رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

هلال (١) ، عن عبد الله بن عمرو قال : «أتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أقرئني سورة جامعة ، فأقرأه : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) حتى فرغ منها ، قال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أفلح الرويجل ، أفلح الرويجل» (٢).

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٨)

اعلم أن الزلزلة : الحركة الشديدة ، والمراد بها هاهنا : زلزلة تكون عند قيام الساعة.

قال مقاتل (٣) : تزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها ، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل وبناء وشجر ، ثم تتحرك وتضطرب فتخرج ما في جوفها.

وفي قراءة أبي حيوة والجحدري : " زلزالها" بفتح الزاي (٤) ، فالمكسور مصدر ،

__________________

(١) عيسى بن هلال الصدفي المصري ، صدوق (تهذيب الكمال ٢٣ / ٥٣ ـ ٥٦ ، والتقريب ص : ٤٤١).

(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ٥٧ ح ١٣٩٩) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ١٨٠ ح ١٠٥٥٢) ، وأحمد (٢ / ١٦٩ ح ٦٥٧٥) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٣٢٢).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٥٠٦).

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٢٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٥٤).

٧٠١

والمفتوح اسم.

والأثقال : جمع ثقل. والمعنى : أخرجت ما فيها من الدّفاين.

قال ابن عباس : أخرجت ما فيها من الموتى (١).

وقال عطية : كنوزها (٢).

(وَقالَ الْإِنْسانُ) لما خامره من هول تلك الزلزلة الشديدة مستعظما لها : (ما لَها) ، كما يقول يوم البعث : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) [يس : ٥٢].

وقيل : هذا قول الكافر ؛ لأنه لم يكن مؤمنا بالبعث.

(يَوْمَئِذٍ) بدل من" إذا" ، وناصبهما : (تُحَدِّثُ) ، ويجوز أن ينتصب" إذا" بمضمر (٣).

والمعنى : تحدث الخلق (أَخْبارَها).

أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل يوم كذا كذا وكذا» (٤).

والباء في قوله : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) تتعلق ب" تحدّث" ، أي : تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك وإلهامه إياها أن تحدث.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٦٦) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٩٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٩٢) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٥٤).

(٤) أخرجه الترمذي (٤ / ٦١٩ ح ٢٤٢٩).

٧٠٢

(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) أي : يرجعون عن موقف الحساب فرقا فرقا ، سعداء وأشقياء ، كل فرقة على حدة (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ).

قال ابن عباس : جزاء أعمالهم (١).

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي : فمن يعمل في الدنيا زنة ذرّة ، وهي أصغر النمل (خَيْراً يَرَهُ) في صحيفة عمله ، أو يرى ثوابه.

و" خيرا" و" شرا" تمييزان (٢).

قرأ الكسائي من رواية نصير عنه : " يره" بضم الياء فيهما (٣).

وقرأ هشام : " يره" بإسكان الهاء في الموضعين (٤).

وقرأ أبو جعفر ويعقوب بخلاف عنهما : بضم الهاء من غير إشباع (٥).

أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري ، قراءة عليه وأنا أسمع سنة تسع وستمائة ، أخبرنا عبد الكريم بن حمزة السلمي الحداد ، قراءة عليه وأنا أسمع ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني الحافظ قال : أخبرنا تمام بن محمد [بن](٦) عبد الله الرازي ، أخبرنا خيثمة بن سليمان إملاء ،

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٤٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٠٤).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٥٦).

(٣) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٤٩٨) ، والدر المصون (٦ / ٥٥٦).

(٤) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ١٣٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٦٩) ، والكشف (٢ / ٣٨٦) ، والنشر (١ / ٣١١) ، والإتحاف (ص : ٤٤٢) ، والسبعة (ص : ٦٩٤).

(٥) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٤٢).

(٦) زيادة من ب.

٧٠٣

حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أبي [مسرة](١) بمكة قال : حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا محمد بن زياد ، حدثنا ميمون بن مهران ، عن ابن عباس : «أن عائشة رضي الله عنها أتتها امرأة مشتملة على يمينها قد شلّت ، لا تنتفع بها ، فقالت لها عائشة : [ما لك](٢)؟ قالت : أخبرك بالعجب ، كان أبي معطاء كثير المعروف ، وكانت أمي امرأة ممسكة ، لا يكاد يخرج من يدها خير ، فمات أبي قبلها بزمان ، ثم ماتت هي بعد ، فعرج (٣) بروحي ، فخرجت فإذا أنا بأبي قائم على حوض يسقي من أقبل وأدبر ، فقلت : يا أبه ، هل جاءتكم أمي؟ قال : وقد قبضت؟ قلت : نعم ، قال : ما جاءتنا ، ولكن التمسيها في ذات الشمال ، قالت : فخرجت فإذا أنا بها قائمة عريانة ليس عليها إلا خريقة [وارت](٤) بها عورتها ، وفي (٥) يديها شحيمة تدلك بها راحتها ، كلما نديت لحستها ، وبين يديها نهر يجري ، وهي تنادي : وا عطشاه وا عطشاه ، فقلت لها : يا أماه ، ما لك؟ قالت : أي بنية ، دعيني فإني لم أقدّم لنفسي خيرا قط غير هذه الخرقة ، وهذه الشّحيمة ، فقلت لها : ما يمنعك من هذا الماء أن تشربي منه ، قالت : لا أترك وإياه ، فقلت لها : أفلا أسقيك؟ قالت (٦) : بلى ، فغرفت غرفة بيدي فسقيتها ، فنادى مناد من السماء : [شلّت](٧) يمين من سقاها ، فاستيقظت وأنا كما

__________________

(١) في الأصل : ميسرة. والتصويب من ب. وانظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (١٢ / ٦٣٢).

(٢) في الأصل : ما لي أراها كذا. والمثبت من ب ، والفوائد (٢ / ١٦٦).

(٣) في ب : فأعرج.

(٤) في الأصل : وارزة. والتصويب من ب ، والفوائد (٢ / ١٦٧).

(٥) في ب : في.

(٦) في ب : فقالت.

(٧) زيادة من ب ، والفوائد (٢ / ١٦٧).

٧٠٤

ترين ، فلما جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المسجد قصّت عليه القصة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (١).

قال الحسن رحمه‌الله : «قدم صعصعة عمّ الفرزدق على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما سمع : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قال : حسبي ما أبالي أن لا أسمع [من](٢) القرآن غير هذا» (٣).

وروى [أبو](٤) الزبير عن جابر رضي الله عنه قال : «قلت : يا رسول الله! إلى ما ينتهي الناس يوم القيامة؟ قال : إلى أعمالهم ، من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (٥).

قال الماوردي (٦) : وفي ذلك قولان :

أحدهما : أنه يلقى ذلك في الآخرة ، مؤمنا كان أو كافرا ؛ لأن الآخرة هي دار الجزاء.

والثاني : أنه إن كان مؤمنا رأى جزاء سيئاته في الدنيا ، وجزاء حسناته في الآخرة ، حتى يصير إليها وليس عليه سيئة.

__________________

(١) أخرجه تمام الرازي في الفوائد (٢ / ١٦٦ ـ ١٦٧). وأخرج نحوه الحاكم في المستدرك (٤ / ٥١٨ ح ٨٤٥٥).

(٢) زيادة من تفسير الثعلبي.

(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٥٩ ح ٢٠٦١٢) ، والثعلبي (١٠ / ٢٦٧).

(٤) زيادة على الأصل. وانظر : الوسيط (٤ / ٥٤٣).

(٥) أخرجه الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٤٣).

(٦) تفسير الماوردي (٦ / ٣٢١).

٧٠٥

قلت : والقول الأول هو الأصح ، وهو (١) أشبه بسياق السورة ودلالة اللفظ. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) قوله : " هو الأصح وهو" ساقط من ب.

٧٠٦

سورة العاديات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي إحدى عشرة آية (١). وهل هي مكية أو مدنية؟ فيه قولان.

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ)(١١)

قال مقاتل (٢) : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية إلى حيّين من كنانة ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري ، فأبطأ عنه خبرها ، فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تناجوا ، فيظن الرجل أنه قد قتل أخوه أو أبوه أو عمه ، فيجد من ذلك [أمرا عظيما](٣) ، فنزلت : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) ، فأخبر الله تعالى كيف فعل بهم.

قال ابن عباس وجمهور المفسرين واللغويين : هي الخيل في سبيل الله تعدو

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٨٤).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٥١٠).

(٣) زيادة من تفسير مقاتل ، الموضع السابق.

٧٠٧

فتضبح (١).

والضّبح : صوت أنفاسها إذا عدون ، ليس بصهيل ولا حمحمة (٢).

وعن ابن عباس أنه حكاه فقال (٣) : أح أح (٤).

وانتصاب" ضبحا" على : يضبحن ضبحا ، أو على الحال ، أي : ضابحات (٥).

ويروى عن علي وابن مسعود والسدي في آخرين : أنها الإبل في الحج (٦).

قال علي عليه‌السلام : والعاديات من عرفة إلى مزدلفة ، ومن مزدلفة إلى منى (٧).

قال الشعبي : تمارى علي وابن عباس في قوله : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) فقال ابن عباس : هي الخيل ، ألا تراه [يقول](٨) : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) فهل تثيره إلا بحوافرها ، وهل تضبح الإبل ، إنما تضبح الخيل؟ فقال علي : ليست كما قلت ، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد بن الأسود (٩).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧١ ـ ٢٧٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٠٠) وعزاه لابن مردويه عن ابن عباس.

(٢) انظر : اللسان (مادة : ضبح).

(٣) في ب : وقال.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٠١) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٥) انظر : التبيان (٢ / ٢٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٥٧).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٧).

(٧) انظر : التخريج بعد الآتي.

(٨) زيادة من ب.

(٩) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٠١) وعزاه لعبد بن حميد.

٧٠٨

وفي رواية أخرى : وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي.

وفي رواية أخرى : [فرس](١) للمقداد ، وفرس للزبير.

وقال بعضهم : من قال : هي الإبل؟ قال : ضبحا يعني : ضبعا تمد أعناقها في السير. وضبحت وضبعت بمعنى واحد. قالت صفية بنت عبد المطلب :

ألا والعاديات غداة جمع

بأيديها إذا سطع الغبار (٢)

قال صاحب الكشاف (٣) : إن صحت الرواية ـ [يعني](٤) : عن علي عليه‌السلام ـ فقد استعير الضبح للإبل ، [كما استعير](٥) المشافر والحافر للإنسان.

قال (٦) : وقيل : الضّبح لا يكون إلا للفرس والكلب والثعلب.

وقيل : الضّبح بمعنى الضبع ، يقال : ضبحت الإبل وضبعت ؛ إذا مدّت أضباعها في السير ، وليس بثبت (٧).

قوله تعالى : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) قال جمهور المفسرين واللغويين : هي الخيل إذا [جرت](٨) فأصابت بحوافرها الحجارة ، توري النار

__________________

(١) في الأصل : وفرس. والمثبت من ب.

(٢) البيت لصفية بنت عبد المطلب. وهو في : القرطبي (٢٠ / ١٥٥) ، والماوردي (٦ / ٣٢٣) ، والبحر (٨ / ٥٠٠) ، والدر المصون (٦ / ٥٥٨).

(٣) الكشاف (٤ / ٧٩٤).

(٤) زيادة من ب.

(٥) في الأصل : واستعير. والمثبت من ب ، والكشاف (٤ / ٧٩٤).

(٦) أي : الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٩٥).

(٧) الكشاف (٤ / ٧٩٥).

(٨) في الأصل : أجرت. والتصويب من ب.

٧٠٩

بقدحها (١). وتسمى تلك النار : نار الحباحب ، وهو شيخ من جاهلية مضر من أبخل الناس ، وكان لا يوقد نارا حتى ينام كل ذي عين ، فإذا ناموا أو قد نويرة تخمد مرّة وتلوح أخرى ، فإن استيقظ بها أحد أطفأها كراهية أن ينتفع بها أحد ، فشبّهت العرب هذه النار بناره ؛ لأنه لا ينتفع بها (٢).

وانتصب" قدحا" بما انتصب به" ضبحا" (٣).

وقال قتادة : هي الخيل تهيّج الحرب ونار العداوة بين أصحابها وفرسانها (٤).

وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير : هي نيران المجاهدين إذا أشعلت وأكثرت إرهابا (٥).

وقال عكرمة : هي الألسنة (٦) ، أظهرت بها الحجج ، وأقيمت بها الدلائل ، وأوضح بها الحق (٧).

وقال محمد بن كعب [القرظي](٨) : هي نيران الحجيج (٩).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٠٠ ، ٦٠٢) وعزاه لابن مردويه عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن قتادة.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٥١٠).

(٣) انظر : الدر المصون (٦ / ٥٥٨).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٤).

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٠٨).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٤).

(٧) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٠٨).

(٨) زيادة من ب.

(٩) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٠٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٦٠٣) وعزاه لعبد بن حميد.

٧١٠

قوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) وهي الخيل ، تغير على العدو عند الصباح.

وقال علي وابن مسعود رضي الله عنهما : هي الإبل حين تغدو صبحا من مزدلفة إلى منى (١).

والإغارة : سرعة السير ، ومنه : أشرق ثبير كيما نغير.

(فَأَثَرْنَ بِهِ) وقرأ أبو حيوة : " فأثّرن" بتشديد الثاء ، من التأثير (٢).

" به" أي : بعدوهنّ ، ودلّ عليه : " والعاديات" ، أو بمكان عدوهن. وفي الكلام دليل عليه.

(نَقْعاً) أي : غبارا ، ومنه الحديث : «أن جبريل أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق وعلى ثناياه النّقع» (٣).

(فَوَسَطْنَ بِهِ) وقرأ قتادة : " فوسّطن" بتشديد السين (٤) ، تقول : وسطت المكان ووسّطته ـ بالتشديد ـ ، وتوسّطته ؛ إذا صرت في وسطه (٥).

وقوله : (جَمْعاً) يحتمل وجهين من الإعراب :

أحدهما : أن يكون مفعولا ، على معنى : فوسطن بعدوهنّ ، أو بمكان عدوهنّ جمعا من جموع الأعداء ، أو فوسطن بعدوهنّ جمعا ، يعني : مزدلفة. وهو قول ابن مسعود (٦).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٧). وذكره الماوردي (٦ / ٣٢٤).

(٢) انظر هذه القراءة في : الدر المصون (٦ / ٥٥٩).

(٣) ذكره السيوطي في الدر (٤ / ٧٤) عن حيان بن واسع بن حيان عن أشياخ من قومه.

(٤) انظر هذه القراءة في : الدر المصون (٦ / ٥٦٠).

(٥) انظر : اللسان (مادة : وسط).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٧).

٧١١

الثاني : أن يكون حالا ، على معنى : فوسطن به جميعا (١).

وقال صاحب الكشاف (٢) : " فأثرن به نقعا" أي : فهيّجن بذلك الوقت غبارا ، فوسطن بذلك الوقت ، أو بالنقع ، [أي : وسطن](٣) النقع الجمع. أو فوسطن متلبسات به جمعا من جموع الأعداء.

ويجوز أن يراد بالنقع : الصياح ، كقوله عليه‌السلام : «ما لم يكن نقع ولا (٤) لقلقة» (٥). أي : فهيجن في [المغار](٦) عليهم صياحا وجلبة.

قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا جواب القسم. والإنسان : اسم جنس.

وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة (٧).

وفي الحديث [عن](٨) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الكنود : الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويضرب عبده» (٩).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٦٠).

(٢) الكشاف (٤ / ٧٩٤).

(٣) في الأصل : أوسطن. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٤) في ب : أو.

(٥) ذكره البخاري معلقا (١ / ٤٣٤) عن عمر موقوفا.

(٦) في الأصل : الغبار. والمثبت من ب ، والكشاف (٤ / ٧٩٤).

(٧) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٠٩).

(٨) في الأصل : أن. والتصويب من ب.

(٩) أخرجه الطبراني في الكبير (٨ / ٢٤٥ ح ٧٩٥٨) ، والطبري (٣٠ / ٢٧٨) كلاهما من حديث أبي أمامة.

٧١٢

وقال ابن عباس : هو الكفور الجحود (١). يقال : كند النعمة كنودا ؛ إذا كفرها (٢).

وقال الحسن وابن سيرين : لوّام لربه ، يعدّ المصائب وينسى النعم (٣).

وقيل : هو البخيل ، في لغة بني مالك (٤).

ومن عجيب ما سمعت بإسناد لا يحضرني الآن : أن بعض الأعراب أرسل ابنا له ، حين سمع بمبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع ما يقول ، فجاء والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) فرجع إلى أبيه فقال : ما سمعته يقول يا بني؟ فقال : سمعته يقسم على ربه بخيل تضبح خواصرها ، فتقدح الحصا [بسنابكها](٥) ، فتغير على الأحياء غلسا ، فتثير قسطل القتام ، فتتوسط بالفارس الجمع ، وغضون القصة : إن الإنسان لربه لمعاند ، فقال : هذا الكلام بعينه يا بني ، قال : بل معناه.

قوله تعالى : (وَإِنَّهُ) يعني : الإنسان (٦). وقيل : الله عزوجل (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٧).

(٢) انظر : اللسان (مادة : كند).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٨) ، والبيهقي في الشعب (٤ / ١٥٣ ح ٤٦٢٩) كلهم عن الحسن. وذكره السيوطي (٨ / ٦٠٣) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعبه عن الحسن.

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٥).

(٥) في الأصل : بسنكائكها. والتصويب من ب.

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢١٠) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٦٠٤) وعزاه لابن المنذر.

(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٥٤٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢١٠).

٧١٣

(عَلى ذلِكَ) إشارة إلى كنود الإنسان (لَشَهِيدٌ). والقولان عن ابن عباس.

فإن قلنا : تعود الكناية إلى الله ـ وهو قول أكثر المفسرين ـ ؛ فهو تهديد.

وإن قلنا : تعود إلى الإنسان ـ وهو قول ابن كيسان ، وهو أجود في نظري ؛ لما فيه من اتحاد الضمائر وانتظامها في سمط واحد ـ ، فشهادته على ذلك : ظهور أثره عليه ، وعلمه من نفسه صحة ما نسب إليه.

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ) وهو المال. والمعنى : لأجل حبّ المال.

(لَشَدِيدٌ) بخيل ، ممسك. يقال : فلان شديد ومتشدّد ؛ إذا كان بخيلا ممسكا (١). وأنشدوا قول طرفة :

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المتشدّد (٢)

وقيل : [وإنه](٣) لحب المال لشديد قوي مطيق ، وهو في شكر نعمة الله ضعيف.

وقال الفراء (٤) : كان موضع الحب : أن يكون بعد" لشديد" ، وأن يضاف شديد إليه ، فيقال : وإنه لشديد الحب للخير ، فلمّا تقدّم" الحبّ" قبل" شديد" حذف من آخره ؛ لما جرى ذكره في أوله ، ولرؤوس الآيات.

(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ) أي : أثير وأخرج (ما فِي الْقُبُورِ).

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : شدد).

(٢) البيت لطرفة بن العبد ، انظر : ديوانه (ص : ٣٤) ، واللسان (مادة : شدد ، فحش ، عيم) ، وتاج العروس (مادة : شدد ، عقل) ، والعين (٢ / ٢٦٩) ، والبحر المحيط (٨ / ٥٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٦١).

(٣) في الأصل : إنه. والمثبت من ب.

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٨٦).

٧١٤

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أبرز ما فيها من الخير والشر ، كأنه حين أبرز وأظهر صار حاصلا موجودا.

وقيل : ميّز بين خيره وشره.

وأصل التحصيل : التمييز ، ومنه حصّلت الدراهم ؛ إذا ميّزتها من زيوفها (١).

قال لبيد :

وكلّ امرئ يوما سيعلم أمره

إذا كشفت عند الإله الحصائل (٢)

ومنه قيل للمنخل : المحصل.

وفي قوله : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) إيذان بإحاطة علمه بمقادير أعمالهم وجزائهم. والله أعلم.

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : حصل).

(٢) البيت للبيد ، وهو في : اللسان وتاج العروس (مادة : حصل) ، والعين (٣ / ١١٦) ، والمستطرف (١ / ١٦) مع اختلاف في بعض الكلمات. وفي ب : الخصائل.

٧١٥

سورة القارعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي عشر آيات في المدني ، وإحدى عشرة في الكوفي (١). [وهي مكية](٢) بإجماعهم.

(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ)(١١)

والقارعة : القيامة ، سميت بذلك ؛ لأنها تقرع القلوب.

والعامل في قوله : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) مضمر دل عليه" القارعة" ، أي : تقرع يوم يكون الناس (كَالْفَراشِ) ، وهو ما تراه يتهافت في النار ، و (الْمَبْثُوثِ) المتفرّق.

وقال الكلبي : الذي يجول بعضه في بعض (٣).

شبّه سبحانه وتعالى الناس في كثرتهم وانتشارهم وضعفهم وذلتهم وتطايرهم

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٨٥).

(٢) في الأصل : ومكية. والمثبت من ب.

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ٣٢٨).

٧١٦

إلى الداعي من كل مكان بالفراش المبثوث.

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) وهو الصوف المصبوغ المندوف.

وقد فسرناه في سأل سائل (١).

وقد سبق ذكر الموازين في أول الأعراف (٢).

قوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أي : فمسكنه جهنم.

وقيل لمسكنه : " أمّه" ؛ لأن أصل السكون إلى الأم.

والهاوية : من أسماء جهنم ، وهي المهواة لا يدرك قعرها.

ويدل على صحة هذا المعنى : ما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين ، فيقول له : ما فعل فلان؟ فإذا قال : مات ، قالوا : ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم [وبئست](٣) المربيّة» (٤). وهذا المعنى قول ابن زيد ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج (٥).

وقال عكرمة : أراد : أمّ رأسه ، يهوي عليها في نار جهنم (٦).

قال قتادة : هي كلمة عربية ، كان الرجل منهم إذا وقع في أمر شديد قالوا : هوت أمّه (٧) ، وأنشدوا :

__________________

(١) عند الآية رقم : ٩.

(٢) عند الآية رقم : ٨.

(٣) زيادة من الحاكم.

(٤) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٨١ ح ٣٩٦٨).

(٥) انظر : معاني الفراء (٣ / ٢٨٧) ، ومعاني الزجاج (٥ / ٣٥٦).

(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٥٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٠٦) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٧) ذكره السيوطي في الدر (٨ / ٦٠٦) وعزاه لابن المنذر.

٧١٧

هوت أمّه ما يبعث الصّبح غاديا

[وما ذا يردّ الليل](١) حين يؤوب (٢)

(وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) يعني : الهاوية.

وعلى قول عكرمة : يريد : الداهية ، التي دلّ عليها قوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ). ثم فسرها فقال : (نارٌ) أي : هي نار (حامِيَةٌ).

قرأ حمزة : " ما هي" بغير هاء في الوصل ، وقرأ الباقون : بالهاء في الحالين (٣).

قال الزجاج (٤) : الوقف : " هيه" ، والوصل" هي نار" ؛ لأن الهاء دخلت في الوقف تبين فتحة الياء (٥) ، والذي يجب اتباع المصحف فيوقف عليها ولا توصل ؛ لأن السنة اتباع المصحف ، والهاء ثابتة فيه. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) في الأصل : وما يرد إذا لليل. والتصويبمن ب ، ومصادر البيت.

(٢) البيت لكعب بن سعد الغنوي ، من قصيدة له يرثي أخاه أبا المغوار الباهلي. وهو في : جمهرة الأمثال (٢ / ٣٥٤) ، ومجمع الأمثال (٢ / ٣٩٠) ، واللسان (مادة : هبل ، أمم ، هوا) ، والقرطبي (٢٠ / ١٦٧) ، والبحر المحيط (٨ / ٥٠٤) ، والدر المصون (٦ / ٥٦٤).

وقوله : ما يبعث الصبح غاديا ، يريد من ذكراه والحزن عليه ، لأنه وقت الغارات وحمايتهم من العاديات.

وقوله : وما ذا يرد الليل يعني من ذكراه أيضا لأنه وقت الضيفان وطروقهم للقرى (فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ، ص : ٨٤).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ١٣٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٧٠) ، والكشف (٢ / ٣٨٦) ، والنشر (٢ / ١٤٢) ، والإتحاف (ص : ٤٤٣) ، والسبعة (ص : ٦٩٥).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٣٥٦).

(٥) يريد : حيث دخلت هاء السكت وهي ساكنة فتحت الياء ، إذا لم تعد الياء آخر الكلمة (هامش معاني الزجاج ٥ / ٣٥٦ حاشية ١).

٧١٨

سورة التكاثر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثماني آيات (١). وهي مكية بإجماعهم.

والسبب في نزولها على ما ذكره [ابن السائب](٢) ومقاتل (٣) : أن حيّين من قريش ؛ بني عبد مناف ، وبني سهم ، جرى بينهما لحاء ، فقال هؤلاء : نحن أكثر سيدا وأعز نفرا ، وقال أولئك مثل ذلك (٤) ، فتعادّوا السادة والأشراف أيهم أكثر ، فكثرتهم بنو عبد مناف [بالأحياء](٥) ، ثم قالوا : نعدّ موتانا ، فزاروا القبور ، فعدّوا موتاهم فكثرتهم بنو سهم ؛ لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية ، فنزلت هذه السورة (٦).

وقال قتادة : نزلت في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، فألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلّالا (٧).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٨٦).

(٢) في الأصل : ابن أبي السائب. والمثبت من ب.

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٥١٥).

(٤) في ب : هذا.

(٥) زيادة من تفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ٣٣١) ، والواحدي في أسباب النزول (ص : ٤٩٠).

(٧) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٨٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٦٠). وذكره الواحدي في أسباب النزول (ص : ٤٩٠) ، والسيوطي في الدر المنثور (٨ / ٦١٠).

٧١٩

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(٨)

قال الله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وابن عباس والشعبي : [" أألهاكم"](١) بهمزتين مقصورتين ، على الاستفهام ، بمعنى الإنكار والتوبيخ (٢).

والمعنى : شغلكم التفاخر بكثرة الرجال الأشراف ، ويدخل في ذلك : التكاثر بالأموال والأولاد.

(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) فعدّدتم من فيها من أشرافكم.

وقيل : المعنى : حتى أدرككم الموت على تلك الحال.

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن الشخير أنه قال : «انتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، ومالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت؟» (٣).

قوله تعالى : (كَلَّا) ردعّ لهم ولكل عاقل عن أن يجعل ذلك وما أشبهه من أمور الدنيا الحائلة الزائلة أكبر همّه ومبلغ علمه.

ثم توعدهم فقال : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ).

__________________

(١) في الأصل : ألهاكم. والتصويب من ب.

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٢١٩) ، والبحر المحيط (٨ / ٥٠٦).

(٣) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٣ ح ٢٩٥٨). ولم أقف عليه في صحيح البخاري.

٧٢٠