رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٤

١
٢

سورة الأنعام

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ربّ يسر وأعن ، إنك وليّ ذلك.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(١٢٨)

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) قرأ حفص : يحشرهم بالياء ، حملا على لفظ الغيبة في قوله : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) [الأنعام : ١٢٧]. وقرأ الباقون بالنون ، على الإخبار من الله تعالى عن نفسه (١).

والمعنى : اذكر يوم نحشر الثقلين الإنس والجنّ جميعا في موقف القيامة.

و «جميعا» حال من المفعول (٢).

(يا مَعْشَرَ الْجِنِ) فيه إضمار تقديره : فيقال لهم : يا معشر الجنّ.

والمعشر : الجماعة أمرهم واحد ، والجمع : معاشر (٣).

والمراد بشياطين الجنّ : مردتهم.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ١٥٢) ، والحجة لابن زنجلة (٥٠٩) ، والكشف (١ / ٤٥١ ـ ٤٥٢) ، والنشر (٢ / ٢٦٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٧) ، والسبعة في القراءات (١ / ٢٦٩).

(٢) انظر : الدر المصون (٣ / ١٧٨).

(٣) انظر : اللسان (مادة : عشر).

٣

(قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : من إغوائهم واستهوائهم ، حتى صاروا لكم أشياعا وأتباعا.

(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : وقال أولياء الجن الذين أطاعوهم من الإنس : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) ، أي : انتفع بعضنا ببعض ، واستمتاع الإنس بالجن ما حصل لهم من الشهوات بواسطة تسويلهم وتسهيلهم ، واستمتاع الجن بالإنس طاعتهم لهم فيما زيّنوه لهم من الكفر والمعاصي.

فإن قيل : أي غرض لهم ونفع في كفر الإنس ومعصيتهم؟

قلت : هم قوم طبعوا على الشّر ، فهم يرتاحون إلى اجتذاب الإنس إليه وإن لم يكن لهم فيه نفع ، كما قيل (١) :

من الناس من يرتاح للشرّ طبعه

وإن لم يكن فيه غنى وغناء

كما يشرف الياقوت والدّرّ عقعق

وليس له في ذا وذاك غذاء

وقيل : استمتاع الإنس ما في قوله : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦] ، وكان الرجل إذا نزل واديا أو أراد مبيتا قال : أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله.

واستمتاع الجن : فخرهم بذلك على قومهم حيث اعترف لهم الجن والإنس بالسيادة. وهذان القولان مرويان عن ابن عباس (٢).

وقيل : استمتاع الجن : إغواؤهم الإنس ، واستمتاع الإنس : ما يتلقونه منهم

__________________

(١) لم أعرف قائل البيتين.

(٢) زاد المسير (٣ / ١٢٣).

٤

من السحر والكهانة (١).

(وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) وهو أجل البعث بعد الموت ، وهذا الاعتراف خارج مخرج الاعتذار والندم والاستسلام لما يراد بهم يوم القيامة.

(قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) قال ابن عباس : يريد : فيها مقامكم (٢).

(خالِدِينَ فِيها) منصوب على الحال (٣).

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) وهو قدر ما بين بعثهم إلى دخولهم النار ، كأنه قيل : داخلين فيها منذ يبعثون إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم وحسابهم ، وهذا اختيار الزجّاج (٤).

وقال ابن عباس : استثنى الله قوما قد سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

و «ما» على هذا القول بمعنى : «من» ، ويكون الاستثناء من المضاف إليه في قوله : (مَثْواكُمْ).

وقيل : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من أنواع العذاب ، فقد روي أنهم يعذبون بالزمهرير ، فينقادون ويطلبون الرد إلى الجحيم.

(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١٢٩)

__________________

(١) زاد المسير (٣ / ١٢٣).

(٢) الوسيط (٢ / ٣٢٣) ، وزاد المسير (٣ / ١٢٤).

(٣) انظر : التبيان (١ / ٢٦١) ، والدر المصون (٣ / ١٧٩).

(٤) معاني الزجاج (٢ / ٢٩٢).

(٥) الوسيط (٢ / ٣٢٣).

٥

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : كما خذلنا عصاة الجن والإنس حتّى استمتع بعضهم ببعض ، «نولي بعض الظالمين بعضا» : نسلّط بعضهم على بعض حتى كان منهم ما كان.

قال مالك بن دينار : قرأت في بعض كتب الله المنزلة أن الله يقول : أفني أعدائي بأعدائي ثم أفنيهم بأوليائي (١).

وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده ، عن مالك بن دينار ، قال : قرأت في التوراة : «إني أنا الله لا إله إلا أنا ، ملك الملوك ، قلوبهم بيدي ، ونواصيهم بيدي ، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشتغلوا بسبّ الملوك ، ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم» (٢).

وقال قتادة : يجعل بعضهم أولياء بعض (٣).

وقال في رواية أخرى : يجعل بعضهم يتبع بعضا (٤).

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٤ / ١٣٨٩) ، وأبو نعيم في الحلية (٢ / ٣٧٦). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٥٨) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ. كلهم بلفظ : قال مالك : قرأت في الزبور : «إني أنتقم من المنافق بالمنافق ، ثم أنتقم من المنافقين جميعا». وذكره ابن كثير بهذا اللفظ (٢ / ١٧٧).

(٢) لم أقف عليه في المطبوع من الزهد. والحديث أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (٢ / ٣٧٨ ، ٦ / ١٧٢). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦١٨) وعزاه لأبي الشيخ.

(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٣٥) ، وابن أبي حاتم (٤ / ١٣٨٩). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٦٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) أخرجه الطبري (٨ / ٣٥) ، وابن أبي حاتم (٤ / ١٣٨٨). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٥٨) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

٦

وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)(١٣٠)

قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) وقرأ الحسن : " تأتكم" بالتاء (١).

(رُسُلٌ مِنْكُمْ) تعلق الضحاك بظاهر الآية فقال : إن الله يبعث إلى الجن رسلا منهم كما بعث إلى الإنس ، وإليه ذهب مقاتل (٢) وأبو سليمان (٣). وهو الذي تقتضيه الحكمة الإلهية ، لأن الجنس بالجنس آنس ، وإليه أميل.

وقال مجاهد : الرّسل من الإنس ، والنّذر من الجن ، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا وينذرونهم ، كما قال الله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ)(٤) [الأحقاف : ٢٩].

وقال آخرون ـ منهم ابن جريج والزجّاج (٥) ـ : الرسل من الإنس خاصة ، وإنما قال : «رسل منكم» لأنه لما جمع الإنس والجن في الخطاب صحّ ذلك ، وإن كان من أحدهما ؛ كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] ، وإنما يخرج من

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٣ / ١٢٥).

(٢) تفسير مقاتل (١ / ٣٧٠).

(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٣٦). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٦٠) وعزاه لابن جرير.

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤ / ١٣٨٩).

وانظر : الطبري (٨ / ٣٦). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٥٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) معاني الزجاج (٢ / ٢٩٢).

٧

الملح وحده (١).

ولا خلاف بين أهل العلم أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إلى الإنس والجن.

أخرج الإمام أحمد في المسند ، عن الأعمش ، عن مجاهد في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت إلى الأحمر والأسود. قال : الأحمر : الإنس ، والأسود : الجنّ» (٢).

وقال ابن عباس : كانت الرسل تبعث إلى الإنس خاصة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إلى الإنس والجن (٣).

قوله تعالى : (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) أي : يقرؤون عليكم كتبي ، (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي : يخوّفونكم بيوم القيامة ، (قالُوا شَهِدْنا) أي : أقررنا (عَلى أَنْفُسِنا) أو شهد بعضنا على بعض بإنذار الرسل.

ثم أخبر الله تعالى عن حالهم فقال : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).

قال مقاتل (٤) : حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر.

(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٣٢)

قوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى بعثة الرسل وإنذارهم سوء العاقبة ، وهو خبر

__________________

(١) انظر : الطبري (٨ / ٣٦) ، والماوردي (١ / ١٧٠) ، وزاد المسير (٣ / ١٢٥).

(٢) أخرجه أحمد (٥ / ١٤٥ ح ٢١٣٣٧).

(٣) زاد المسير (٣ / ١٢٥).

(٤) تفسير مقاتل (١ / ٣٧١).

٨

مبتدأ محذوف (١) ، أي : الأمر ذلك.

(أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) تعليل ، أي : الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم.

فعلى هذا (أَنْ) هي التي تنصب الأفعال. ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ، على معنى : لأنّ الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم. ولك أن تجعله بدلا من «ذلك» ؛ كقوله : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ)(٢) [الحجر : ٦٦].

وقوله : (بِظُلْمٍ) قال ابن عباس : بشرك (٣).

وقيل : بذنوبهم ومعاصيهم.

فعلى هذا : المعنى : بسبب ظلم.

ويجوز أن يكون حالا ، على معنى : لم يكن ربك مهلك القرى ظالما لهم حتى يوقظهم من غفلتهم ويرشدهم إلى طريق النجاة.

فإن قيل : قد ثبت بالبرهان القطعي أن الظلم مستحيل على الله ، وأنه لو أهلكهم قبل إنذارهم لم يكن ظالما لهم ، فكيف يصح هذا المعنى؟

قلت : لما كانت العقوبة قبل الإنذار ظلما في عرف الناس بعضهم مع بعض وفيما يتوهمه الجاهلون مما يجوز على الله وما لا يجوز ، خاطبهم بما يتعارفون وعلى ما يعتقده الجاهلون منهم ومن غيرهم.

__________________

(١) انظر : التبيان (١ / ٢٦١) ، والدر المصون (٣ / ١٨٢).

(٢) وهو قول الزمخشري في الكشاف (٢ / ٦٣).

(٣) الطبري (٨ / ٣٧) بلا نسبة ، وزاد المسير (٣ / ١٢٦).

٩

والواو في قوله : (وَأَهْلُها غافِلُونَ) واو الحال.

قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) أي : ولكل عامل بطاعة أو معصيته ، (دَرَجاتٌ) منازل ومراتب متفاوتة في الارتفاع والانحطاط ، (مِمَّا عَمِلُوا) أي : من أجل ما عملوا.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) قرأ ابن عامر : " تعملون" بالتاء ، حملا على ما بعده من المخاطبة. وقرأ الباقون : بالياء ، حملا على ما قبله ومن المغايبة (١).

والمعنى : وما ربك بغافل عما يعملون من الحسنات والسيئات ، بل علم أجزاءها وأعدّ جزاءها.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(١٣٥)

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) أي : الغني عن خلقه ذو الرحمة لهم ، (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أيها العتاة الكفرة ، والعصاة الفجرة ، (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) أي : يخلق خلقا آخر خلفا منكم ، يكونون له أطوع وإلى مرضاته أسرع.

(كَما أَنْشَأَكُمْ) أي : ابتدأ خلقكم من ذرية قوم آخرين.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٢١٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٢) ، والكشف (١ / ٤٥٢) ، والنشر (٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٦٩).

١٠

قال الزجّاج (١) : موضع الكاف نصب ، المعنى : ويستخلف من بعدكم مثل ما أنشأكم. يقال : أنشأ الله الخلق ؛ إذا خلقه وابتدأه ، وكل من ابتدأ شيئا فقد أنشأه. ومن ذلك قولنا : فأنشأ الشاعر يقول ، أي : ابتدأ من نفسه.

والنّشأ : الصّغار من الأولاد. قال نصيب :

ولو لا أن يقال صبا نصيب

لقلت بنفسي النّشأ الصّغار (٢)

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) أي : إنّما توعدون من مجيء الساعة والجزاء على الأعمال لآت.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) قال أبو عبيدة (٣) : يقال : أعجزني كذا ، أي : فاتني وسبقني.

فالمعنى : وما أنتم بفائتين الله إذا طلبكم.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) وقرأ [أبو بكر](٤) عن عاصم : «مكاناتكم» بالجمع حيث وقع (٥).

__________________

(١) معاني الزجاج (٢ / ٢٩٣).

(٢) البيت لنصيب بن رباح. من فحول الشعراء الإسلاميين. كان أسود اللون ، عبدا لرجل من كنانة من آل ودان ، ذو فصاحة ، لم يشبب بغير امرأته ، وكان عفيفا كبير النفس. مدح عبد العزيز بن مروان فأعطاه ألف دينار فكّ بها نفسه ، واتّصل بعده بسليمان بن عبد الملك. انظر البيت في : اللسان ، مادة : (نشأ).

(٣) مجاز القرآن (١ / ٢٠٦).

(٤) في الأصل : أبو عمر. والصواب ما أثبتناه (انظر : الحجة للفارسي ٢ / ٢١٢ ، والإتحاف ص : ٢١٧).

(٥) الحجة للفارسي (٢ / ٢١٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٢) ، والكشف (١ / ٤٥٢) ، والنشر (٢ / ٢٦٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٦٩).

١١

قال الزجاج (١) : المعنى : اعملوا على تمكنكم.

ويجوز أن يكون المعنى : اعملوا على ما أنتم عليه ، ويقال للرجل إذا أمرته أن يثبت على حال : على مكانتك يا فلان ، أي : اثبت على ما أنت عليه.

فإن قيل : كيف يجوز أن يأمرهم بالثبات على ما هم عليه والله لا يأمر بالفحشاء؟

قلت : هذا تهديد لهم ؛ كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠]. ألا تراه يقول : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

وقوله : (إِنِّي عامِلٌ) وقف حسن. المعنى : إني عامل على مكانتي ، ثابت على ما أنا عليه من دين الإسلام. وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) لم يعده أحد رأس آية وليس بوقف ؛ لأن قوله : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) معمول «تعلمون».

قال مكي (٢) : إن جعلت" من" استفهاما كانت في موضع رفع بالابتداء ، وما بعده الخبر ، والجملة في موضع نصب ب «تعلمون». وإن جعلتها بمعنى «الذي» كانت في موضع نصب ب «تعلمون».

قرأ حمزة والكسائي : من يكون بالياء ، هنا وفي القصص (٣). وقرأ الباقون بالتاء فيهما ؛ لتأنيث العاقبة (٤).

__________________

(١) معاني الزجاج (٢ / ٢٩٣).

(٢) مشكل إعراب القرآن لمكي (١ / ٢٩١).

(٣) عند الآية رقم : ٣٧.

(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٢١٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٢) ، والكشف (١ / ٤٥٣) ، والنشر (٢ / ٢٦٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٧) ، والسبعة في القراءات (١ / ٢٧٠).

١٢

و «عاقبة الدار» : الجنّة. و «الظالمون» : المشركون.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(١٣٦)

قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) قال ابن عباس : كان المشركون يجعلون لله من حرثهم وأنعامهم وثمارهم نصيبا ، وللأوثان نصيبا ، فما كان للأوثان أنفق على السدنة والقائمين بحفظها ، وما كان لله أطعم الضيفان والمساكين ولا يأكلون من ذلك شيئا ، فما سقط مما جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه وقالوا : إن الله غني عن هذا ، وما سقط مما جعلوه للأوثان في نصيب الله ردوه إلى نصيب الأوثان وقالوا : إنها لفقيرة ، فذلك قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ)(١). أي : خلق من الزرع والأنعام" نصيبا".

وفي الآية إضمار.

قال الزجاج (٢) : المعنى : وجعلوا لله نصيبا وجعلوا لشركائهم نصيبا ، يدل عليه قوله : (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا). فدل بالإشارة إلى النصيبين.

(فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) قرأ الكسائي : بزعمهم بضم الزاي ، وهي لغة

__________________

(١) أخرجه الطبري (٨ / ٤٠) ، وابن أبي حاتم (٤ / ١٣٩٠ ـ ١٣٩١) ، والبيهقي في سننه (١٠ / ١٠).

وانظر : تفسير ابن عباس (ص : ٢١٥). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٦٢) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه.

(٢) لم أقف عليه في معاني الزجاج. وانظر : زاد المسير (٣ / ١٢٨).

١٣

بني أسد ، وفتحها الباقون (١) ، وبعض قيس يكسرون الزاي (٢).

والمعنى : قالوا هذا لله بزعمهم الكاذب واعتقادهم الباطل.

قال شريح القاضي (٣) : لكل شيء كنية ، وكنية الكذب : زعموا (٤).

(فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) قال الحسن : كانوا إذا هلك الذي لأوثانهم أخذوا بدله مما لله ، ولا يفعلون ذلك في ما لله (٥).

وقيل : كانوا إذا حصدوا ما جعلوه لله فوقع منه شيء فيما جعلوه لآلهتهم تركوه ، وقالوا : هي إليه محتاجة ، فإذا حصدوا ما جعلوه لآلهتهم فوقع منه شيء فيما جعلوه لله أعادوه إلى موضعه. وهكذا كانوا يفعلون في البدن إذا وقع من أحد النصيبين في الآخر. وفي السقي إذا انفجر ماء أحد النصيبين إلى الآخر.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي : قبح الحكم حكمهم ؛ حيث آثروا الأصنام على الله تعالى الذي ذرأ الحرث والأنعام.

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٢١٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٣) ، والكشف (١ / ٤٥٣) ، والنشر (٢ / ٢٦٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٧) ، والسبعة في القراءات (١ / ٢٧٠).

(٢) انظر : زاد المسير (٣ / ١٢٨).

(٣) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم سنان ، قاضي الكوفة ، ويقال : شريح بن شراحيل ، أو ابن شرحبيل ، أبو أمية ، ممن أسلم في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانتقل من اليمن زمن الصدّيق. مات سنة ثمان وسبعين ، وقيل : سنة ثمانين (سير أعلام النبلاء ٤ / ١٠٠).

(٤) القرطبي (٧ / ٩٠ ، ١٨ / ١٣٥).

(٥) الماوردي (١ / ١٧٤) ، والوسيط (٢ / ٣٢٦) ، وزاد المسير (٣ / ١٢٩).

١٤

شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١٣٧)

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك الفعل القبيح.

(زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) قال الحسن ومجاهد : «شركاؤهم» : شياطينهم (١).

وقال قتادة : شركاؤهم في الشرك (٢).

وقال الزجاج (٣) : سدنة الأصنام ، زيّنوا لهم قتل أولادهم بوأد البنات خشية الفقر والنحر للآلهة.

قال ابن السائب : كان أحدهم يحلف إن ولد له كذا وكذا غلاما لينحرنّ أحدهم ، كما حلف عبد المطلب (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٨ / ٤٣) ، وابن أبي حاتم (٤ / ١٣٩٣) ، ومجاهد (ص : ٢٢٤). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٦٣) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) الماوردي (١ / ١٧٤) ، وزاد المسير (٣ / ١٣٠).

قال ابن الجوزي : وللمفسرين في المراد ب" شركائهم" أربعة أقوال :

أحدها : أنهم الشياطين ، قاله الحسن ومجاهد والسدي.

والثاني : شركاؤهم في الشرك ، قاله قتادة.

والثالث : قوم كانوا يخدمون الأوثان ، قاله الفراء والزجاج.

والرابع : أنهم الغواة من الناس ، ذكره الماوردي.

وإنما أضيف الشركاء إليهم لأنهم هم الذين اختلقوا ذلك وزعموه.

(٣) لم أقف عليه في معاني الزجاج. وقد عزا ابن الجوزي النص إليه في : زاد المسير (٣ / ١٣٠).

(٤) الماوردي (١ / ١٧٤ ـ ١٧٥) ، وزاد المسير (٣ / ١٣٠).

١٥

وقد اختلف القرّاء في هذا الحرف ، فقرأ الأكثرون «زيّن» بفتح الزاي على البناء للفاعل ، الذي هو «شركاؤهم» ، على معنى : زين لهم الشركاء قتل الأولاد ، وهذا وجه ظاهر.

وقرأ ابن عامر : زين بضم الزاي ، على البناء للمفعول الذي هو القتل ، (أَوْلادِهِمْ) بالنصب ، أعملوا فيه القتل ، (شُرَكائِهِمْ) بالجر ، على إضافة القتل إليهم (١) ، التقدير : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم ، فأضاف القتل إلى الشركاء وإن لم يباشروه ؛ لأنّهم زينوه لآبائهم ودعوهم إليه.

وقد ضعفوا هذه القراءة للفصل بين المضاف والمضاف إليه.

قال أبو علي الفارسي (٢) : وهذا قبيح قليل الاستعمال ، ولكنه جاء في الشعر ، كما أنشده أبو الحسن الأخفش (٣) :

فزججتها متمكّنا

زجّ القلوص أبي مزاده (٤)

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٢١٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٣) ، والكشف (١ / ٤٥٣) ، والنشر (٢ / ٢٦٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٧٠).

(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٢١٤ ، ٢١٥).

(٣) الأخفش ، إمام النحو ، أبو الحسن ، سعيد بن مسعدة البلخي ثم البصري ، مولى بني مجاشع ، كان قدريا ، أخذ عن الخليل بن أحمد ولزم سيبويه حتى برع ، وكان من أسنان سيبويه بل أكبر ، وله كتب كثيرة في النحو والعروض ومعاني القرآن ، مات الأخفش سنة نيف عشرة ومئتين وقيل سنة عشر. (السير ١٠ / ٢٠٦).

(٤) انظر البيت في : الكتاب (١ / ١٧٦) ، وتخليص الشواهد (ص : ٨٢) ، والخزانة (٤ / ٤١٥ ، ٤١٦ ، ٤١٨ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٣) ، ومعاني الفراء (١ / ٣٥٨) ، والخصائص (٢ / ٤٠٦) ، والأشموني (٢ / ٣٢٧) ، وشرح المفصل (٣ / ١٨٩) ، ومجالس ثعلب (ص : ١٥٢) ، والحجة للفارسي (٢ / ٢١٥) ، والدر المصون (٣ / ١٨٧) ، والطبري (٨ / ٤٤) ، والقرطبي (٨ / ٣٣). ـ

١٦

أي : زجّ أبي مزاده القلوص.

وقال الزمخشري (١) : الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف شيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر ، كان سمجا مردودا ، فكيف في الكلام المنثور؟ فكيف [به](٢) في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.

والذي حمله على ذلك : أن رأى [في](٣) بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء ، ولو قرأ بجرّ «الأولاد» و «الشركاء» ، لأن الأولاد شركاؤهم [في أموالهم](٤) لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.

قلت : وقد روي عن (٥) ابن عامر أنه قرأ بجرّ «الأولاد» على الإضافة ، وجرّ «الشركاء» على البدل من «الأولاد» ، لأنهم يشاركون آباءهم في النسب والميراث والدين.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن البصري : «زيّن» بضم الزاي ، «قتل» بالرفع ، كابن عامر ، «أولادهم» بالجرّ للإضافة ، «شركاؤهم» بالرفع (٦).

قال سيبويه : كأنه قيل : من زيّنه؟ قال : شركاؤهم.

__________________

ـ والزج : الطعن ، والقلوص : الناقة الشابة ، وهو مفعول فاصل بين المضاف والمضاف إليه شذوذا.

يقول : فطعنت الناقة أو الجماعة برمح قصير ، كطعن أبي مزادة القلوص في السير.

(١) الكشاف (٢ / ٦٦).

(٢) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٣) مثل السابق.

(٤) مثل السابق.

(٥) قوله : «عن» مكرر في الأصل.

(٦) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٣ / ١٣٠) ، والدر المصون (٣ / ١٨٧).

١٧

قوله تعالى : (لِيُرْدُوهُمْ) أي : ليهلكوهم بالإغواء. واللام في" ليردوهم" و" ليلبسوا" ـ على قول الحسن ومجاهد أنّ التزيين من الشياطين ـ : للتعليل والعرض ، وعلى قول من قال : أنّ التزيين من السدنة أو الشركاء في الشرك ، فهي لام الضرورة.

(وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي : ليخلطوه.

قال ابن عباس : ليدخلوا عليهم الشك ، وكانوا على دين إسماعيل ، فرجعوا عنه بتزيين الشياطين (١).

(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) أي : ما فعل المشركون ما زيّن لهم من قتل الأولاد ، أو ما فعل الشركاء أو الشياطين أو السدنة التزيين ولا الإرداء ولا اللبس.

ثم هددهم فقال : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) ، أي : فدعهم وما يختلقون من الإفك وما يتقوّلون من الباطل ، فأنا الذي أجازيهم على افترائهم.

قال ابن عباس : كانوا إذا دفنوا بناتهم قالوا : إن الله أمرنا بذلك (٢).

(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ

__________________

(١) الوسيط (٢ / ٣٢٨) ، وزاد المسير (٣ / ١٣١).

(٢) زاد المسير (٣ / ١٣١).

١٨

سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) (١٤٠)

قوله تعالى : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) والحجر : الحرام ، وأصله من الحجر ، وهو المنع ، ومنه : فلان في حجر القاضي ، أي : في منعه الصادّ له عن التصرف في ماله (١).

والحجر : العقل ؛ لأنّه يمنع من التورط في المهالك.

وضم الحاء لغة قرأ بها الحسن البصري وقتادة (٢).

وقرأ ابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عباس في آخرين : «حرج» بتقديم الراء على الجيم (٣) ، مثل : جذب وجبذ.

" وحجر" فعل بمعنى مفعول ؛ كالذّبح والطّحن ، ويستوي في الوصف به المذكر والمؤنث ، والواحد والجمع.

وأشاروا بقولهم : (هذه حجر) إلى البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. وقيل : إلى الذبائح التي كانوا يذبحونها لآلهتهم وإلى ما كانوا يجعلونه لها من زروعهم.

(لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) قال ابن السائب : هم الرجال دون النساء (٤).

__________________

(١) انظر : اللسان ، مادة : (حجر).

(٢) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢١٨).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٣ / ١٣١) ، والدر المصون (٣ / ١٩٥).

(٤) الماوردي (٢ / ١٧٥) ، وزاد المسير (٣ / ١٣١).

١٩

وقال ابن زيد : بالعكس من ذلك (١).

وقيل : سدنة الأوثان.

وفي قوله : (بِزَعْمِهِمْ) إشعار بأنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم.

(وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وهي البحائر والسوائب والحوامي حين تذبح ، (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) وإنما يذكرون عليها اسم الصنم.

وقيل : هي التي لا يحجّون عليها ولا يلبّون على ظهورها.

والمعنى : أنهم قسموا أنعامهم فقالوا : هذه أنعام حجر ، وهذه أنعام محرمة الظهور ، وهذه أنعام لا يذكرون اسم الله عليها ، فنوّعوها على هذا التنويع ، ونسبوا ذلك إليه افتراء واجتراء عليه.

و (افْتِراءً) نصب على [غير](٢) المصدر.

وقيل : على الحال ، أو هو مفعول لأجله (٣).

(سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : يجزيهم بكذبهم في قولهم : " إن الله أمرنا بذلك".

قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) أي : ما في بطون البحائر والسوائب والوصائل من الأجنّة والألبان ، (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي : ما انفصل عنها حيا خالص للذكور دون الإناث ، وما ولد منها ميتا اشترك في أكله الذكور والإناث.

__________________

(١) زاد المسير (٣ / ١٣٢).

(٢) زيادة على الأصل. وانظر : الدر المصون (٢ / ١٩٦).

(٣) وهو مذهب سيبويه. انظر : الكتاب (١ / ٣٦٧). وانظر : الدر المصون (٢ / ١٩٦).

٢٠