رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

فيه همزة ساكنة ، أبدل منها ألف ، فتثبت همزة في [اسم](١) المفعول ، وهو" مؤصدة" ، أي : مطبقة.

ومن لم يهمز جعله من : أوصدت الباب ، بمعنى : أطبقته أيضا ، ففاء الفعل في هذه اللغة واو ، فلا يهمز [اسم](٢) المفعول ، إذ لا أصل له في الهمز. ويؤيد ذلك : إجماعهم على ترك الهمز في قوله : (بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨] ، ولو كان من المهموز لكان : " بالأصيد" ، فهما لغتان بمعنى.

ويجوز على قراءة من لم يهمز : أن يكون قد أبدل من الهمزة واوا ؛ لانضمام ما قبلها على أصل تخفيف الهمزة الساكنة.

قال مقاتل (٣) : أبوابها عليهم مطبقة ، فلا يفتح لها باب ، ولا يخرج منها غم ، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد. والله أعلم.

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : واسم. والتصويب من ب.

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤٨٧).

٦٤١

سورة الشمس

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمس عشرة آية مكية (١).

(وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(١٠)

قال الله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) أقسم الله تعالى بجرم الشمس ، وبضوئها إذا [أفرط](٢) في الاستنارة ، وذلك عند ارتفاع الشمس.

وقيل : الضّحو : ارتفاع النهار ، والضّحى فوق ذلك.

والضّحاء ـ بالفتح والمد ـ : إذا امتد النهار وكرب (٣) أن [ينتصف](٤).

قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) قال مجاهد : ساواها (٥).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٧٥).

(٢) في الأصل : فرط. والتصويب من ب.

(٣) في هامش ب : كرب معناه : قرب.

(٤) في الأصل : يتنصف. والمثبت من ب. وانظر : اللسان (مادة : ضحا).

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢٨١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٣٨).

٦٤٢

قال الزجاج (١) : إذا استدار ، فكان يتلو الشمس في الضياء والنور.

قال غيره : وذلك في الليالي البيض.

وقال ابن عباس وجمهور المفسرين : تلاها بمعنى : تبعها (٢).

ثم في ذلك ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس ، تلاها القمر في الإضاءة. قاله ابن زيد (٣).

الثاني : أنه أول ليلة من الشهر إذا سقطت الشمس يرى القمر عند سقوطها. قاله قتادة (٤).

الثالث : أنه في الخامس عشر [من](٥) الشهر يطلع القمر مع غروب الشمس. قاله الطبري (٦).

قوله تعالى : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) الكناية للشمس ، والنهار يجلّيها غاية التّجلّي

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٣٣١).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٠٨) عن مجاهد ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٣٦) ، والحاكم (٢ / ٥٧١ ح ٣٩٣٨) كلاهما عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢٨ ، ٥٢٩) وعزاه للحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس. ومن نفس الطريق من رواية عكرمة عزاه لابن أبي حاتم. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٠٨). وذكره الماوردي (٦ / ٢٨٢).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٠٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٣٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) في الأصل : في. والتصويب من ب.

(٦) تفسير الطبري (٣٠ / ٢٠٨). وذكره الماوردي (٦ / ٢٨٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٣٨).

٦٤٣

عند انبساطه وارتفاعه. وهذا قول مجاهد (١).

وقال جمهور المفسرين : الكناية للظلمة.

قال الزجاج (٢) : المعنى يدل على الظلمة وإن لم يجر لها ذكر ، كما تقول : أصبحت باردة ، تريد : أصحبت غداتنا باردة.

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) أي : إذا يغشى الشمس فتغيب وتظلم الآفاق.

قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) و" ما" هاهنا موصولة ، وكذلك : " وما طحاها ، وما سواها".

قال عطاء : يريد : الذي بناها (٣).

وقال ابن السائب : ومن بناها (٤). وهو مذهب عامة المفسرين واللغويين.

ويؤيده قراءة أبي عمران : " ومن بناها ، ومن طحاها ، ومن سواها" (٥). وقد قررنا هذا في غير موضع.

وقال الفراء والزجاج (٦) : " ما" مصدرية ، تقديره : والسماء وبنائها ، والأرض وطحوها.

__________________

(١) وهو اختيار الطبري (٣٠ / ٢٠٨). ذكره الماوردي (٦ / ٢٨٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٣٨).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٢).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٩٥).

(٤) مثل السابق.

(٥) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ١٣٩).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٢).

٦٤٤

قال صاحب الكشاف (١) : وليس بالوجه ؛ لقوله : (فَأَلْهَمَها) ، وما يؤدي إليه من فساد النظم.

قوله تعالى : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) قال أبو عبيدة (٢) : طحاها : بسطها من كل جانب.

قال ابن قتيبة (٣) : يقال : [خير](٤) طاح ، أي : كثير متّسع.

قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) قال الحسن : يريد : نفس آدم (٥).

وقال عطاء : يريد : جميع ما خلق من الجن والإنس (٦). وهو الصحيح ؛ لدلالة ما بعده من التفصيل بقوله : "(قَدْ أَفْلَحَ)" ، "(وَقَدْ خابَ)" عليه.

قال صاحب الكشاف (٧) : إن قلت : لم نكّرت النفس؟

قلت : فيه وجهان :

أحدهما : أن يريد نفسا خاصة من بين النفوس ، وهي نفس آدم ، كأنه قال : وواحدة من النفوس.

والثاني : أن يريد كل نفس ، وينكّر للتكثير ، على الطريقة المذكورة في قوله :

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٧٦٢).

(٢) مجاز القرآن (٢ / ٣٠٠).

(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٢٩).

(٤) في الأصل وب : خبر. والتصويب من زاد المسير (٩ / ١٣٩).

وفي تفسير غريب القرآن : حيّ.

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢٨٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٣٩).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٩٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٣٩).

(٧) الكشاف (٤ / ٧٦٣).

٦٤٥

(عَلِمَتْ نَفْسٌ) [التكوير : ١٤].

وقد حكيت في قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ) فاطلبه هناك.

وقد سبق معنى التسوية في قوله : (فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الانفطار : ٧].

قوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) الإلهام في اللغة : إيقاع الشيء في النفس.

قال ابن زيد : جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور (١).

وهذا هو التفسير الذي تقتضيه لغة العرب ، وهو اختيار الزجاج والواحدي وأبي الفرج ابن الجوزي (٢).

ويؤيده ما روي في الحديث : «أن النبي (٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأ هذه الآية رفع صوته قائلا : اللهم! ألهم نفسي تقواها ، أنت [وليها](٤) ومولاها ، وأنت خير من زكّاها» (٥).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٠). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٩٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٠).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٢) ، والوسيط للواحدي (٤ / ٤٩٥) ، وزاد المسير لابن الجوزي (٩ / ١٤٠).

(٣) في ب : رسول الله.

(٤) في الأصل : ولويها. والتصويب من ب.

(٥) أخرجه الطبراني في الكبير (١١ / ١٠٦ ح ١١١٩١) ، وقال الهيثمي في المجمع (٧ / ١٣٨): " إسناد حسن". وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢٩) وعزاه للطبراني وابن المنذر وابن مردويه.

وأصله عند مسلم (٤ / ٢٠٨٨ ح ٢٧٢٢) بلفظ : «... اللهم آت نفسي تقواها ، وزكّها أنت خير من زكّاها ، أنت وليها ومولاها».

٦٤٦

وقال ابن عباس في راوية ابن أبي طلحة : بيّن لها الخير والشر (١).

وقال في رواية أبي صالح : عرّفها ما تأتي وما تتّقي (٢).

وقال مجاهد : أعلمها (٣).

وجواب القسم : "(قَدْ أَفْلَحَ)". والمعنى : لقد أفلح ، ولكن اللام حذفت ؛ لأن الكلام طال ، فصار طوله عوضا منها (٤).

وقال ابن الأنباري : جوابه محذوف (٥).

قال غيره (٦) : تقديره : ليدمدمنّ الله عليهم لتكذيبهم رسول الله ، كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا. وأما" قد أفلح" فكلام تابع لقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء.

وقال ابن عباس : معناه : قد أفلحت نفس زكاها الله تعالى ، وأصلحها وطهّرها. والمعنى : وفّقها للطاعة. وقد خابت نفس أضلّها الله وأغواها (٧).

وقال الحسن وقتادة وابن قتيبة (٨) : المعنى : قد أفلح من زكّى نفسه بطاعة الله

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٣٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٩٥).

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ٢٨٣).

(٤) هو قول الزجاج في معانيه (٥ / ٣٣١).

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤١).

(٦) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٦٤).

(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٩٧).

(٨) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٣٠) ، وتأويل مشكل القرآن (ص : ٣٤٤).

٦٤٧

وصالح الأعمال (١).

(وَقَدْ خابَ مَنْ) أثمها وفجرها ، و (دَسَّاها) أصله : دسّسها ، من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلوا من السين الثانية تاء ، كما قال :

 .............

تقضّي البازي إذا البازي كسر (٢)

ومعناه : تقضّض ، فكأن المتنظف بارتكاب الفواحش دسّ نفسه وقمعها ، ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها)(١٥)

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) الباء هاهنا مثلها في قولك : كتبت بالقلم ، وضربت بالسيف. والطّغوى : اسم من الطغيان ، كالدعوى من الدعاء.

[قال](٣) الزجاج (٤) : أصل طغواها : طغياها. وفعلى إذا كانت من ذوات الياء ، أبدلت في الاسم واوا ؛ لتفصل بين الاسم والصفة ، تقول : هي التقوى ، وإنما هي : من تقيت ، وقالوا : امرأة خزيا ؛ لأنه صفة.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١١). وذكره الماوردي (٦ / ٢٨٤) بلا نسبة ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤١).

(٢) تقدم.

(٣) في الأصل : وقال. والمثبت من ب.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٣).

٦٤٨

وقال الفراء (١) : أراد بطغواها : طغيانها ، وهما مصدران ، إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات ، فاختير لذلك.

وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال : اسم العذاب الذي جاءها : الطغوى ، فقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) أي : بعذابها (٢).

وقرأ الحسن : " بطغواها" بضم الطاء (٣) ، كالحسنى والرّجعى في المصادر.

قوله تعالى : (إِذِ انْبَعَثَ) أي : انتدب ، وهو منصوب ب" كذبت" أو" بطغواها" ، (أَشْقاها) قدار بن سالف عاقر الناقة ، أشقى الأولين ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعلي عليه‌السلام : «من أشقى الأولين؟ قال : عاقر الناقة ، قال : صدقت. قال : من (٤) أشقى الآخرين؟ قال : قلت : لا أعلم يا رسول الله ، قال : الذي ضربك على هذه ، وأشار بيده إلى يافوخه» (٥).

وفي لفظ آخر : «الذي يخضب منك هذه من هذه ، ووضع يده على قرنه ولحيته» (٦).

قوله تعالى : (ناقَةَ اللهِ) نصب على التحذير (٧) ، كقولك : الأسد الأسد.

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢٦٧).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣١) وعزاه لابن جرير.

(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٤٠).

(٤) في ب : فمن.

(٥) أخرجه الطبراني في الكبير (٨ / ٣٨ ح ٧٣١١) ، وأبو يعلى في مسنده (١ / ٣٧٧ ح ٤٨٥).

(٦) أخرجه البزار (٤ / ٢٥٤ ح ١٤٢٤). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٩٩).

(٧) انظر : التبيان (٢ / ٢٨٧) ، والدر المصون (٦ / ٥٣٢).

٦٤٩

وقال الزجاج (١) : هو منصوب ، على معنى : ذروا ناقة الله ، كما قال : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) [الأعراف : ٧٣].

قال الفراء (٢) : (وَسُقْياها) عطف على : "(ناقَةَ اللهِ)" ، وهي شربها من الماء. على معنى : لا تتعرّضوا للماء يوم شربها.

(فَكَذَّبُوهُ) فيما حذرهم منه من نزول العذاب إن فعلوا (فَعَقَرُوها) مذكور في الأعراف (٣).

(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) قال عطاء ومقاتل (٤) : فدمّر عليهم ربهم.

قال [المؤرج](٥) : الدّمدمة : إهلاك باستئصال (٦).

وقال الزجاج (٧) : معنى : دمدم عليهم : أطبق عليهم العذاب ، يقال : [دمّمت](٨) على الشيء ؛ إذا أطبقت عليه ، فإذا كررت الإطباق قلت : دمدمت عليه (٩).

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٣).

(٢) انظر : معاني الفراء (٣ / ٢٦٨) ، والوسيط (٤ / ٤٩٩).

(٣) عند الآية رقم : ٧٧.

(٤) ذكره مقاتل في تفسيره (٣ / ٤٨٩) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠٠).

(٥) في الأصل : المؤرخ. والمثبت من ب.

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٣).

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٣).

(٨) في الأصل : دمت. والمثبت من ب.

(٩) انظر : اللسان (مادة : دمم).

٦٥٠

والمعنى : فسوّى الدمدمة عليهم وعمّهم ، فاستوت على صغيرهم وكبيرهم.

وقال مقاتل (١) : سوى بيوتهم على قبورهم ، وكانوا قد حفروا قبورا فاضطجعوا فيها ، فلما صيح بهم فهلكوا زلزلت بيوتهم ، فوقعت على قبورهم.

قوله تعالى : (وَلا يَخافُ عُقْباها) أي : عاقبتها وتبعتها.

قرأ نافع وابن عامر : " فلا يخاف" وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون : بالواو (٢) ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والكوفة والبصرة.

والمعنى : لا يخاف الله عقبى الدمدمة أو التسوية أو الفعلة.

قال ابن عباس والحسن : لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم (٣).

فعلى هذا القول : الواو في" ولا يخاف" حالية ، والحال من الضمير المرفوع في [" فسواها" أو من" فدمدم".

وقال الضحاك والسدي وابن السائب : لا يخاف الذي عقرها عقبى ما صنع (٤).

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٨٩).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١٢٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٦٦) ، والكشف (٢ / ٣٨٢) ، والنشر (٢ / ٤٠١) ، والإتحاف (ص : ٤٤٠) ، والسبعة (ص : ٦٨٩).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٣٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣١) عن ابن عباس والحسن.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٥ ـ ٢١٦) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٣٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٤) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٣١) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي.

ومن طريق آخر عن الضحاك ، وعزاه لابن جرير.

٦٥١

فعلى هذا الحال : من الضمير المرفوع في](١) " فعقروها" أي : عقرها غير خائف ، ونسب الفعل إلى الجميع ؛ لرضاهم به وتماليهم عليه ، أو يكون التقدير : انبعث أشقاها وهو لا يخاف.

وقال قوم : المعنى : ولا يخاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالح عقباها.

فعلى هذا الحال منه. ويجوز أن تكون الواو مقحمة.

ومن قرأ بالفاء كان التقدير ـ على قول ابن عباس ـ : فسوّاها الله فلا يخاف عقباها.

وعلى قول الضحاك : فكذبوه فعقروها فلا يخاف العاقر عقباها.

وعلى القول الثالث : يكون قد تبع قول الرسول عدم خوفه من عقبى مقالته أو نذارته.

والوجه الأول : هو الوجه الصحيح. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) زيادة من ب.

٦٥٢

سورة الليل

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي إحدى وعشرون آية مكية (١).

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى)(١١)

قال الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) قال ابن عباس : يغشى بظلمته النهار (٢).

وقال الزجاج (٣) : يغشى الأفق ، ويغشى جميع ما بين السماء والأرض.

(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) ظهر بزوال ظلمة الليل.

قال قتادة : هما آيتان عظيمتان يكورهما الله تعالى على الخلائق (٤).

قوله تعالى : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) القول في" ما" هاهنا كالقول في (وَما بَناها) [الشمس : ٥].

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٧٦).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٥).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٥).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٧). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠١).

٦٥٣

أخبرنا الشيخان أبو القاسم أحمد بن عبد الله السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر البغداديان قالا : أخبرنا عبد الأول بن عيسى بن شعيب ، أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، أخبرنا محمد بن يوسف الفربري ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا قبيصة بن عقبة (١) ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : «دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام ، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أفيكم من يقرأ؟ فقلنا : نعم. قال : فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ ، فقال : اقرأ ، فقرأت : والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلى* والذكر والأنثى قال : أنت سمعتها من صاحبك؟ قلت : نعم. قال : وأنا سمعتها من فيّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهؤلاء يأبون علينا» (٢).

قال البخاري : وحدثنا عمر قال : حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال : «قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال : كلنا. قال : فأيكم أحفظ ، فأشاروا إلى علقمة ، قال : كيف سمعته يقرأ : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى)؟ قال علقمة : والذكر والأنثى قال : أشهد أني سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرؤها كذا ، وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ، والله لا أتابعهم» (٣).

__________________

(١) قبيصة بن عقبة بن محمد بن سفيان بن عقبة بن ربيعة بن جنيدب بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة السوائي ، أبو عامر الكوفي ، كان ثقة صدوقا كثير الحديث ، مات سنة خمس عشرة ومائتين (تهذيب التهذيب ٨ / ٣١٢ ، والتقريب ص : ٤٥٣).

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٨٩ ح ٤٦٥٩).

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٨٩ ح ٤٦٦٠).

٦٥٤

وفي المراد بالذكر والأنثى قولان :

أحدهما : أنه آدم وحواء. قاله الأكثرون.

والثاني : أنه عام. حكاه الماوردي (١).

وجواب القسم : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).

قال ابن عباس : إن أعمالكم لمختلفة ؛ عمل للجنة ، وعمل للنار (٢).

وقال الزجاج (٣) : سعي المؤمن والكافر مختلف ، بينهما بعد.

وفي سبب نزول هذه السورة قولان :

أحدهما : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبيّ بن خلف ببردة وعشر أواق ، فأعتقه [لله](٤) عزوجل ، فأنزل الله عزوجل هذه السورة إلى قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) يعني : سعي أبي بكر وأمية وأبيّ. قاله عبد الله بن مسعود (٥).

الثاني : أن رجلا كانت له نخلة ، فرعها في دار رجل فقير ذي عيال ، وكان الرجل إذا صعد النخلة يجتنيها ، ربما سقطت منه التمرة فيأخذها صبيان الفقير ، فينزل الرجل من نخلته فيأخذ التمرة من أيديهم ، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه في فيه حتى يخرجها ، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صاحب النخلة ، فقال

__________________

(١) تفسير الماوردي (٦ / ٢٨٧).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠٢).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٥).

(٤) في الأصل : الله. والتصويب من ب.

(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٤٠). وانظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٤٧٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن عساكر.

٦٥٥

له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تعطني نخلتك التي في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة ، فقال الرجل : إن لي نخلا وما فيه نخلة أعجب إليّ منها ، ثم ذهب الرجل ، فقال رجل ممن سمع ذلك الكلام : يا رسول الله! أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها؟ قال : نعم ، فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة ، فساومها منه ، فقال [له](١) : أشعرت أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلت له : ما لي نخلة أعجب إليّ منها ، فقال له : أتريد بيعها؟ قال : لا ، إلا أن أعطى بها ما لا أظنه أعطى ، قال : ما مناك؟ قال : أربعون نخلة ، فقال : أنا أعطيك أربعين نخلة ، وأشهد له أناسا ، [ثم ذهب](٢) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن النخلة قد صارت في ملكي وهي لك ، فذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى صاحب الدار فقال : النخلة لك ولعيالك ، فأنزل الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) إلى قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)(٣).

وقال عطاء : الذي اشتراها من الرجل : أبو الدحداح ، أخذها بحائط له (٤).

وهذا يوهم أن السورة مدنية ؛ لأن أبا الدحداح أنصاري حليف لهم ، وقصته مدنية بغير شك ، غير أن المنقول في التفاسير أنها مكية ، ولم أرهم ذكروا في ذلك خلافا. والله تعالى أعلم.

قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) قال ابن مسعود وجمهور المفسرين : هو

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : فذهب. والمثبت من ب.

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٣٩ ـ ٣٤٤٠) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٢ ـ ٥٣٣) وعزاه لابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس. وانظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٤٧٧).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٧ ـ ١٤٨).

٦٥٦

أبو بكر الصديق (١).

قال ابن عباس : أعطى من فضل ماله (٢).

وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه (٣).

" واتقى" : قال ابن عباس : اتقى ربه (٤).

وقال مجاهد : اتقى البخل (٥).

(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) أي : بالخصلة الحسنى.

قال ابن عباس في رواية عطية : صدّق بلا إله إلا الله (٦).

وقال في رواية عكرمة : صدّق بالخلف (٧).

__________________

(١) ذكره الطبري (٣٠ / ٢٢١) ، والماوردي (٦ / ٢٨٧) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٨).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٤٠) ، والبيهقي في الشعب (٧ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ ح ١٠٨٢٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٥) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عكرمة عن ابن عباس.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٩).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٤٠) ، والبيهقي في الشعب (٧ / ٤٢٢ ح ١٠٨٢٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٥) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عكرمة عن ابن عباس.

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢٨٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤٩).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٥) وعزاه لابن جرير.

(٧) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢١٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٤٠) ، والبيهقي في الشعب (٧ / ٤٢٢ ح ١٠٨٢٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٥) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عكرمة عن ابن عباس.

٦٥٧

وقال مجاهد : صدّق بالجنة (١).

وقال قتادة : صدّق بالثواب على عمله (٢).

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) أي : فسنهيؤه ونوفّقه ونسهّل عليه أسباب الخير ، حتى تكون الطاعة أيسر الأمور عليه.

قال عروة بن الزبير : أعتق أبو بكر على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ست رقبات ، بلال سابعهم ، عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأم عبيس ، وزنّيرة ، فأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ، فقالت : وبيت الله ما تضر اللات والعزى ولا تنفعان ، فردّ الله إليها بصرها ، وأعتق النهديّة وابنتها ، [وكانتا](٣) لامرأة من بني عبد الدار ، فمرّ بهما وقد بعثتهما سيدتهما تطحنان لها وهي تقول : والله لا أعتقكما أبدا ، فقال أبو بكر : [حل](٤) يا أم فلان ، قالت : حلّ ، أنت أفسدتهما فأعتقهما ، قال : فبكم هما؟ قالت : بكذا وكذا ، قال : قد أخذتهما وهما حرّتان ، ومر أبو بكر بجارية من بني نوفل وكانت مسلمة ، وعمر بن الخطاب يعذّبها لتترك دين الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها ، حتى إذا ملّ قال : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة ، فابتاعها

__________________

(١) أخرجه مجاهد (ص : ٧٦٥) ، والطبري (٣٠ / ٢٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٥) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٢٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٤٠) ولفظهما : صدّق بموعود الله على نفسه.

(٣) في الأصل وب : وكانت. والتصويب من السيرة النبوية (٢ / ١٦١).

(٤) في الأصل وب : خلا. والتصويب من السيرة النبوية (٢ / ١٦١). وكذا وردت في الموضع التالي.

ومعنى حل : يريد : تحللي من يمينك واستثني فيها.

٦٥٨

أبو بكر رضي الله عنه (١).

قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) قال ابن مسعود : أمية وأبيّ ابنا خلف (٢).

وقال عطاء : صاحب النخلة (٣).

(وَاسْتَغْنى) [عن](٤) ثواب الله فلم يرغب فيه.

(وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) تفسيره على العكس من : (صَدَّقَ بِالْحُسْنى).

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) أي : فسنهيء له أسباب الشر.

قال مقاتل (٥) : نعسّر عليه أن يعطي خيرا.

وقال ابن مسعود : ندخله النار (٦).

(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) قال ابن عباس : إذا تردّى في جهنم (٧).

وقال مجاهد : إذا مات فتردى في قبره (٨).

(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤)

__________________

(١) سيرة ابن هشام (٢ / ١٦٠ ـ ١٦١).

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٢٨٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥٠).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥٠).

(٤) في الأصل : من. والمثبت من ب.

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٤٩٢).

(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٤٠). وذكره الماوردي (٦ / ٢٨٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٣٥) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن عساكر.

(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٠٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥٠).

(٨) أخرجه مجاهد (ص : ٧٦٥) ، والطبري (٣٠ / ٢٢٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٣٦ ـ ٥٣٧) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٦٥٩

لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى)(٢١)

قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) قال الزجاج (١) : المعنى : إن علينا أن نبيّن طريق الهدى من طريق الضلال.

(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) قال مقاتل (٢) : ملك الدنيا والآخرة.

وقيل : ثواب الدارين.

ومعنى (تَلَظَّى) : تتوقّد وتتوهّج.

قوله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) [نار](٣) مخصوصة لا يصلاها إلا أشقى الأشقياء ؛ كأمية وأبيّ ابنا خلف. ويدل عليه قوله تعالى : (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى).

(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) : أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وبهذه الآية مع انضمام قوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] احتج جماعة من صناديد النظّار على تفضيل أبي بكر الصديق على غيره بعد النبيين.

وقال الزجاج (٤) : وهذه [الآية](٥) التي من أجلها زعم أهل الإرجاء أنه لا

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٦).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٤٩٢).

(٣) كلمة غير ظاهرة في الأصل. وفي ب سقط من هنا إلى قوله : أشقى. ولعلها كما أثبتناها.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٣٣٦).

(٥) زيادة من ب.

٦٦٠