رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٣

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٣

١
٢

سورة يونس عليه الصلاة والسّلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ولا خلاف بين القارئين أنها مائة آية وتسع آيات ، وهي مكية.

وروي عن ابن عباس : أن فيها من المدني : (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ..) الآية (١) ، وقوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ..) إلى آخر الثلاث آيات (٢).

واستثنى أيضا قوم : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) والتي تليها فقالوا : هو من المدني (٣).

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) (٢)

قال الله تعالى : (الر) قرأ ابن كثير وقالون وحفص : «ألر» بتفخيم الراء حيث وقع ، وقرأ ورش بين اللفظين ، والباقون بالإمالة (٤).

وقد سبق القول على الحروف المقطعة في أول البقرة.

وقد اختلفت الرواية عن ابن عباس في معنى : «ألر» فقال في رواية عطاء :

__________________

(١) زاد المسير (٤ / ٣).

(٢) الإتقان (١ / ٤٨).

(٣) زاد المسير (٤ / ٣).

(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٣٤٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٢٧) ، والكشف (١ / ١٨٦) ، والنشر (٢ / ٦٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٦) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٢٢).

٣

معناه : أنا الله الرحمن (١).

وقال في رواية الضحاك : أنا الله أرى (٢).

وقال في رواية عكرمة : (ألر حم نون) اسم الرحمن على الهجاء.

وقال في رواية [ابن](٣) أبي طلحة : هو قسم أقسم الله به (٤).

وقال مجاهد وقتادة : اسم من أسماء القرآن (٥).

وقال ابن زيد : اسم السورة (٦).

قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) قال ابن عباس : «تلك» بمعنى : هذه (٧).

وقال غيره : هي على أصلها (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٧٩). وانظر : الوسيط (٢ / ٥٣٧) ، وزاد المسير (٤ / ٤). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٤٠) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٧٩) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢١). وانظر : الوسيط (٢ / ٥٣٧) ، وزاد المسير (٤ / ٤). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٣٩) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه.

(٣) زيادة على الأصل.

(٤) أخرجه الطبري (١ / ٨٧). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٤).

(٥) أخرجه الطبري (١ / ٨٧ ، ١١ / ٧٩) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢١). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٤).

(٦) أخرجه الطبري (١ / ٨٧). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٤).

(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢٢) عن أنس بن مالك. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٤) ، والسيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٤٠) وعزاه لابن أبي حاتم عن أنس بن مالك.

(٨) زاد المسير (٤ / ٤).

٤

قال مجاهد وقتادة : الإشارة إلى الكتب المتقدمة (١). فيكون المعنى : هذه الآيات التي أنزلت على محمد تلك الآيات التي وصفت ووعدتم بإنزالها في الكتب المتقدمة.

وقال الزجاج (٢) : الإشارة إلى الآيات التي جرى ذكرها من القرآن.

وقال ابن الأنباري (٣) : الإشارة إلى «الر» وأخواتها من حروف المعجم ، أي : تلك الحروف المفتتحة بها السور هي آيات الكتاب ؛ لأنه بها يتلى ، وألفاظه إليها ترجع.

وقيل : تلك إشارة إلى ما [تضمنته](٤) السورة من الآيات (٥).

و «الكتاب» : السورة ، و «الحكيم» : قيل معناه : ذو الحكمة ؛ لاشتماله عليها ونطقه بها.

والمشهور في التفسير وعند أرباب اللغة والمعاني : أنه المحكم المبيّن الواضح ، الذي لا يتطرق إليه الباطل ولا الاختلاف بوجه من الوجوه.

__________________

(١) أخرجه الطبري (١١ / ٨٠) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢١). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٤) ، والسيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٤٠) وعزاه لابن أبي حاتم عن قتادة.

قال الآلوسي في تفسيره روح المعاني (١١ / ٥٩) : وأما حمل الكتاب على الكتب التي خلت قبل القرآن من التوراة والإنجيل وغيرهما ؛ فهو في غاية البعد ، فتأمل.

وبنحوه قال الطبري ، قال : لأنه لم يجيء للتوراة والإنجيل قبل ذكر ولا تلاوة بعده فيوجه إليه الخبر.

(٢) معاني الزجاج (٣ / ٥).

(٣) انظر : زاد المسير (٤ / ٤).

(٤) في الأصل : تضمنه. والتصويب من البحر المحيط (٥ / ١٢٦).

(٥) انظر : البحر المحيط (٥ / ١٢٦).

٥

فعيل بمعنى : مفعول ؛ كقول الأعشى :

وغريبة تأتي الملوك حكيمة

قد قلتها ليقال من ذا قالها (١)

قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) استفهام في معنى التوضيح لأهل مكة والإنكار عليهم ، والتعجب من تعجبهم أن أرسل الله محمدا منذرا ومبشرا ، (أَنْ أَوْحَيْنا) في موضع رفع على أنه اسم «كان» ، و «عجبا» خبره ، واللام في «للناس» متعلق بمحذوف «كان» صفة تعجب ، فلما تقدم صار حالا (٢) ؛ كقوله :

لميّة موحشا طلل

 ..................(٣)

وإن شئت كان ظرفا ل «كان».

قوله تعالى : (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) يريد : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال ابن عباس : لما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنكرت الكفار وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، فأنزل الله هذه الآية (٤).

__________________

(١) البيت للأعشى. وهو في : اللسان ، مادة : (حكم) ، والقرطبي (٨ / ٣٠٥) ، والدر المصون (٤ / ٣) ، وروح المعاني (٢١ / ٦٥).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٤) ، والدر المصون (٤ / ٣).

(٣) صدر بيت ، وعجزه : (يلوح كأنّه خلل). انظر البيت في : اللسان ، مادة : (وحش ، خلل) ، والصحاح (٣ / ١٠٢٥) ، والدر المصون (٥ / ٨٣).

قال ابن بري : البيت لكثيّر ، وصواب إنشاده : (لعزّة موحشا). ويروى : (لسلمى موحشا) ؛ كما في اللسان.

(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٨١) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢٢). وانظر : الماوردي (٢ / ٤٢١) ، وزاد المسير (٤ / ٥) ، ولباب النقول (ص : ١٢٨) ، وأسباب النزول للواحدي (ص : ٢٧٠). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٤٠) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

٦

ويروى أنهم قالوا : العجب أن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب ، فأنزل الله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ)(١) يعرفونه ويألفونه.

و «أن» في قوله : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) في محل النصب ب «أوحينا».

وقال الزمخشري (٢) : هي أن المفسرة ؛ لأن الإيحاء فيه معنى القول ، ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة ، وأصله : أنه أنذر الناس ، على معنى : أن الشأن قولنا : أنذر الناس.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : بشرهم بأن لهم سابقة وفضلا ومنزلة ورفعة عند ربهم.

فإن قلت : لم سمّيت السابقة قدما؟

قلت : لما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما ، كما سمّيت النعمة يدا ؛ لأنها تعطى باليد ، وإضافته إلى «صدق» دلالة على زيادة فضل ، وأنه من السوابق العظيمة.

وقال ابن الجوزي رحمه‌الله (٣) : العرب تجعل القدم كناية عن العمل [الذي](٤) يتقدم فيه ولا يقع فيه تأخير.

قال ذو الرمة :

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٣٨).

(٢) الكشاف (٢ / ٣١٣).

(٣) زاد المسير (٤ / ٦).

(٤) زيادة من زاد المسير ، الموضع السابق.

٧

لكم قدم لا ينكر النّاس أنّها

مع الحسب العادي طمّت على البحر (١)

وهذه الجملة المقولة في تفسير قوله : (قَدَمَ صِدْقٍ) إليها ترجع أقوال المفسرين وأهل المعاني وأرباب اللسان (٢).

قال الحسن : «قدم صدق» : هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشفع لهم يوم القيامة (٣).

وفي الكلام إضمار تقديره : فلما أنذر وبشر.

(قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا) يعنون : الذي جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الكتاب المعجز الدال على صحة ما دعا إليه (لَسِحْرٌ مُبِينٌ).

وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة : «لساحر» ، إشارة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ

__________________

(١) البيت لذي الرمة. انظر : ديوانه (ص : ٣٦١) ، والطبري (١١ / ٨٢) ، والقرطبي (٨ / ٣٠٦) ، وزاد المسير (٤ / ٦) ، والبحر المحيط (٥ / ١٢٧) ، والدر المصون (٤ / ٤) ، وروح المعاني (١١ / ٦٣).

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٨٢) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٤١) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٨٢) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢٤). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٤١) وعزاه لابن جرير وأبي الشيخ.

(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٣٥٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٢٧) ، والكشف (١ / ٤٢١) ، والنشر (٢ / ٢٥٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٦) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٢٢).

٨

كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤)

وما بعده سبق تفسيره (١) إلى قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي : يفضيه ويمضيه.

(ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) قال ابن السائب : ما من شفيع من الملائكة والنبيين إلا من بعد أمره في الشفاعة (٢).

(ذلِكُمُ) إشارة إلى الله الخالق الموصوف بالاستواء على العرش وتدبير الأمر ، هو (اللهُ رَبُّكُمْ) لا الأصنام التي لا تعقل ولا تقدر على شيء (فَاعْبُدُوهُ) وحّدوه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تذكرا ينبهكم من رقدة غفلتكم ويرشدكم إلى قبح ما سوّلت لكم أنفسكم وزيّنت لكم شياطينكم من عبادة أحجار تنحتونها بأيدكم ، وتماثلون بينها وبين ربكم العظيم الذي خلق ورزق ودبّر ، وقضى وقدّر.

ثم خوّفهم البعث فقال تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) «مرجعكم» : مبتدأ ، خبره : «إليه». «جميعا» حال من الكاف والميم ، (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) مصدران (٣).

قوله تعالى : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) استئناف خارج مخرج التعليل لما ذكره من الوعيد بالرجوع إليه ليجازيهم على الأعمال التي أسلفوها.

وقرأت لأبي جعفر : «حقا أنه» بفتح الهمزة ، على معنى : لأنه أو بأنه ، أو هو منصوب بالفعل الذي نصب «وعد الله» ، أي : وعد الله (٤).

قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل ، وهو

__________________

(١) عند تفسير الآية (٥٤) من سورة الأعراف.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٣٨) ، والماوردي (٢ / ٤٢٢) بلا نسبة.

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٤) ، والدر المصون (٤ / ٥).

(٤) النشر (٢ / ٢٨٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٧).

٩

متعلق ب «يجزي» ، على معنى : ليجزيهم بقسطه وعدله. ويجوز أن يكون المعنى : ليجزيهم بقسطهم وبما عدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا الصالحات.

ورجّح بعض المحققين هذا المعنى لمقابلة قوله : (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).

والحميم : الماء الحارّ (١).

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦)

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) وقرأ قنبل عن ابن كثير : «ضئاء» بهمزتين بينهما ألف في جميع القرآن (٢).

قال صاحب الكشاف (٣) : الياء في «ضياء» منقلبة عن واو ضوء ؛ لكسرة ما قبلها. وقرئ : «ضئاء» بهمزتين بينهما ألف على القلب ، بتقديم اللام على العين ، كما قيل في عاق : عقا ، والضياء أقوى من النور ، وقد ذكرته في أول البقرة.

والمعنى : جعل الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور.

(وَقَدَّرَهُ) أي : وقدّر القمر ، والمعنى : قدّر مسيره (مَنازِلَ) ، أو قدره ذا منازل؛

__________________

(١) انظر : اللسان ، مادة : حمم.

(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٣٥٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٢٨) ، والكشف (١ / ٥١٢) ، والنشر (١ / ٤٠٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٢٣).

(٣) الكشاف (٢ / ٣١٤).

١٠

كقوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩] وهي ثمانية وعشرون منزلا في كل شهر ، وهي النجوم التي كانت العرب تنسب إليها الأنواء.

قال ابن قتيبة (١) : وأسماؤها عندهم : الشّرطان (٢) ، والبطين ، والثّريّا ، والدّبران (٣) ، والهقعة ، والهنعة ، والذّراع ، والنّثرة ، والطّرف ، والجبهة ، والزّبرة (٤) ، والصّرفة ، والعوّاء ، والسّماك ، والغفر ، والزّبانى ، والإكليل ، والقلب ، والشّولة ، والنّعائم ، والبلدة ، وسعد الذّابح ، وسعد بلع ، وسعد السّعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدّلو المقدّم ، وفرغ الدّلو المؤخّر ، والرّشاء وهو الحوت (٥).

وقد جمع أسماءها شيخنا موفق الدين عبد الله بن أحمد رضي الله عنه وأرضاه نظما لنفسه فأنشدني :

فنطح وبطن والثّريّا ومجدح

وهقع وهنع والذّراع ونثره

وطرف [وجبهة](٦) والخراة وصرفة

وعوّاء يتلوها السماك وغفره

زبانا وإكليل وقلب وشولة

نعائم بلدات وسعد ونحره

وسعد وسعد ثم سعد وفرعه

وفرع وحوت ناضب عنه بحره

__________________

(١) تأويل مشكل القرآن (ص : ٣١٧).

(٢) الشرطان : وتسمّى أيضا : النّطح ، والناطح ؛ لأنها عند أصحاب الصور قرنا الحمل (صبح الأعشى ٢ / ١٧٣).

(٣) وتسمى أيضا : المجدح ، وتالي النجم ، وعين الثور (صبح الأعشى ٢ / ١٧٤).

(٤) وتسمى أيضا : الخراتان ، وعرف الأسد ، والزبرتين (صبح الأعشى ٢ / ١٧٦).

(٥) انظر : صبح الأعشى (٢ / ١٧٣ ـ ١٨١). وانظر أسماء المنازل في كتاب الأنواء لابن قتيبة من (ص : ١٦) ، واللسان ، مادة : (نوأ).

(٦) في الأصل : وجبة.

١١

(لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) يعني : حساب الأوقات والساعات والأيام والليالي والشهور.

(ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) الإشارة إلى الخلق المذكور ، ولم يرد الأعيان ، إذ لو أرادها لقال : «تلك» ، (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : إلا خلقا متلبسا بالحق ، الخالي عن العبث ، الجاري على وفق الحكمة والمصلحة.

نفصل (الْآياتِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص : «يفصّل» بالياء ، وقرأ الباقون بالنون (١).

والمعنى : يبيّن الآيات ويوضحها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فيدلّهم علمهم وعقلهم على صحة الاستدلال بالصنعة على الصانع ، وبالقدور على القادر.

قوله تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : في تعاقبهما ومجيئهما وذهابهما ، (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من عجائب مبتدعاته وغرائب مصنوعاته ، (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) الشرك والمعاصي ، فتبعثهم تقواهم على التفكر ، ويدعوهم الحذر إلى النظر.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨)

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) قال ابن عباس : لا يخافون البعث ؛

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٣٥٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٢٨) ، والكشف (١ / ٥١٣) ، والنشر (٢ / ٢٨٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٢٣).

١٢

لأنهم لا يؤمنون به (١).

فالرجاء هاهنا بمعنى : الخوف ؛ كقوله : (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣].

وقيل : المعنى : لا تأملون حسن لقائنا كما يأمله السعداء.

وقيل : المعنى : لا تخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف.

(وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) وآثروها على الآخرة ذهابا مع الأمل والغرور ، (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) يعني : آيات القرآن وما فيها من الحكم والأحكام.

وقيل : عن آياتنا المذكورة في هذه السورة من خلق السماء والأرض والشمس والقمر.

وقال ابن عباس : (عَنْ آياتِنا) : القرآن ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠)

قوله تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) أي : يسدّدهم ويرشدهم ويوفقهم للاستقامة على سلوك النجاة بسبب إيمانهم.

وقال مجاهد : جعل لهم نورا يمشون به (٣).

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٣٩) ، وزاد المسير (٤ / ١٠).

(٢) زاد المسير (٤ / ١٠).

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٨٩) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٢٩) ، ومجاهد (ص : ٢٩٢). وذكره السيوطي ـ

١٣

وقال مقاتل (١) : يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة.

(تَجْرِي مِنْ) تحتها (الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) بيان وتفسير لمفضى الهداية.

(دَعْواهُمْ فِيها) أي : دعواهم في جنات النعيم ، (سُبْحانَكَ اللهُمَ) قال ابن عباس : كلما اشتهى أهل الجنة شيئا قالوا : سبحانك اللهم ، فجاءهم ما يشتهون ، فإذا طعموا قالوا : الحمد لله رب العالمين ، فذلك قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢).

قال الزجاج (٣) : أعلم الله أنهم يبتدؤون بتعظيمه وتنزيهه ، ويختمون بشكره والثناء عليه.

وقال صاحب الكشاف (٤) : يجوز أن يراد بالدعاء هاهنا : العبادة ؛ كقوله : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [مريم : ٤٨] على معنى : أن لا تكليف في الجنة ولا عبادة ، وما عبادتهم إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه ، وذلك ليس بعبادة ، وإنما يلهمونه فينطقون به تلذذا بلا كلفة ؛ كقوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥].

قوله تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي : تحية بعضهم لبعض ، وتحية الله لهم ،

__________________

ـ في الدر (٤ / ٣٤٤) وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(١) تفسير مقاتل (٢ / ٨٢).

(٢) أخرج نحوه الطبري (١١ / ٨٩) عن ابن جريج. وانظر : الوسيط (٢ / ٥٣٩) ، وزاد المسير (٤ / ١٠). وذكر نحوه السيوطي الدر المنثور (٤ / ٣٤٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ عن ابن جريج.

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٨).

(٤) الكشاف (٢ / ٣١٦).

١٤

وتحية الملائكة إياهم : سلام.

والنون في قوله : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) هي المخففة من الثقيلة. وأصله : أنه الحمد ، على إضمار الشأن ، كقول الشاعر :

 ...........

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (١)

وقرأت على الشيخين أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري وأبي عمرو عثمان بن القاسم الياسري رحمهما‌الله تعالى ليعقوب [الحضرمي](٢) من رواية أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني عنه : «أنّ» [بالتشديد](٣) ، «الحمد» بالنصب (٤).

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١)

قوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) ... الآية قيل : إنها نزلت في النضر بن الحارث حين قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) ... الآية (٥) [الأنفال : ٣٢].

والمعنى : لو يعجل الله للناس العذاب والشر إذا دعوا به على أنفسهم وقت الغضب والضجر (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ).

__________________

(١) عجز بيت للأعشى ، وقد تقدم.

(٢) في الأصل : الحرمي.

(٣) في الأصل : بالتشدد.

(٤) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٧).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٤٠) ، وزاد المسير (٤ / ١١).

١٥

قال عامة المفسرين : لماتوا وهلكوا جميعا وفرغ من هلاكهم (١).

قال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وولده وماله بما يكره أن يستجاب له (٢).

وقال مجاهد : هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب : اللهم لا تبارك فيه ، والعنه (٣).

وحكى الماوردي (٤) أن المعنى : ولو يعجل الله للكافرين العذاب على كفرهم ، كما عجل لهم خير الدنيا من المال والولد ، لعجل لهم قضاء آجالهم ليتعجلوا عذاب الآخرة. ويقوي هذا تمام الآية ، وسبب نزولها.

وقرأ ابن عامر : «لقضى» بفتح القاف والضاد ، «أجلهم» بالنصب (٥).

(فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي : نمهلهم ونملي لهم ونمدهم بالنعم [إلزاما](٦) للحجة عليهم واستدراجا لهم. وقد سبق ذكر الطّغيان

__________________

(١) انظر : الطبري (١١ / ٩١) ، والوسيط (٢ / ٥٤٠).

(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٩٢) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٣٢). وانظر : الوسيط (٢ / ٥٤٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٤٦) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٩٢) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٣٢) ، ومجاهد (ص : ٢٩٢). وذكره البخاري تعليقا (٤ / ١٧٢١). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٤٦) وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) تفسير الماوردي (٢ / ٤٢٥).

(٥) الحجة للفارسي (٢ / ٣٥٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٢٨) ، والكشف (١ / ٥١٥) ، والنشر (٢ / ٢٨٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٢٣).

(٦) في الأصل : ألزما.

١٦

والعمه.

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢)

قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) الإنسان هاهنا : اسم جنس.

قال ابن عباس : هو الكافر إذا أصابه ما يكره من فقر أو مرض أو بلاء أو شدة أخلص في الدعاء ، مضطجعا كان أو قائما أو قاعدا (١).

فعلى هذا ؛ قوله : «لجنبه» وما عطف عليه ، أحوال من الضمير المرفوع في «دعانا». ويجوز أن يكون الحال من «الإنسان» (٢).

المعنى : وإذا مس الإنسان الضر في حال اضطجاعه أو قعوده أو قيامه دعانا ، فإن المضرورين على ضروب : منهم المضطجع وهو صاحب الفراش ، ومنهم القاعد ، ومنهم القادر على القيام ، وكلهم مفتقرون إلى استدفاع البلايا بالإخلاص والدعاء.

(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) أي : مضى مستمرا على طريقته الأولى مغرورا بالعافية ، ناسيا ضرره ، راكبا رأسه في طغيانه ، متّبعا هواه.

وقيل : «مرّ» هي موقف الضراعة والدعاء.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٤٠).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٥) ، والدر المصون (٤ / ١٢).

١٧

(كَأَنْ لَمْ) أي : كأنه لم يدعنا ، فخفّف وحذف ضمير الشأن ؛ كقول الخنساء :

كأن لم يكونوا حمى يتّقى

إذ النّاس إذ ذاك من عزّ بزّا (١)

وقول الآخر :

 ...........

كأن ثدياه حقّان (٢)

(كَذلِكَ) أي : كما زين للكافرين الابتهال والتضرع عند البلاء والإعراض عند الرخاء (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) وهم الطغاة (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الكفر والسيئات.

قال ابن عباس : نزلت في أبي حذيفة هاشم بن المغيرة المخزومي (٣).

وقال عطاء : في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة (٤).

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤)

__________________

(١) البيت للخنساء. انظر : ديوانها (ص : ٥٩) ، وزاد المسير (٢ / ٢٢٧ ، ٤ / ١٣).

(٢) عجز بيت ، وصدره : (ووجه مشرق النّحر). ويروى :

وصدر مشرق النحر

كأن ثدييه حقان

انظر البيت في : الكتاب لسيبويه (٢ / ١٣٥) ، والمحتسب (١ / ٩) ، واللسان ، مادة : (أنن) ، والطبري (١٢ / ١٢٥) ، وزاد المسير (٤ / ١٦٣) ، وتهذيب اللغة ، مادة : (أنن) ، والدر المصون (٢ / ٣٩٠ ، ٤ / ١٢) ، وروح المعاني (١١ / ٨٠).

(٣) زاد المسير (٤ / ١٢).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٤٠) ، وزاد المسير (٤ / ١٢).

١٨

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) «لما» ظرف ل «أهلكنا» (١).

والظلم هنا : الشرك.

والواو في : (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) واو الحال (٢). والبينات : المعجزات الظاهرة والبراهين الباهرة.

(وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) قال مقاتل (٣) : معناه : وما كان كفار مكة ليؤمنوا بنزول العذاب بهم في الدنيا.

وقال أبو سليمان الدمشقي : الضمير في قوله : (وَما كانُوا) يعود إلى القرون المهلكة (٤) ، وهو إما عطف على «ظلموا» ، أو اعتراض (٥). واللام في «ليؤمنوا» توكيد لنفي إيمانهم. يعني : وما كانوا يؤمنون حقا ، وإشعار أنهم يموتون على كفرهم.

قال ابن الأنباري (٦) : ألزمهم الله ترك الإيمان لمعاندتهم الحق ، وإيثارهم الباطل.

وقال الزجاج (٧) : جائز أن يكون جعل جزاءهم الطبع على قلوبهم ، وجائز أن

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٤ / ١٣).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٦) ، والدر المصون (٤ / ١٣).

(٣) تفسير مقاتل (٢ / ٨٥).

(٤) زاد المسير (٤ / ١٣).

(٥) انظر : التبيان (٢ / ٢٦) ، والدر المصون (٤ / ١٣).

(٦) انظر : زاد المسير (٤ / ١٣).

(٧) معاني الزجاج (٣ / ١٠).

١٩

يكون أعلم ما قد علم منهم. والدليل على أنه طبع على قلوبهم [جزاء](١) لهم قوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).

وقوله : «كذلك» معناه : مثل ذلك الجزاء الذي جوزي به المهلكون من القرون الماضية ، نجزي المجرمين المكذبين من هذه الأمة.

وفي هذه الآية تخويف شديد لأهل مكة.

قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) خطاب لهذه الأمة.

قال ابن عباس : جعلناكم يا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (خَلائِفَ)(٢).

قال قتادة : ما جعلنا الله خلائف إلا لينظر إلى أعمالنا ، فأروا الله تعالى من أعمالكم خيرا بالليل والنهار (٣).

(لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي : لنختبركم ونختبر أعمالكم. و «كيف» في محل النصب ب «تعملون» لا ب «ننظر» (٤) ؛ لتضمنه معنى الاستفهام المانع من تقدم عامله عليه في الكلام.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ

__________________

(١) في الأصل : جازاء. والتصويب من معاني الزجاج (٣ / ١٠).

(٢) زاد المسير (٤ / ١٣).

(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٩٤) ، وابن أبي حاتم (٦ / ١٩٣٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) انظر : الدر المصون (٤ / ١٣).

٢٠