوم هبط فيه (٤).

وقال ابن إسحاق : ابتدئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتنزيل في شهر رمضان ، فأما اليوم الذي ابتدئ فيه بالوحي ، فقد روى مسلم في صحيحه : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن

__________________

(١) فجئثت : أي : ذعرت وخفت (اللسان ، مادة : جأث).

(٢) في الأصل : فرعت. والتصويب من ب ، والبخاري (٤ / ١٨٧٥).

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٧٥ ـ ١٨٧٦ ح ٤٦٤١ ، ٤٦٤٢).

(٤) ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه (٨ / ٢٨٩) مطولا.

٣٤٨

صوم يوم الاثنين؟ فقال : فيه ولدت ، وفيه أنزل عليّ» (١).

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)(١٠)

فصل

قرأ الأكثرون : " المدّثّر". وقرأ أبي بن كعب وأبو عمران الجوني والأعمش : " المدثّر" (٢).

وقرأ أبو رجاء وعكرمة : " [المدثّر](٣) " بتخفيف الدال (٤). وقد نبهنا على علّة ذلك في أول المزمل.

والأكثرون على أنه من التّدثير بالثياب.

وقيل : المدثر بالنبوة ، كما في المزمّل.

(قُمْ فَأَنْذِرْ) أي : قم من مضجعك.

وقيل : هو أمر له [بالتشمير](٥) في الإنذار والجدّ فيه ، فأنذر كفار مكة وغيرهم ، وحذّرهم عقوبة الله إن لم يؤمنوا.

__________________

(١) أخرجه مسلم (٢ / ٨٢٠ ح ١١٦٢).

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٩٩) ، والدر المصون (٦ / ٤١١).

(٣) في الأصل : المتدثر. وهو خطأ. والتصويب من ب.

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٩٩) ، والدر المصون (٦ / ٤١١).

(٥) في الأصل : بالتشهير. والتصويب من ب.

٣٤٩

(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي : عظّم.

وفي الحديث : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما نزلت [قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](١) : " الله أكبر" ، فكبّرت خديجة وفرحت ، وأيقنت أنه الوحي» (٢).

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) قال مجاهد وقتادة : نفسك فطهّر من الذنوب (٣).

قال ابن قتيبة (٤) : كنّى عن الجسم بالثياب ؛ لأنها تشتمل عليه. ويشهد له قول عنترة :

فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم (٥)

وهو قريب من قول من قال : وعملك فأصلح (٦).

قال السدي : يقال للرجل إذا كان صالحا : إنه لطاهر الثياب ، وإذا كان فاجرا : إنه لخبيث الثياب (٧).

__________________

(١) زيادة من الكشاف (٤ / ٦٤٧).

(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٤٧) ، والقرطبي (١٩ / ٦٢).

(٣) ذكره الطبري (٢٩ / ١٤٥) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٨٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٠).

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٩٥).

(٥) البيت لعنترة. وهو في : اللسان (مادة : طهر) ، والأغاني (٩ / ٢٥٤) ، ومجمع الأمثال (١ / ٣٤٤) ، والقرطبي (١٩ / ٦٣) ، وزاد المسير (٨ / ٤٠٠) ، وروح المعاني (٢٩ / ١١٧).

(٦) هو قول مجاهد. أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٢٦) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٧) ذكره البغوي (٤ / ٤١٣).

٣٥٠

وقال ابن عباس : لا تلبسها على معصية ولا على غدرة (١).

قال غيلان بن سلمة الثقفي :

وإني [بحمد](٢) الله لا ثوب فاجر

لبست ولا من غدرة أتقنّع (٣)

وروي عن ابن عباس أيضا : أن المعنى : لا تكن ثيابك من كسب (٤) غير طاهر (٥).

وقال ابن سيرين وابن زيد : أمره بتطهير ثيابه من النجاسات التي لا تجوز معها الصلاة (٦).

وقال سعيد بن جبير : وقلبك فطهر (٧). ويشهد له قول امرئ القيس :

فإن تك قد ساءتك مني خليقة

فسلّي ثيابي من ثيابك تنسلي (٨)

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٢٦) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وغيرهم.

(٢) في الأصل : وبحمد. والمثبت من ب ، ومصادر البيت.

(٣) البيت لغيلان بن سلمة. وهو في : اللسان (مادة : قوا) ، والطبري (١٥ / ١٠١ ، ٢٩ / ١٤٥) ، والقرطبي (١٠ / ٢٧٦ ، ١٩ / ٦٣) ، والماوردي (٦ / ١٣٦) ، وزاد المسير (٨ / ٤٠٠) ، والبحر المحيط (٨ / ٣٦٣) ، وروح المعاني (٢٩ / ١١٧).

(٤) في ب : مكسب.

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٦). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٠).

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٦ ـ ١٤٧). وذكره الماوردي (٦ / ١٣٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠١).

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠١).

(٨) البيت لامرئ القيس. انظر : ديوانه (ص : ١٣) ، والأغاني (٩ / ٨٥) ، والماوردي (٦ / ١٣٦) ، وزاد المسير (٨ / ٤٠١) ، وروح المعاني (٢٩ / ١١٧).

٣٥١

أي : قلبي من قلبك.

وقال طاووس والزجاج (١) : وثيابك فقصّر ؛ لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة.

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) وقرأ حفص : " والرّجز" بضم الراء (٢).

قال عامة المفسرين : يريد : الأوثان.

وقيل : الإثم.

قال الزجاج (٣) : الرجز في اللغة : العذاب. ومعنى الآية : اهجر ما يؤدي إلى عذاب الله.

(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال الزجاج (٤) : " تستكثر" حال متوقعة (٥).

وهذا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، وليس على الإنسان إثم في أن يهدي هدية يرجو بها ما هو أكثر منها. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أدبه الله تعالى بأشرف الآداب ، وأجلّ الخلائق.

قال جمهور المفسرين : المعنى : لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه (٦).

وقال الحسن : لا تمنن بعملك فتكثّره على ربك (٧).

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٥). وذكره الماوردي (٦ / ١٣٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠١).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٧٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٣) ، والكشف (٢ / ٣٤٧) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٧) ، والسبعة (ص : ٦٥٩).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٥).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦).

(٥) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٢) ، والدر المصون (٦ / ٤١٢).

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٨ ـ ١٤٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٢). وانظر : الدر (٨ / ٣٢٧).

(٧) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٩). وذكره الماوردي (٦ / ١٣٨).

٣٥٢

وقال مجاهد : لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه (١).

وقرأ الحسن : " تستكثر" بالسكون.

قال الزمخشري (٢) : وفيه ثلاثة أوجه : الإبدال من" تمنن". كأنه قيل : [ولا](٣) تمنن لا تستكثر ؛ على أنه من المنّ في قوله عزوجل : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) ؛ لأن من شأن المنّان بما يعطي أن يستكثره ، أي : يراه كثيرا ويعتدّ به ، وأن يشبّه [ثرو](٤) بعضد ، فيسكّن تخفيفا ، وأن يعتبر حال الوقف.

وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار" أن" كقوله :

ألا [أيّهذا](٥) الزاجري أحضر الوغى

 ..........(٦)

ويؤيده قراءة ابن مسعود : " ولا تمنن أن تستكثر" (٧).

ويجوز في الرفع أن تحذف" أن" ويبطل عملها ، كما روي : أحضر الوغى.

قوله تعالى : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أي : لأجل ربك ، أو لثواب ربك ، فاصبر على أذى المشركين ، والقيام بأعباء الرسالة ، وكل ما شرع لك الصبر عليه.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٤٩). وذكره الماوردي (٦ / ١٣٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٢٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٢) الكشاف (٤ / ٦٤٨).

(٣) في الأصل : لا. والتصويب من ب.

(٤) زيادة من الكشاف (٤ / ٦٤٨).

(٥) في الأصل : أيها. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٦) تقدم.

(٧) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٦٤) ، والدر المصون (٦ / ٤١٢).

٣٥٣

قوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) أي : نفخ في الصور. [وهل](١) المراد بذلك النفخة الأولى أو [الثانية](٢)؟

فيه قولان : أظهرهما : أنها [الثانية](٣) ؛ لقوله : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ). وقد سبق ذكر" الصور" في الأنعام (٤).

قرأت على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة ، أخبركم يحيى بن أسعد بن بوش ، أخبرنا أبو طالب ابن يوسف ، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب ، [أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي](٥) ، أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا أبو خباب القصاب قال : صلى بنا زرارة بن أوفى صلاة الصبح فقرأ : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) حتى إذا بلغ : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) خرّ ميتا (٦).

قال الزجاج (٧) : و (يَوْمٌ عَسِيرٌ) يرتفع بقوله : (فَذلِكَ). المعنى : فذلك يوم عسير يوم النفخ في الصور.

و" يوم" يجوز أن يكون رفعا ، ويجوز أن يكون نصبا. فإذا كان نصبا فإنما بني على الفتح ؛ لإضافته إلى" إذ" ؛ لأن" إذ" غير متمكنة. وإذا كان رفعا فهو على

__________________

(١) في الأصل : وقيل. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : الثالثة. والتصويب من ب.

(٣) في الأصل : الثالثة. والتصويب من ب.

(٤) عند الآية رقم : ٧٣.

(٥) زيادة على الأصل. وفي هامش ب : سقط اسم القطيعي.

(٦) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٣٠٢). وأصله عند الترمذي ، انظر : (٢ / ٣٠٦ ح ٤٤٥).

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٦).

٣٥٤

معنى : فذلك يوم عسير يوم ينفخ في الصور.

وقال صاحب الكشاف (١) : إن قلت : كيف صح أن يقع"(يَوْمَئِذٍ)" ظرفا ل"(يَوْمٌ عَسِيرٌ)

قلت : المعنى : فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير ؛ لأن يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور.

فإن قلت : فما فائدة قوله : (غَيْرُ يَسِيرٍ) و (عَسِيرٌ) مغن عنه؟

قلت : لما قال : (عَلَى الْكافِرِينَ) فقصر العسر عليهم قال : (غَيْرُ يَسِيرٍ) ليؤذن لهم بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ، ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم ، وبشارة المؤمنين وتسليتهم. ويجوز أن يراد به أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا ، كما [يرجى](٢) تيسير العسير من أمور الدنيا.

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ)(٣٠)

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٤٨ ـ ٦٤٩).

(٢) زيادة من ب ، والكشاف (٤ / ٦٤٩).

٣٥٥

قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) قد سبق تفسير" ذرني" (١). والعائد على الاسم الموصول محذوف ، تقديره : ومن خلقته.

[و"(وَحِيداً)"](٢) حال من المخلوق ، على معنى : خلقته وهو وحيد فريد لا مال له ولا ولد. وهذا قول مجاهد (٣).

وقيل : إن"(وَحِيداً)" حال من الله تعالى ، ثم فيه وجهان :

أحدهما : أنه حال من الضمير المنصوب في"(ذَرْنِي)" ، على معنى : ذرني وحدي ، فأنا أكفيك أمره وأنتقم لك منه ، وأجزيك عن كل منتقم منه.

[قال](٤) مقاتل (٥) : خلّ بيني وبينه فأنا أكفيك هلاكه.

الثاني : أنه حال من الضمير المرفوع في" خلقت" ، أي : ذرني ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد (٦).

قال ابن عباس : جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه فقال له : يا عم ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ، فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قبله ، فقال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالا ، قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له ، قال : وما ذا أقول ،

__________________

(١) في سورة القلم ، عند الآية رقم : ٤٤.

(٢) في الأصل : وحيدا. والتصويب من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٢٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٤) في الأصل : وقال. والمثبت من ب.

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٦).

(٦) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٣) ، والدر المصون (٦ / ٤١٥).

٣٥٦

فو الله ما [فيكم](١) رجل أعلم بالأشعار مني ، والله ما يشبهها الذي يقول ، والله إن لقوله حلاوة ، وإن عليه طلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلوا وما يعلى. قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال : [فدعني](٢) حتى أفكر فيه ، فقال : إن هذا إلا سحر يؤثر ، يأثره عن غيره ، فنزلت هذه الآيات (٣).

قال مجاهد : قال الوليد لقريش : إن لي إليكم حاجة ، فاجتمعوا في دار الندوة ، فقال : إنكم ذوو أحساب وأحلام ، وإن العرب يأتونكم وينطلقون من عندكم على أمر مختلف ، فأجمعوا على شيء واحد ، ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا : نقول : إنه شاعر ، فعبس عندها وقال : قد سمعنا الشعر وما يشبه قوله الشعر ، فقالوا : نقول : إنه كاهن ، فقال : إذا يأتونه فلا يجدونه يحدّث ما تحدث [به](٤) الكهنة ، قالوا : نقول : إنه مجنون ، قال : إذا يأتونه فلا يجدونه مجنونا ، قالوا : نقول : إنه ساحر ، قال : وما الساحر؟ قالوا : بشر يحبّبون بين المتباغضين ، ويبغّضون بين المتحابين ، قال : فهو ساحر ، فخرجوا لا يلقى أحد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا قال : يا ساحر ، فاشتدّ ذلك [عليه](٥) ، فأنزل الله عزوجل هذه الآيات (٦).

__________________

(١) في الأصل : منكم. والمثبت من ب.

(٢) في الأصل : دعني. والمثبت من ب.

(٣) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٥٠ ح ٣٨٧٢) وقال : حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ، والبيهقي في الشعب (١ / ١٥٦ ـ ١٥٨ ح ١٣٤). وانظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٤٦٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٠) وعزاه للحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.

(٤) زيادة من ب.

(٥) زيادة من ب.

(٦) الوسيط (٤ / ٣٨٣) ، وأسباب النزول للواحدي (ص : ٤٦٨) ، وزاد المسير (٨ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤).

٣٥٧

قوله تعالى : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) كثيرا مبسوطا.

وقال الزجاج (١) : غير منقطع.

قال عمر بن الخطاب رضي الله [عنه](٢) : غلّة شهر بشهر (٣).

قال مقاتل (٤) : كان له بستان بالطائف لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا.

وقال ابن عباس ومجاهد : ألف دينار (٥).

وقال قتادة : أربعة آلاف دينار (٦).

(وَبَنِينَ شُهُوداً) أي : حضورا عنده قد أغنيتهم عن الضرب في الأرض لابتغاء الرزق.

وفي عددهم أربعة أقوال :

أحدها : أنهم كانوا عشرة. قاله مجاهد وقتادة (٧).

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٦).

(٢) زيادة من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٠) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والدينوري في المجالسة.

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٦).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٢) كلاهما عن مجاهد. وذكره الماوردي (٦ / ١٣٩) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٢٩) وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٥).

(٧) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٤) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٢) كلاهما عن مجاهد. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٥) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٢٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.

٣٥٨

الثاني : ثلاثة عشر. قاله سعيد بن جبير (١).

الثالث : اثنا عشر. قاله السدي (٢).

الرابع : سبعة. قاله مقاتل (٣). قال : وهم : خالد ، وعمارة ، وهشام ، وهؤلاء أسلموا ، والعاص ، وقيس ، وعبد شمس ، والوليد.

قوله تعالى : (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) أي : بسطت له في العيش بسطا.

وقال ابن عباس : يعني : المال بعضه على بعض ، كما يمهد الناس (٤) الفرش (٥).

وقال غيره (٦) : بسطت له الجاه العريض والرئاسة في قومه ، فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال ، واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا ، ومنه قول الناس : أدام الله تأييدك وتمهيدك ، يريدون : زيادة الجاه والحشمة. وكان الوليد من وجهاء قريش وصناديدهم ، ولذلك لقّب الوحيد ، وريحانة قريش.

(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) قال مقاتل (٧) : يطمع أن أزيده في المال والولد.

وقال الحسن : يطمع أن أدخله الجنة (٨).

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٢٩) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٥).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٦).

(٤) قوله : " الناس" ساقط من ب.

(٥) ذكره القرطبي (١٩ / ٧٢) من قول مجاهد ، والبغوي (٤ / ٤١٤) من قول الكلبي.

(٦) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٥٠).

(٧) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٦).

(٨) ذكره الماوردي (٦ / ١٤٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٥).

٣٥٩

قال المفسرون : كان الوليد يقول : إن كان [محمد](١) صادقا ، فما خلقت الجنة إلا لي.

قوله تعالى : (كَلَّا) ردع له ، وقطع لرجائه وطمعه.

قال المفسرون : منعه الله المال والولد ، ولم يزل بعد نزول هذه الآية في نقصان حتى مات فقيرا.

(إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) أي : معاندا. وهو كلام مستأنف خارج مخرج التعليل للردع ، كأنّ قائلا [قال](٢) : لم لا يزاد؟ فقال : إنه عاند آيات [النعم](٣) عليه.

(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) أي : سأحمله على مشقة من العذاب ، أو سأغشيه عقبة شاقة المصعد.

وفي الترمذي من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العصود عقبة في النار ، يتصعّد فيها الكافر سبعين خريفا ، فهو كذلك أبدا» (٤).

وفي لفظ آخر : «جبل من نار ، يكلّف أن يصعده ، فإذا وضع يده عليه ذابت ، فإذا رفعها عادت ، فإذا وضع رجله عليه ذابت ، فإذا رفعها عادت ، يصعد سبعين خريفا ، ثم يهوي فيه كذلك أبدا» (٥).

__________________

(١) في الأصل : محمدا. والتصويب من ب.

(٢) زيادة من ب.

(٣) في الأصل : المنعم. والمثبت من ب.

(٤) أخرجه الترمذي (٤ / ٧٠٣ ح ٢٥٧٦).

(٥) أخرجه الطبراني في الأوسط (٥ / ٣٦٦ ح ٥٥٧٣) ، والطبري (٢٩ / ١٥٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٣).

٣٦٠