رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

عباس في قوله : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) : الأمر الشديد (١).

وقاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب : اتباع السلف الصالح ، فما تأولوه تأولناه ، وما سكتوا عنه سكتنا عنه ، مفوّضين علمه إلى قائله ، منزّهين الله عما [لا](٢) يليق بجلاله.

وذهب جماعة من علماء السنة إلى إلحاق هذا بنظائره من آيات الصفات وأخبار الصفات.

ورووا عن عبد الله بن مسعود في قوله : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) قال : عن ساقه جلّ ذكره (٣).

[ويؤيد](٤) هذا ما أخبرنا به الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا : أخبرنا [أبو الوقت](٥) ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا [الليث](٦) ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله (٧) صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٣٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٦٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٥٤) وعزاه لابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. وابن كثير في تفسيره ٤ / ٤٠٨.

(٢) زيادة من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٣٩) مطولا. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٥٤).

(٤) في الأصل : ويد. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : أبو قت. والتصويب من ب.

(٦) في الأصل : زيادة لفظة : " أبو" ، وهو خطأ.

(٧) في ب : النبي.

٢٤١

كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا» (١). هذا حديث صحيح أخرجه البخاري هكذا. وهو حديث طويل أخرجه مسلم بطوله.

وقال مقاتل بن سليمان (٢) : قال عبد الله بن مسعود في هذه الآية : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) وقال : عن ساقه اليمين فتضيء من نور ساقه الأرض ، فذلك قوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر : ٦٩].

وهذا إن ثبت عن ابن مسعود من طريق يوثق به غير طريق مقاتل فمقبول ، وإلا فمقاتل لا يثبت [حديثه عند](٣) أهل العلم بالحديث.

[وقد](٤) أشرنا إلى مذهب أهل السنة في هذه الآية تأويلا وسكوتا.

ومذهب الورعين عن الخوض في تأويلها أسلم المذهبين ، وأشبه بأصول صاحب المذهب ، الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، رضي الله عنه ، ورزقنا الاهتداء بأنواره ، والاقتداء بآثاره.

قوله تعالى : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) قال أهل التفسير : يسجد الخلق كلهم سجدة واحدة ، ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) كأن في ظهورهم [سفافيد](٥) الحديد.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٧١ ح ٤٦٣٥) ، ومسلم (١ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ح ١٨٣).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٠).

(٣) في الأصل : حدثه. والتصويب والزيادة من ب.

(٤) في الأصل : وهذا قد. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : سافيد. والتصويب من ب.

٢٤٢

قال النقاش : ليس ذلك بتكليف لهم أن يسجدوا وهم عجزة ، ولكنه توبيخ لهم [بتركهم](١) السجود (٢) ، ـ يعني : في الدنيا ـ.

(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي : ذليلة أبصارهم ، تعلوهم كآبة إذا عاينوا العذاب ، (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) يعني : بالأذان في دار الدنيا (وَهُمْ سالِمُونَ) [أصحاء](٣) في أصلابهم ، التي هي اليوم كأنّ فيها السفافيد.

قال سعيد بن جبير : يسمعون" حي على الفلاح" فلا يجيبون (٤). وهذا تهديد شديد للمتخلّفين عن الصلوات في الجماعات.

قوله تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي : خلّ بيني وبين من يكذب بهذا القرآن.

وما بعده إلى قوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) مفسّر في أواخر الأعراف (٥).

وقوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ) إلى آخر الآيتين مفسّر في الطور (٦).

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ

__________________

(١) في الأصل : تركهم. والتصويب من ب.

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤١ ـ ٣٤٢).

(٣) زيادة من ب.

(٤) أخرج نحوه الطبري (٢٩ / ٤٣) ولفظه : يسمع المنادي إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه. وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤١).

(٥) عند الآية رقم : ٣٩ ـ ٤٠.

(٦) عند الآية رقم : ١٨٢ ـ ١٨٣.

٢٤٣

رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)(٥٢)

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) هذ أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بالصبر](١) على ما حكم به سبحانه وتعالى من تأخير العذاب عنهم.

(وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) وهو [يونس](٢) عليه‌السلام (إِذْ نادى) في بطن الحوت : "(لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)" ، (وَهُوَ مَكْظُومٌ) مملوء غمّا وكربا.

والمعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الغضب والضجر والعجلة ، فتبتلى ببلائه.

وقيل : المعنى : اذكر إذ نادى.

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وقرأ ابن مسعود : " تداركته" (٣) ؛ لتأنيث النعمة ، وحسن التذكير على قراءة الجمهور [للفصل](٤).

والمعنى : لو لا أن تداركته رحمة من ربه وتوبة.

(لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) أي : لألقي (٥) بالصحراء. وقد سبق تفسيره في

__________________

(١) في الأصل : باصبر. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : نس. والتصويب من ب.

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٤٣) ، والدر المصون (٦ / ٣٥٩).

(٤) في الأصل : للفضل. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل زيادة قوله : في.

٢٤٤

الصافات (١).

قال الزجاج (٢) : المعنى : أنه قد نبذ بالعراء وهو غير مذموم ، ويدل على ذلك : أن النعمة قد شملته.

وقال ابن جريج : " لنبذ بالعراء" : وهو أرض المحشر. المعنى : أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة (٣).

(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال ابن عباس : ردّ إليه الوحي ، وشفّعه في قومه وفي نفسه (٤).

قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)" إن" هي المخففة من الثقيلة بإضمار الشأن ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.

وقرأ نافع : " ليزلقونك" بفتح الياء (٥) ، وهما لغتان ، يقال : زلقه وأزلقه عن المكان ؛ إذا نحّاه عنه. واللازم منه : زلق ، مثل : سمع.

قال [ابن](٦) السائب وجماعة من المفسرين : قصد الكفار أن يصيبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعين ، وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئا ثم يرفع جانب خبائه ، فتمرّ به النعم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه ، فما تذهب

__________________

(١) عند الآية رقم : ١٤٥.

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٢١١).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٣).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٣).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٥٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٨) ، والكشف (٢ / ٣٣٢) ، والنشر (٢ / ٣٨٩) ، والإتحاف (ص : ٤٢٢) ، والسبعة (ص : ٦٤٧).

(٦) زيادة من ب.

٢٤٥

إلا قليلا حتى يسقط منها عدّة ، فسأله الكفار أن يصيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعين ، فعصمه الله تعالى منه (١) ، وأنزل هذه الآية (٢).

وأبى الزجاج (٣) هذا القول [وقال](٤) : التأويل : أنهم من شدة إبغاضهم لك وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء يصرعونك. وهذا مستعمل في الكلام ، يقول القائل : نظر إليّ فلان نظرا يكاد يصرعني به ، ونظرا يكاد (٥) يأكلني فيه ، وتأويله كله : أنه [نظر](٦) نظرا لو أمكنه معه أكلي ، أو أن يصرعني ؛ لفعل.

قال (٧) : وهذا بين واضح.

وقال ابن قتيبة (٨) : ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العاين بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد : أنهم ينظرون إليك ـ إذا قرأت القرآن ـ نظرا شديدا بالعداوة

__________________

(١) قال الحافظ ابن كثير (٤ / ٤١٠) : وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عزوجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.

وقد روى مسلم في صحيحه (٤ / ١٧١٩ ح ٢١٨٨) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : " العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا".

قلت : وقد أورد الحافظ رحمه‌الله طائفة كثيرة من الأحاديث التي تثبت تأثير العين والحسد ، فراجعها في التفسير (٤ / ٤١٠ ـ ٤١٣).

(٢) انظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٤٦٤) ، وزاد المسير (٨ / ٣٤٣).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢١٢).

(٤) زيادة من ب.

(٥) في ب : كاد.

(٦) زيادة من ب.

(٧) أي : الزجاج في معانيه (٥ / ٢١٢).

(٨) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٨٢).

٢٤٦

والبغضاء ، يكاد يسقط ، كما قال الشاعر :

 ...........

نظرا يزيل مواطئ الأقدام (١)

ويدل على صحة هذا المعنى : أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن ، وهو قوله تعالى : (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة ، فيحدّون النظر إليه بالبغضاء ، والإصابة بالعين تكون مع الإعجاب والاستحسان (٢) ، ولا تكون مع البغض.

وعبارات العلماء متقاربة.

المعنى : ليزلقونك ، أي : لينفذونك بأبصارهم (٣) ، قال : ويقال : زهق السهم وزلق : إذا نفذ.

وقال الكلبي : يصرعونك (٤).

وروي عنه : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة (٥).

__________________

(١) عجز بيت وصدره : (يتقارضون إذا التقوا في موطن). ويروى : " مجلس" بدل : " موطن". وهو في : اللسان (مادة : قرض ، زلق) ، والقرطبي (١٨ / ٢٥٦) ، وزاد المسير (٨ / ٣٤٤) ، والبحر (٨ / ٣١١) ، وتاج العروس (مادة : قرض ، زلق) ، وروح المعاني (٢٩ / ٣٨) ، والحجة للفارسي (٤ / ٥٨) ، وتهذيب اللغة (٨ / ٣٤٢ ، ٤٣٢) ، ومقاييس اللغة (٣ / ٢١).

(٢) في ب : والاستحباب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٤٦) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٦٢) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ٤٦). وذكره الماوردي (٦ / ٧٤).

(٥) ذكره القرطبي (١٨ / ٢٥٦) ، والبغوي (٤ / ٣٨٤).

٢٤٧

وقال المؤرج : يرمونك (١).

وقال ابن كيسان : يقتلونك. وروي عن الحسن أيضا مثله (٢).

وقال قتادة : يزهقونك (٣).

وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس : " ليزهقونك" (٤) ، من زهقت نفسه وأزهقها.

وباقي السورة ظاهر ومفسّر. والله أعلم.

__________________

(١) ذكره القرطبي (١٨ / ٢٥٦) ولفظه : يزيلونك.

(٢) ذكره القرطبي (١٨ / ٢٥٦).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٤٦).

(٤) انظر هذه القراءة في : الطبري (٢٩ / ٤٦) ، والبحر (٨ / ٣١١).

٢٤٨

سورة الحاقة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي كالسورة التي قبلها في العدد (١) وموضع [النزول](٢).

(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(١٢)

قال الله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) قال المفسرون : الحاقة : الساعة (٣).

قال الفراء (٤) : سميت بذلك ؛ لأن فيها حوّاق الأمور.

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٥٣).

(٢) في الأصل : النزويل. والتصويب من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٤٧ ـ ٤٨).

(٤) معاني الفراء (٣ / ١٧٩).

٢٤٩

وقال الزجاج (١) : لأنها تحقّ كل إنسان بعمله من خير وشر.

وقال غيره (٢) : " الحاقة" : هي الساعة الواجبة الوقوع ، الثابتة المجيء.

والرفع على الابتداء ، والخبر : " ما الحاقة" (٣).

والمعنى : أي شيء هي الحاقة ، على مذهب التفخيم لشأنها ، والتعظيم لأمرها ، وكذلك قوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ). وهذا لا يختص بالمدح ، بل هو [جار](٤) في المدح والذم.

وموضع : " ما الحاقة" في الموضعين : الرفع على الابتداء (٥).

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) قال ابن عباس : القارعة : اسم من أسماء يوم القيامة (٦).

قال مقاتل (٧) : وإنما سميت القارعة ؛ لأن [الله](٨) يقرع أعداءه بالعذاب.

وقال غيره (٩) : لأنها تقرع الناس بالأفزاع والأهوال ، والسماء بالانشقاق والانفطار ، والأرض والجبال بالدكّ والنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار.

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢١٣).

(٢) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٠٢).

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٦٧) ، والدر المصون (٦ / ٣٦١).

(٤) في الأصل : جائز. والمثبت من ب.

(٥) انظر : التبيان (٢ / ٢٦٧) ، والدر المصون (٦ / ٣٦١).

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ٤٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٥).

(٧) تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٢).

(٨) زيادة من (ب) ، وتفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٩) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٠٢).

٢٥٠

ووضعت موضع الضمير ليدل على معنى القرع في الحاقة ؛ زيادة في وصف شدتها.

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) قال ابن عباس ومجاهد : بطغيانهم وكفرهم (١). وفاعلة تأتي بمعنى المصادر ؛ كالخائنة [والعافية](٢) والعاقبة.

وقال قتادة : بالصيحة الطاغية. وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح (٣).

وقال ابن زيد : الطاغية : عاقر الناقة (٤).

والريح الصرصر مفسرة في سورة حم السجدة (٥) ، والعاتية : التي جاوزت المقدار.

وجاء في التفسير : أنها عتت على الخزّان ، فخرجت بلا كيل ولا وزن (٦).

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) التسخير : استعمال الشيء على وجه الاستعلاء والاقتدار.

والمعنى : سلّطها عليهم.

(سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) قال ابن عباس : تباعا (٧).

قال الفراء (٨) : الحسوم : التتابع.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٦).

(٢) زيادة من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٤٩). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٤).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ٧٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٦).

(٥) عند الآية رقم : ١٦.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ٥٠) عن ابن عباس. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٢٦٤).

(٧) أخرجه الطبري (٢٩ / ٥٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٦٥) وعزاه لابن جرير.

(٨) معاني الفراء (٣ / ١٨٠).

٢٥١

وقال الزجاج (١) : الذي توجبه اللغة في معنى قوله : " حسوما" ، تحسمهم حسوما (٢) أي : تفنيهم وتذهبهم.

فعلى معنى (٣) قول الزجاج : هو مصدر ؛ كالشكور والكفور ، أو هو صفة ، أي : ذات حسوم ، أو هو مفعول له ، تقديره : سخرها عليهم للاستئصال (٤).

وقرئ شاذا : " حسوما" بفتح الحاء (٥) ، فيكون حالا من الريح ، أي : سخّرها عليهم مستأصلة.

وقال غيره (٦) : هو جمع حاسم ؛ كشاهد وشهود ، وقاعد وقعود.

فالمعنى : أنها نحسات حسمت كلّ خير ، واستأصلت كلّ بركة ، وهي الأيام التي تسميها العرب أيام الأعجاز ، وأيام العجز ، وهي آخر الشتاء.

وقيل : أيام العجوز ، وذلك أن عجوزا من عاد توارت في سرب ، فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها ، وأنشدوا فيها :

كسع الشّتاء بسبعة غبر

أيام شهلتنا من الشّهر

فإذا انقضت أيام شهلتنا

بالصّنّ والصّنّبر والوبر

وبآمر وأخيه مؤتمر

ومعلّل وبمطفئ الجمر

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢١٤).

(٢) قوله : تحسمهم حسوما ، سقط من ب.

(٣) قوله : معنى ، سقط من ب.

(٤) انظر : الدر المصون (٦ / ٣٦٢).

(٥) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣١٦) ، والكشاف (٤ / ٦٠٣).

(٦) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٠٣).

٢٥٢

ذهب الشتاء مولّيا هربا

وأتتك واقدة من الحرّ (١)

قال الزمخشري (٢) : ويقال : ومكفيء الظعن.

قلت : فعلى هذا ؛ تكون ثمانية أيام ، كما في كتاب الله عزوجل ، والأكثرون لم يذكروا هذا الاسم الثامن ، فتكون الريح أرسلت عليهم في يوم آخر منضما إلى [الأيام](٣) السبعة. والله تعالى أعلم.

(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) أي : هلكى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) أي : كأنهم أصول نخل ساقطة.

والنخل يذكّر ويؤنّث ، فلهذا قال هاهنا : " خاوية" ، وقال في سورة القمر : (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [٢٠].

(فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) أي : من بقاء ؛ كالطاغية بمعنى الطغيان ، أو بقية ، أو من نفس باقية.

قوله تعالى : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) قرأ أبو عمرو والكسائي : " قبله" بكسر القاف وفتح الباء ، على معنى : ومن عنده من تبّاعه.

ويؤيده قراءة ابن مسعود وأبيّ بن كعب : " ومن معه" (٤). [وقرأ](٥) الباقون :

__________________

(١) الأبيات لابن أحمر. انظر : المزهر في علوم اللغة (١ / ٢٤٣) ، وثمار القلوب (ص : ٣١٤) ، واللسان (مادة : كسأ ، أمر ، عجز ، علل) ، والقرطبي (١٨ / ٢٦٠).

(٢) الكشاف (٤ / ٦٠٣).

(٣) في الأصل : أيام. والتصويب من ب.

(٤) انظر هذه القراءة في : الدر المصون (٦ / ٣٦٢) ، والكشاف (٤ / ٦٠٤).

(٥) في الأصل : قرأ. والمثبت من ب.

٢٥٣

" قبله" بفتح القاف وسكون الباء (١) ، على معنى : ومن تقدمه من كفار الأمم.

(وَالْمُؤْتَفِكاتُ) قرى قوم لوط ، (بِالْخاطِئَةِ) : أي : الخطأ العظيم ، أو بالفعلة الخاطئة ، أي : ذات الخطأ.

(فَعَصَوْا) يعني : أهل المؤتفكات (رَسُولَ رَبِّهِمْ) لوطا ، (فَأَخَذَهُمْ) الله (أَخْذَةً رابِيَةً) زائدة في الشدة على الأخذات ؛ لشدة قبائحهم ، وأصله : من الربا ، وهو الزيادة ـ كما سبق ـ.

(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) أي : تجاوز الحدّ في الكثرة (حَمَلْناكُمْ) وأنتم في أصلاب آبائكم (فِي الْجارِيَةِ) في السفينة الجارية.

(لِنَجْعَلَها لَكُمْ) أي : لنجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح ونجاة من نجينا مع نوح في السفينة لكم (تَذْكِرَةً) عظة وعبرة (وَتَعِيَها) أي : تحفظها (أُذُنٌ واعِيَةٌ) من شأنها أن تحفظ وتعي ما سمعت ، ولا تضيعه بترك العمل به.

قال قتادة : أذن سمعت وعقلت عن الله (٢).

قال الزجاج والزمخشري (٣) : فكلّ ما حفظته في نفسك فقد وعيته ، وما حفظته في غير نفسك فقد أوعيته ، كقولك : أوعيت الشيء في الظرف.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٥٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٨) ، والكشف (٢ / ٣٣٣) ، والنشر (٢ / ٣٨٩) ، والإتحاف (ص : ٤٢٢) ، والسبعة (ص : ٦٤٨).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ٥٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٦٨) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢١٥ ـ ٢١٦) ، والكشاف (٤ / ٦٠٤).

٢٥٤

فإن قلت : لم قال : " أذن واعية" ، على التوحيد والتنكير؟

قلت : للإيذان بأن الوعاة فيهم قلّة ، ولتوبيخ الناس بقلّة من يعي منهم.

وقرأت على شيخنا أبي البقاء العكبري اللغوي لابن كثير من رواية نظيف ، عن قنبل عنه ، [ومن](١) طريق النهرواني ، عن ابن بلال الكوفي ، عن ابن فرح ، عن البزي عنه : [" وتعيها"](٢) بسكون العين للتخفيف (٣) ، كما في" أرنا" ، وفي قولهم : كبد وعضد.

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ)(١٨)

قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) عامة القرّاء قرؤوا : " نفخة واحدة" بالرفع ، على ما لم يسمّ فاعله.

وقرأ أبو [السّمّال](٤) : " نفخة" بالنصب (٥) ، أقام الجار والمجرور مقام ما لم يسمّ فاعله.

__________________

(١) في الأصل : من. والمثبت من ب.

(٢) في الأصل : تعيها. والتصويب من ب.

(٣) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ٦٠) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٢٢) ، والسبعة (ص : ٦٤٨).

(٤) في الأصل : السماك. والتصويب من ب.

(٥) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣١٧) ، والدر المصون (٦ / ٣٦٣).

٢٥٥

وحسن التذكير في" نفخ" ؛ لوقوع الفصل ، أو لأن التأنيث في" نفخة" ليس بحقيقي.

قال عطاء : هي النفخة الأولى (١) ؛ لأن عندها خراب هذا العالم.

وقال ابن السائب ومقاتل (٢) : هي النفخة الثانية ؛ لقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) [الحاقة : ١٨] عقيب ذكر النفخة.

ويجاب عن هذا بأن يقال : المراد بقوله : " يومئذ" الحين الواسع الذي يقع فيه [النفختان](٣) والنشور والحساب ، كما تقول : رأيته في عام كذا ، أو في يوم كذا ، وإنما كانت رؤيتك إياه في جزء منه.

(وَحُمِلَتِ) وقرأت لابن عامر من رواية الوليد بن عتبة عنه : " وحمّلت" بتشديد الميم (٤).

والمعنى : وقلعت جملة الأرض وجملة الجبال من أماكنها.

(فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) أي : كسرتا كسرة واحدة حتى تندقّ. وقد أشرنا إلى ذلك في قوله تعالى : (جَعَلَهُ دَكًّا) [الأعراف : ١٤٣].

والمراد : أنها تصير أرضا واحدة مستوية ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.

(فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) قامت القيامة ، (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) لنزول من فيها

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٨).

(٢) ذكره مقاتل (٣ / ٣٩٣) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤٨).

(٣) في الأصل : النفخات. والمثبت من ب.

(٤) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٢٢) ، والدر المصون (٦ / ٣٦٣).

٢٥٦

من الملائكة (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) ضعيفة.

قال الفراء (١) : وهيها : تشقّقها.

وقال مقاتل (٢) : واهية من الخوف.

(وَالْمَلَكُ) اسم جنس ، يريد : الملائكة (عَلى أَرْجائِها) على جوانبها ونواحيها.

قال الزجاج (٣) : رجا كل شيء : ناحيته ، مقصور ، والتّثنية : رجوان ، والجمع : أرجاء.

قال الضحاك : إذ انشقت السماء [كانت](٤) الملائكة على حافاتها ، حتى يأمرهم الله تعالى فينزلون ، فيحيطون بالأرض وبمن عليها (٥).

(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ) أي : فوق رؤوس الحملة ، أو فوق الذين على أرجائها ، أو فوق أهل القيامة.

(يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) جاء في الحديث : «أنهم اليوم أربعة ، فإذا كان يوم القيامة أمدّهم الله [بأربعة](٦) أملاك آخرين» (٧). وهذا قول جمهور المفسرين (٨).

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ١٨١).

(٢) انظر : تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٣).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢١٦).

(٤) في الأصل : فكانت. والتصويب من ب.

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٠).

(٦) في الأصل : أربعة. والتصويب من ب.

(٧) وهو حديث مشهور بحديث الصور ، الطويل. أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٣ / ٨٢١ ـ ٨٣٧ ح ٣٨٦).

(٨) ذكره الطبري (٢٩ / ٥٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٠) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٢٧٠).

٢٥٧

قال العباس بن عبد المطلب : ثمانية أملاك على صورة الأوعال (١).

وفي الحديث : «ما بين أظلافهم إلى ركبهم ما بين سماء إلى سماء» (٢).

وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة : ثمانية [صفوف](٣) من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى (٤).

وفي سنن أبي داود من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أذن الله لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عزوجل ، من حملة العرش : أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام» (٥).

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) على الله للحساب (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ).

وقرأ حمزة والكسائي : " لا يخفى" بالياء (٦).

والمعنى : لا يخفى منكم نفس خافية ، أو فعلة خافية.

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي موسى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يعرض

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٤١٠ ح ٣٤٢٩ ، ٢ / ٥٤٣ ح ٣٨٤٨) ، وأبو يعلى في مسنده (١٢ / ٧٤ ح ٦٧١٢) ، والخطيب في تالي التلخيص (٢ / ٤٨٩ ـ ٤٩٠ ح ٢٩٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٦٨) وعزاه لعبد بن حميد وعثمان بن سعيد والدارمي في الرد على الجهمية وأبي يعلى وابن المنذر وابن خزيمة وابن مردويه والحاكم وصححه والخطيب في تالي التلخيص.

(٢) أخرجه أبو داود (٤ / ٢٣١ ح ٤٧٢٣).

(٣) في الأصل : صوف. والتصويب من ب.

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ٥٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٧٠) كلاهما عن ابن عباس. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٠).

(٥) أخرجه أبو داود (٤ / ٢٣٢ ح ٤٧٢٧).

(٦) الحجة للفارسي (٤ / ٥٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٨) ، والكشف (٢ / ٣٣٣) ، والنشر (٢ / ٣٨٩) ، والإتحاف (ص : ٤٢٢) ، والسبعة (ص : ٦٤٨).

٢٥٨

الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» (١).

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ)(٢٤)

قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) هاء : صوت يصوّت به ، يفهم منه : خذ.

قال الكسائي : العرب تقول للواحد : هاء ، وللاثنين : هاؤما ، وللثلاثة : هاؤم (٢).

وقال الزجاج (٣) : " هاؤم" أمر للجماعة ، بمنزلة : هاكم ، تقول [للواحد](٤) : هاء ، وللاثنين : هاؤما يا رجلان ، وللثلاثة : هاؤم يا رجال ، وللمرأة : هاء يا امرأة ـ بكسر الهمزة ـ ، وللاثنتين : هاؤما ، وللجماعة : هاؤنّ.

وقال ابن قتيبة (٥) : " هاؤم" : بمعنى : هاكم ، فأبدلت الواو (٦) من الكاف.

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ٤١٤).

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٨٣).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢١٧).

(٤) في الأصل : للوحد. والتصويب من ب.

(٥) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٨٤).

(٦) في تفسير غريب القرآن : الهمزة.

٢٥٩

قال المفسرون : إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته (١).

(إِنِّي ظَنَنْتُ) أيقنت وعلمت في الدنيا (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) يريد : الإخبار بأن سبب نجاته وإعطائه كتابه بيمينه ؛ إيمانه في الدنيا بالبعث والحساب.

قرأ يعقوب : " كتابيه" و" حسابيه" في الموضعين ، وكذلك : " ماليه وسلطانيه" بحذف الهاء في الوصل في المواضع الستة ، وافقه حمزة في : " ماليه" و" سلطانيه" ، والهاء فيهن للسّكت ، فلذلك أسقطها يعقوب في الوصل ، وهو الوجه. والباقون اتبعوا المصحف (٢).

قال الزجاج (٣) : الواجب أن يوقف على هذه الهاءات ولا توصل ؛ لأنها أدخلت للوقف ، وقد حذفها قوم في الوصل ، ولا أحب مخالفة المصحف ، ولا أن أقرأ وأثبت الهاءات في الوصل. وهذه رؤوس آيات ، فالصواب أن يوقف عندها.

قال (٤) : وكذلك قوله : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) [القارعة : ١٠].

قوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي : في حالة من العيش يرضاها ، أو ذات رضا ، مثل : لابن ، وتامر.

قال الزمخشري (٥) : "(راضِيَةٍ)" منسوبة إلى الرضا ؛ كالدارع والنابل ، والنسبة

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٢).

(٢) انظر : الحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٩) ، والكشف (١ / ٣٠٧) ، والنشر (٢ / ١٤٢) ، والإتحاف (ص : ٤٢٢ ـ ٤٢٣).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢١٧).

(٤) أي الزجاج.

(٥) الكشاف (٤ / ٦٠٧).

٢٦٠