رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

وقيل : موضوعة على حافات العيون.

(وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) أي : وسائد ومساند قد صفّ بعضها إلى بعض ، أينما أراد أن يجلس جلس على مسورة ، واستند إلى أخرى.

وواحدة النمارق : " نمرقة" بضم النون والراء.

وسمع الفراء من بعض العرب : " نمرقة" بكسرهما (١).

(وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) أي : مبسوطة ومفرّقة في المجالس.

والزرابي : الطّنافس ذوات الخمل الرقيق ، الواحدة : زربيّة (٢).

قال المفسرون : لما نعت الله ما في الجنة عجب كفار قريش من ذلك ، فذكّرهم من عجائب مخلوقاته مما يشاهدونه ، أو هو حاضر عندهم ، عتيد لديهم ، ليعتبروا الغائب بالشاهد ، فقال تعالى :

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٢٦)

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) قال قتادة : ذكر الله ارتفاع سرر الجنة

__________________

(١) انظر : معاني الفراء (٣ / ٢٥٨).

(٢) انظر : اللسان (مادة : زرب).

٦٠١

فقالوا : كيف نصعدها؟ فنزلت : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(١).

قال سعيد بن جبير : لقيت شريحا القاضي فقلت : أين تريد؟ فقال : أريد الكناسة ، قلت : وما تصنع بها؟ قال : أنظر إلى الإبل كيف خلقت (٢).

والمعنى : كيف خلقت خلقا عجيبا عظيما.

قال أبو عمرو ابن العلاء : إنما خصّ الإبل ؛ لأنها من ذوات الأربع ، تبرك فتحمل عليها الحمولة ، وغيرها من ذوات الأربع لا يحمل عليها إلا وهي قائمة (٣).

قال الزجاج (٤) : نبّههم على عظيم من خلقه قد ذلّله [للصغير](٥) يقوده وينيخه وينهضه ، ويحمّل الثقيل من الحمل وهو بارك فينهض به.

وقيل للحسن : الفيل أعظم في الأعجوبة ، فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل ، ثم هو خنزير ، لا يركب ظهره ، ولا يؤكل لحمه ، ولا يحلب درّه ، والإبل من أعز مال العرب وأنفسه ، تأكل النوى والقت ، وتخرج اللبن ، ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها (٦).

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ٢٦٢) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٩).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٦). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٨ / ٤٩٥) وعزاه لعبد بن حميد عن شريح.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٦).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٣١٨).

(٥) في الأصل : لصغير. والمثبت من ب.

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٦).

٦٠٢

قال الثعلبي والواحدي (١) : ويحكى أن فأرة أخذت بزمام ناقة ، فجعلت تجرّها وهي تتبعها ، حتى دخلت في (٢) الجحر ، فجرّت الزمام فبركت ، فقرّبت فمها من جحر الفأرة. وقد قررنا هذا المعنى في آخر يس.

وقرأ ابن عباس ، وأبو عمران ، والأصمعي عن أبي عمرو : " الإبل" بإسكان الباء (٣).

وقرأ أبي بن كعب ، وعائشة ، وأبو المتوكل ، والجحدري ، وابن السميفع ، وهارون عن أبي عمرو : بكسر الباء وتشديد اللام (٤).

قال أبو عمرو : الإبلّ ـ بتشديد اللام ـ : السحاب الذي يحمل الماء (٥).

قال الثعلبي (٦) : لم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة.

قال الزمخشري (٧) : لم يدّع من زعم أن الإبلّ السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة ، ولعله لم يرد أن الإبلّ من أسماء السحاب ، كالغمام والمزن ، وإنما رأى السحاب مشبها بالإبل [كثيرا في أشعارهم](٨) ، فجوّز أن يراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز.

__________________

(١) تفسير الثعلبي (١٠ / ١٨٩) ، والوسيط للواحدي (٤ / ٤٧٦).

(٢) قوله : " في" سقط من ب.

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٩٩) ، والبحر المحيط (٨ / ٤٥٩).

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير ، الموضع السابق.

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٩).

(٦) تفسير الثعلبي (١٠ / ١٩٠). وذكره القرطبي في تفسيره (٢٠ / ٣٥).

(٧) الكشاف (٤ / ٧٤٧).

(٨) في الأصل : في أشعارهم كثيرا. والمثبت من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

٦٠٣

وقرأ جماعة ، منهم : أبو العالية ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة : " خلقت" بفتح الخاء واللام وسكون القاف وضم التاء (١). وكذلك" رفعت" و" نصبت" و" سطحت".

قال أنس بن مالك : صليت خلف علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقرأ : " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" (٢).

وكذلك : " رفعت" و" نصبت" و" سطحت" يعني : على البناء للفاعل وتاء الضمير. والتقدير : خلقتها ورفعتها ونصبتها وسطحتها ، فحذف المفعول.

قوله تعالى : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) أي : رفعت (٣) بغير علاقة ولا دعامة.

(وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) نصبا رصينا متينا ، فهي شامخة راسخة ، لا تميد ولا تحيد.

(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) سطحا وثيرا ، تتأتّى معه إثارتها لاستثمار الزرع والأشجار ، وعمارتها للسكن والقرار.

قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) أي : عظ إنما أنت واعظ ، وهو كقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨].

والمفسرون يقولون : هي منسوخة بآية القتال (٤).

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٩٩) ، والدر المصون (٦ / ٥١٤).

(٢) ذكره القرطبي (٢٠ / ٣٦).

(٣) قوله : أي رفعت. ساقط من ب.

(٤) انظر دعوى النسخ في : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٩٧) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٦٥) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٥٠٧).

٦٠٤

(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أي : بمسلّط. وقد سبق تفسيره في الطور عند قوله : (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [الطور : ٣٧].

قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) استثناء منقطع ، معناه : لكن من تولى وكفر بعد التذكرة (١) (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ).

وقرأ ابن عباس ، وعمرو بن العاص ، وأنس ، وقتادة ، وسعيد بن جبير : " ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام ، على التنبيه (٢).

والمعنى : فيعذبه الله في الآخرة (الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) ، وهو عذاب جهنم ، بعد العذاب الأصغر ، وهو ما ابتلاهم به من الجوع والقتل والذل.

(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) رجوعهم ومصيرهم بعد الموت.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) يعني : جزاءهم.

وقرأ أبي بن كعب ، وعائشة ، وأبو عبد الرحمن ، وأبو جعفر المدني : " إيّابهم" بتشديد الياء (٣).

قال الزمخشري (٤) : وجهه أن يكون" فيعالا" مصدر" أيّب" فيعل من الإياب ، أو يكون أصله : " إوّابا" فعّالا من" أوّب".

ثم قيل : إيوابا ؛ كديوان في دوّان (٥) ، ثم فعل به ما فعل بأصل : سيّد.

__________________

(١) في ب : التذكير.

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ١٠٠) ، والبحر المحيط (٨ / ٤٦٠).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ١٠١) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٣٨).

(٤) الكشاف (٤ / ٧٤٧ ـ ٧٤٨).

(٥) قوله : " في دوان" ساقط من ب.

٦٠٥

فإن قلت : ما معنى تقديم الظرف؟

قلت : معناه التشديد في الوعيد ، وأن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام ، وأن حسابهم [ليس](١) إلا على الذي يحاسب على النقير والقطمير. والله أعلم.

__________________

(١) زيادة من ب ، والكشاف (٤ / ٧٤٨).

٦٠٦

سورة الفجر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثلاثون آية في العدد الكوفي ، واثنتان وثلاثون في المدني (١). وهي مكية بإجماعهم.

(وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)(١٤)

قال الله تعالى : (وَالْفَجْرِ) قال ابن فارس (٢) : الفجر : انفجار الظّلمة عن الصّبح ، وانفجر الماء : [تفتّح](٣).

والظاهر أن القسم به ، كما أقسم بالصبح في قوله : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)(٤) [المدثر : ٣٤].

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٧٣).

(٢) معجم مقاييس اللغة (٤ / ٤٧٥).

(٣) في الأصل وب : انفتح. والتصويب من معجم مقاييس اللغة ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) ، والمثبت من ب.

٦٠٧

وقال عطية : فيه إضمار ، تقديره : وصلاة الفجر (١).

والأول أصح.

قال ابن عباس : هو انفجار الصبح كل يوم (٢).

وقال مجاهد : يوم النحر (٣).

وقال قتادة : هو أول يوم من المحرم ، تنفجر منه السنة (٤).

وقال الضحاك : فجر ذي الحجة (٥) ، لقوله : (وَلَيالٍ عَشْرٍ) يريد : عشر ذي الحجة ، في قول جمهور المفسرين.

وروى أبو ظبيان عن ابن عباس : أنه العشر الآخر من رمضان (٦).

وقال يمان : عشر المحرم (٧).

فإن قيل : لم نكّر الليالي العشر؟

قلت : لموضع اختصاصها بزيادة الفضيلة.

قوله تعالى : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قرأ حمزة والكسائي : " والوتر" بكسر الواو ،

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٣).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٣).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٣). وذكره الماوردي (٦ / ٢٦٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٣) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٩٨) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٣).

(٥) مثل السابق.

(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٣). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٤) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٠٢) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٤).

٦٠٨

وفتحها الباقون (١). وهما لغتان.

وللمفسرين في الشفع والوتر عشرون قولا ، وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك أيضا روايات : منها : ما أخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال : هي الصلاة ، بعضها شفع وبعضها وتر» (٢) ، وهو اختيار قتادة (٣).

وروى أبو أيوب الأنصاري : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن قوله : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) فقال : الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى ، والوتر ليلة النحر» (٤).

وروى جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفة» (٥).

ويقع لي والله أعلم في هذا الحديث : أن يوم النحر سمي شفعا ؛ لأنه يشفع بليلة النحر ، فهي مماثلة له في الفضيلة. وهذا قول عكرمة والضحاك.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ١١٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٦١) ، والكشف (٢ / ٣٧٢) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٨) ، والسبعة (ص : ٦٨٣).

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٤٠ ح ٣٣٤٢).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧٢). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٥) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٠٢) وعزاه لعبد بن حميد.

(٤) أخرجه الطبراني في الكبير (٤ / ١٨٠ ح ٤٠٧٣). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٤) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٠٣) وعزاه للطبراني وابن مردويه بسند ضعيف.

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢٦٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٤).

٦٠٩

وقال أبو صالح : الشفع : الخلق كله ، والوتر : الله عزوجل (١).

وقيل : الوتر : آدم شفع بزوجته حواء (٢). وهذه الأقوال [الثلاثة](٣) مروية عن ابن عباس.

وقال ابن زيد : الشفع والوتر : الخلق كله ، منه شفع ومنه وتر (٤).

وقيل غير ذلك ، مما لا طائل في حكايته.

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) أثبت الياء في الحالين : ابن كثير ، ووافقه في الوصل : نافع وأبو عمرو ، وحذفها الباقون في الحالين اكتفاء بالكسرة (٥). وهي اختيار الزجاج (٦) ؛ لأنها فواصل ، والفواصل تحذف منها الياءات ، وتدل عليها الكسرات.

والمعنى : إذا يسري ذاهبا مدبرا ، كقوله : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [المدثر : ٣٣] ، وقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) [التكوير : ١٧].

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧١). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٠٣) وعزاه لعبد بن حميد.

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٦).

(٣) في الأصل : اليلة. والتصويب من ب.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧١) عن مجاهد. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٦) عن ابن زيد.

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ١١٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٦١) ، والكشف (٢ / ٣٧٤) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٨) ، والسبعة (ص : ٦٨٣).

(٦) انظر : معاني الزجاج (٥ / ٣٢١).

٦١٠

وقال قتادة : إذا يسري مقبلا (١).

والأول أصح ، وعليه جمهور المفسرين ، وهو اختيار الزجاج (٢).

قوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أي : هل فيما أقسمت به قسم لذي عقل. وسمي العقل حجرا ؛ لأنه يحجر صاحبه عن الوقوع في المهالك وفيما لا ينبغي.

والاستفهام بمعنى التقرير.

قال الزمخشري (٣) : والمقسم عليه محذوف ، وهو" لتعذبن" ، يدل عليه قوله : (أَلَمْ تَرَ) [إلى قوله](٤) : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ).

وقال غيره : جواب القسم : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ، وما بين القسم وجوابه اعتراض.

قال (٥) : وقيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح : عاد ، كما قيل لبني هاشم : هاشم. ثم قيل للأولين منهم : عاد الأولى وإرم ؛ تسمية لهم باسم جدهم ، ولمن بعدهم : عاد الأخيرة. قال ابن الرقيات :

مجدا تليدا بناه أوّله

أدرك عادا وقبلها إرما (٦)

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٨).

(٢) انظر : معاني الزجاج (٥ / ٣٢١).

(٣) الكشاف (٤ / ٧٥٠).

(٤) زيادة من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٥) أي : الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٥٠).

(٦) البيت لابن قيس الرقيات. انظر : ديوانه (ص : ١٥٥) ، والدر المصون (٦ / ٥١٩) ، والروض المعطار (١ / ٢٢).

٦١١

فإرم في قوله : (بِعادٍ إِرَمَ) عطف بيان ل" عاد" ، وإيذان بأنهم [عاد](١) الأولى القديمة.

وقيل : (إِرَمَ) بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها. ويدل عليه قراءة ابن الزبير : " بعاد إرم" على الإضافة ، وتقديره : بعاد أهل إرم ، كما في قوله (٢) : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث.

وقرأ الحسن : " بعاد [إرم" ، مفتوحتين](٣).

وقرئ : " بعاد [إرم](٤) " بسكون الراء على التخفيف ، كما قرئ : " بورقكم" [الكهف : ١٩]. هذا آخر كلامه.

فإن قلنا : أن إرم تسمية لعاد باسم جدهم ، على ما قاله ابن إسحاق وقتادة ومقاتل (٥) ، وأنه عطف بيان ، كان قوله : (ذاتِ الْعِمادِ) وصفا لهم بالطول المفرط ، ومنه قولهم : رجل معمّد وعمدان ؛ إذا كان طويلا (٦).

قال الكلبي : طول الرجل منهم أربعمائة ذراع (٧).

__________________

(١) في الأصل : عادا. والمثبت من ب ، والكشاف (٤ / ٧٥٠).

(٢) في ب : كقوله.

(٣) في الأصل : وأرم مفتوحين. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٧٥٠). وانظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٣٨).

(٤) في الأصل : وإرم. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧٥ ـ ١٧٦). وذكره مقاتل في تفسيره (٣ / ٤٨١) ، والماوردي (٦ / ٢٦٨) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٤٨١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١١).

(٦) انظر : اللسان (مادة : عمد).

(٧) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٥١) بلا نسبة.

٦١٢

وقال ابن عباس : يعني : طولهم مثل العماد (١).

وقيل : كانوا أهل عمد. وكأن معنى قوله : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها) مثل تلك القبيلة في الطول والقوة (فِي الْبِلادِ) ، وهذا معنى قول الحسن ، وهم الذين قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)(٢) [فصلت : ١٥].

وإن قلنا : إن إرم اسم بلدتهم ـ وهو قول كثير من المفسرين ـ كان قوله : (ذاتِ الْعِمادِ) صفة لبلدتهم ، على معنى : ذات الأساطين ، أو ذات البناء الرفيع.

وقد اختلفوا فيها ؛ فقال سعيد بن المسيب وعكرمة وغيرهما : هي دمشق (٣).

وقال محمد بن كعب : الإسكندرية (٤).

وقيل : هي المدينة التي بناها شداد بن عاد (٥).

وكان من حديثها : على ما أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد المقرئ في كتابه

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٠٥) وعزاه لابن جرير.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٨١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١٢).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٦) عن عكرمة. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٠٩) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٥٠٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة. ومن طريق آخر عن سعيد بن المسيب ، وعزاه لابن عساكر.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٠٦) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٥) ذكره ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١٠).

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (٤ / ٥٠٨ ، ٥٠٩) : ومن زعم أن المراد بقوله : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) مدينة ، إما دمشق ؛ كما روي عن سعيد بن المسيب وعكرمة ، أو اسكندرية ؛ كما روي عن القرظي ، أو غيرهما ، ففيه نظر ... إلى أن قال : وإنما نبّهت على ذلك لئلا يغترّ بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية ، من ذكر مدينة يقال لها : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) مبنية بلبن الذهب والفضة ... إلخ.

٦١٣

قال : أخبرنا جدي لأمي أبو [محمد](١) العباس بن محمد بن العباس المعروف بعبّاسة ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن سعيد بن فرخزادا ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعالبي ، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسر ، أخبرنا محمد بن عبد الله الصفار الهمذاني قال : أخبرنا [أحمد](٢) بن مهدي الأصفهاني ، حدثنا عبد الله بن صالح المصري ، حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن وهب بن منبه ، عن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له شردت ، فبينا هو في صحاري عدن ، إذ هو قد وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن ، وحول الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال ، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله ، فلم ير خارجا ولا داخلا ، فنزل عن دابته وعقلها ، وسلّ سيفه ودخل باب الحصن ، فلما خلّف الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم منهما ، والبابان مرصعان بالياقوت الأبيض والأحمر ، فلما رأى ذلك دهش وأعجبه ، ففتح أحد البابين فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها ، وإذا قصور كل قصر منها متعلّق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت ، وفوق كل قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت ، ومصاريع تلك الغرف مثل مصاريع (٣) المدينة ، يقابل بعضها بعضا ، مفروشة كلها باللؤلؤ ، وبنادق من المسك والزعفران ، فلما عاين الرجل ما عاين ولم ير فيها أحدا هاله ذلك ، ثم نظر إلى الأزقة فإذا هو

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : محمد. والتصويب من ب. وانظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (١٢ / ٥٩٧) ، وطبقات الحفاظ (ص : ٢٧١).

(٣) في ب : مصراع.

٦١٤

بشجر في كل زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار ، وتحت الشجر أنهار مطّردة يجري ماؤها من قنوات من فضة ، كل قناة أشدّ بياضا من الشمس. فقال الرجل : والذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق ما خلق الله مثل هذا في الدنيا ، وإن هذه هي الجنة التي وصفها الله تعالى في كتابه ، فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزعفران ، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها شيئا ، فأخذ ما أراد وخرج ، ورجع إلى اليمن فأظهر ما كان معه ، وأعلم الناس أمره ، وباع بعض ما حمل ، فلم يزل أمره ينمى حتى بلغ معاوية خبره ، فأرسل في طلبه حتى قدم عليه ، فخلا به وقصّ عليه ما رأى ، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار ، فلما أتاه قال : يا أبا إسحاق! هل في الدنيا من مدينة من ذهب وفضة؟ قال : نعم ، أخبرك بها وبمن بناها ، إنما بناها شداد بن عاد. فأما المدينة فإرم ذات العماد التي وصفها الله عزوجل في كتابه ، وهي التي لم يخلق مثلها في البلاد. قال معاوية : فحدثني حديثها فقال : إن عادا الأولى ليس عاد قوم [هود](١) ، وإنما هود وقوم هود ولد ذلك الرجل ، وكان عاد له ابنان شدّاد وشديد ، فهلك عاد ، فبقيا وملكا وقهرا البلاد ، وخذاها عنوة ، ثم مات شديد ، وبقي شداد فملك وحده ، ودانت له ملوك الأرض ، وكان مولعا بقراءة الكتب ، كلما مرّ فيها بذكر الجنة دعته نفسه إلى بناء مثلها عتوّا على الله عزوجل ، فأمر بصنعة تلك المدينة إرم ذات العماد ، وأمّر على صنعتها مائة قهرمان ، مع كل قهرمان ألف من الأعوان ، وكتب إلى كل ملك في الدنيا أن يجمع ما في بلاده من الجواهر ، وكان تحت يده مائتان وستون ملكا ، فخرج القهارمة وتبدّدوا في الأرض ليجدوا ما

__________________

(١) في الأصل : هو. والتصويب من ب.

٦١٥

يوافقوه ، حتى وقعوا على صحراء عظيمة نقية من التلال ، وإذاهم بعيون مطّردة ، قالوا : هذه [صفة الأرض](١) التي أمر الملك [أن يبنى بها](٢) ، فقدّروها العرض والطول ثم وضعوا أساسها من الجزع اليماني ، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة حتى فرغوا منها ، وكان عمر شداد تسعمائة سنة ، فلما أتوه فارغين منها [قال](٣) : انطلقوا واجعلوا عليها حصنا ، واجعلوا حول الحصن ألف قصر ، عند كل قصر ألف علم ، يكون في كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائي ، ويكون فوق كل علم ناطور ، فرجعوا وعملوا ما أمرهم به ، فأمر ألف وزير أن يتهيأوا إلى النقلة (٤) إلى إرم ذات العماد ، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ، ثم ساروا إليها ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا ، ولم يبق منهم أحد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر قصير ، على حاجبه خال وعلى عنقه خال ، يخرج في طلب إبل له في تلك الصحاري ، والرجل عند معاوية ، فالتفت إليه كعب فقال : هذا والله ذلك الرجل (٥).

__________________

(١) زيادة من زاد المسير (٩ / ١١٤).

(٢) زيادة من زاد المسير (٩ / ١١٤).

(٣) في الأصل : فقال. والمثبت من ب.

(٤) في ب : للنقلة.

(٥) أخرجه أبو الشيخ في : العظمة (٤ / ١٤٩٣ ـ ١٥٠٢ ح ٩٨٣١). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١٢ ـ ١١٦).

٦١٦

وروى الشعبي عن دغفل الشيباني (١) ، عن علماء حمير قالوا : لما هلك شداد بن عاد ومن معه من الصيحة ، ملك من بعده ابنه مرثد بن شداد ، وقد كان أبوه خلّفه بحضر موت على ملكه وسلطانه ، فأمر بحمل أبيه من تلك المفازة إلى حضر موت ، فحمل [مطليا](٢) بالعنبر والكافور ، وأمر [بدفنه](٣) فحفرت له حفيرة في مغارة ، فاستودعه فيها على سرير من ذهب ، وألقى عليه سبعين حلة منسوجة بقضبان الذهب ، ووضع عند رأسه لوحا عظيما من ذهب وكتب فيه :

اعتبر بي أيّها ال

مغرور بالعمر المديد

أنا شدّاد بن عاد

صاحب الحصن العميد

وأخو القوة والبأ

ساء والملك الحشيد

دان أهل الأرض لي

من خوف وعدي ووعيدي

وملكت الشرق وال

غرب بسلطان شديد

وبفضل الملك وال

عدّة فيه والعديد

فأتى هود وكنا

في ضلال قبل هود

فدعانا لو قبلناه

إلى الأمر الرشيد

__________________

(١) دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة السدوسي النسابة الشيباني الذهلي ، مخضرم له صحبة ، نزل البصرة وغرق بفارس في قتال الخوارج قبل سنة ستين (تهذيب التهذيب ٣ / ١٨٢ ، والتقريب ص : ٢٠١).

(٢) في الأصل : مطيا. والتصويب من ب.

(٣) زيادة من زاد المسير (٩ / ١١٦).

٦١٧

فعصيناه وناديت :

ألا هل من محيد

فأتتنا صيحة تهوي

من الأفق البعيد

فتوافينا كزرع

وسط بيداء حصيد (١)

قوله : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ) أي : قطعوه (بِالْوادِ).

أثبت الياء في الحالين : ابن كثير ، ووافقه (٢) في الوصل : ورش ، وحذفها الباقون في الحالين (٣).

قال ابن إسحاق : هو وادي القرى (٤).

قال ابن عباس : كانوا يجوبون الجبال فيجعلون منها بيوتا ، كما قال الله : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً)(٥) [الشعراء : ١٤٩].

ويقال : إن أول من نحت الجبال والصخور والرخام : ثمود.

قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) مفسّر في صاد (٦).

قوله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ) أي : على عاد وثمود وفرعون. يقال : صبّ

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١٦ ـ ١١٧).

(٢) في ب : وافقه.

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ١١٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٦٣) ، والكشف (٢ / ٣٧٤) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٨) ، والسبعة (ص : ٦٨٣).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ٢٦٩) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٤٨٢) بلا نسبة ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١٧).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٨٢).

(٦) عند الآية رقم : ١٢.

٦١٨

[عليه](١) السوط وغشّاه وقنّعه.

قال الزجاج (٢) : المعنى : ألم تر كيف أهلك ربك هذه الأمم التي كذبت رسلها ، وكيف جعل عقوبتها أن جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب فقال : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ).

وقال الحسن رضي الله عنه : إن عند الله أسواطا كثيرة ، فأخذهم بسوط منها (٣).

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) وهو مفعال من الرصد ، وقد ذكرناه في سورة النبأ (٤).

قال الكلبي : يقول : عليه طريق العباد لا يفوته أحد (٥).

والمعنى : لا يفوت ربك منهم أحد.

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠)

__________________

(١) في الأصل : عليهم. والتصويب من ب.

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٣٢٢).

(٣) ذكره القرطبي (٢٠ / ٥٠).

(٤) عند الآية رقم : ٢١.

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٨٢).

٦١٩

قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) هو اسم جنس.

قال ابن عباس : يريد : عتبة بن ربيعة ، وأبا حذيفة بن المغيرة (١).

وقال ابن السائب : يريد الكافر : أبي بن خلف (٢).

وقال مقاتل (٣) : نزلت في أمية بن خلف.

(إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي : اختبره بالغنى واليسر (فَأَكْرَمَهُ) بالمال (وَنَعَّمَهُ) به (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي : فضّلني بما أعطاني لكرامتي عليه.

(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) اختبره بالفقر (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ضيّقه عليه ، (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) أذلّني بالفقر.

قال الزجاج (٤) : يعني بهذا : الكافر الذي لا يؤمن بالبعث ، إنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الدنيا وقلّتها. وصفة المؤمن : أن الإكرام عنده : توفيق الله إياه إلى ما يؤديه إلى حظّ الآخرة.

قال صاحب الكشاف (٥) : إن قلت : بم اتصل قوله : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ)؟

قلت : بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ، كأنه قيل : إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة ، وهو مرصد بالعقوبة للعاصي ؛ فأما الإنسان فلا [يريد](٦) ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذّه وينعمّه فيها.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٨٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١١٨).

(٢) مثل السابق.

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤٨٣).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٣٢٣).

(٥) الكشاف (٤ / ٧٥٢).

(٦) في الأصل : يرد. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

٦٢٠