رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

وقال ابن قتيبة (١) : الخمر العتيقة.

وقال الحسن : هو عين في الجنة مشوبة بالمسك (٢).

ومعنى مختوم : أنه ختم ومنع من أن يمسه ماسّ ، أو تتناوله يد إلى أن ينفكّ (٣) ختمه للأبرار في الجنة. وهذا معنى قول مجاهد (٤).

قال ابن عباس : ختمه الذي يختم به الإناء مسك (٥).

وقال غيره : (خِتامُهُ مِسْكٌ) [تفسير](٦) لقوله : " مختوم" ، على معنى : آخر طعمه مسك. أي : رائحة المسك.

وقيل : يمزج بالكافور ، ويختم مزاجه بالمسك.

وقرأت للكسائي من طرقه المشهورة : " خاتمه" بألف قبل التاء (٧). وقرأت له من رواية الشيزري : " خاتمه" بكسر التاء (٨) ، وكلتاهما بمعنى واحد.

أي : ما يختم به ويقطع مسك.

__________________

(١) تفسير غريب القرآن (ص : ٥١٩).

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٥٨).

(٣) في ب : يفتكّ.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٤٨).

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٠٦) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٥١) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في البعث.

(٦) في الأصل : تفسيرا. والتصويب من ب.

(٧) الحجة للفارسي (٤ / ١٠٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٤) ، والكشف (٢ / ٣٦٦) ، والنشر (٢ / ٣٩٩) ، والإتحاف (ص : ٤٣٥) ، والسبعة (ص : ٦٧٦).

(٨) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٥٩) ، والدر المصون (٦ / ٤٩٤).

٥٤١

(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) التنافس : كالتشاحّ على الشيء والتنازع فيه.

والمعنى : وفي ذلك فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة الموصلة إليه.

قوله تعالى : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال ابن مسعود : هو عين في الجنة يشربها المقربون صرفا ، وتمزج لأصحاب اليمين (١).

قال حذيفة بن اليمان : هي عين في جنة عدن (٢). وعدن : دار الرحمن ، فأهل عدن جيرانه.

وسئل ابن عباس عن قوله : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) فقال : هذا مما يقول الله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)(٣) [السجدة : ١٧].

وقال صاحب الكشاف (٤) : " تسنيم" : علم لعين [بعينها](٥) ، سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه ؛ إما لأنها أرفع شراب في الجنة ، وإما لأنها تأتيهم من فوق ، على [ما](٦) روي أنها تجري في الهواء متسنّمة [فتنصبّ](٧) في أوانيهم.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٠٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٠) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٤٤ ح ٣٤٠٩١). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٥٢) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٢٣١) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٥٢) وعزاه لابن المنذر.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٤٩).

(٤) الكشاف (٤ / ٧٢٤).

(٥) في الأصل : بطينها. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٦) زيادة من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٧) في الأصل : فتصب. والمثبت من ب.

٥٤٢

و"(عَيْناً)" نصب على المدح.

وقال الزجاج (١) : نصب على الحال ، ويكون"(تَسْنِيمٍ)" معرفة ، و"(عَيْناً)" نكرة.

قال الزجاج أيضا (٢) : ويجوز أن تكون منصوبة بقوله : يسقون عينا ، أي : من عين.

وقال غيره : يجوز أن يكون تمييزا.

وقوله : (يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) مفسّر في" هل أتى" (٣).

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٣٦)

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) يعني : كفار قريش (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) مثل صهيب وعمار وخباب وبلال ، وغيرهم من المستضعفين بمكة (يَضْحَكُونَ) استهزاء بهم.

(وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ) أي : وإذا مرّ المؤمنون بالكفار (يَتَغامَزُونَ) بالأعين والحواجب ، على وجه السخرية منهم.

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٣٠١).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٣٠١).

(٣) عند الآية رقم : ٦.

٥٤٣

وقال ابن السائب ومقاتل (١) : نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذلك أنه مرّ هو ونفر من المؤمنين بالمنافقين فسخروا منهم وضحكوا وتغامزوا ، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه ، فأنزل الله هذه الآيات قبل أن يصل عليّ إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله تعالى : (وَإِذَا انْقَلَبُوا) يعني : الكفار (إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا) فاكهين.

وقرأ حفص : "(فَكِهِينَ)" بغير ألف (٢). وقد ذكرنا وجه القراءتين في يس (٣).

والمعنى : انقلبوا متلذذين بالاستهزاء والسخرية من المؤمنين.

(وَإِذا رَأَوْهُمْ) أي : وإذا رأى كفار مكة أصحاب محمد (قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ). وصفوهم بالضلال ؛ لمباينتهم عبادة الأصنام ، ومخالفتهم ما كان عليه أسلافهم.

قال الله تعالى : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ) يعني : الكفار على المؤمنين (حافِظِينَ) يحفظون عليهم أعمالهم أي : [لم](٤) يوكّلوا على ذلك ، فما لهم يحكمون عليهم بالضلال ، ويسجلون عليهم به. وفيه تهكّم بالكفار.

وجوّز بعضهم أن يكون هذا من تمام قول الكفار ، وأنهم إذا رأوا المؤمنين قالوا : إن هؤلاء لضالون ، وأنهم [لم](٥) يرسلوا عليهم حافظين ؛ إنكارا لرسالة

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٦٣).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١٠٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٥) ، والكشف (٢ / ٣٦٦) ، والنشر (٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥) ، والإتحاف (ص : ٤٣٥) ، والسبعة (ص : ٦٧٦).

(٣) عند الآية رقم : ٥٥.

(٤) زيادة من ب.

(٥) زيادة من ب.

٥٤٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما كان عليه هو ومن يعاضده من المؤمنين ، من صدّهم عن الشرك ، ودعائهم إلى التوحيد.

(فَالْيَوْمَ) يعني : في الآخرة (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ).

قال أبو صالح : يقال لأهل النار وهم [فيها](١) : اخرجوا ، وتفتح لهم أبوابها ، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج ، والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك ، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم ، فذلك قوله : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)(٢).

(عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) إلى عذاب عدوهم.

وقوله : "(عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ)" في محل الحال [من](٣) "(يَضْحَكُونَ)" (٤).

وقد ذكرنا عند قوله في الصافات : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [٥٥] كيفية اطلاع أهل الجنة على أهل النار.

قوله تعالى : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ) وقرأ حمزة والكسائي : " هل ثوب" بإدغام اللام في الثاء ؛ لقرب مخرجهما (٥).

والمعنى : هل جوزوا. يقال : ثوّبه وأثابه ؛ إذا جازاه.

قال أوس :

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٥٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦١).

(٣) في الأصل : في. والمثبت من ب.

(٤) انظر : الدر المصون (٦ / ٤٩٤).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ١٠٦) ، والإتحاف (ص : ٤٣٥) ، والسبعة (ص : ٦٧٦).

٥٤٥

سأجزيك أو يجزيك عنّي مثوّب

وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي (١)

والمعنى : هل جوزي الكفار بسخريتهم بالمؤمنين في الدنيا.

والاستفهام بمعنى التقرير ، ومضمونه : تعظيم ما جوزوا به من العذاب المهين.

ومن هذا الطرز ما كتبه بعض الفضلاء ، المبرّزين في العلوم الشرعية والأدبية إلى قاض ، وكان بلغه أنه غضّ منه فذكر (٢) كلاما بليغا في معرض القدح فيه إلى أن قال :

يا حاكما صدّ عنّي

وسلّ سيف التّجنّي

ضيّعت لي منك

ما قد حفظته لك منّي

فاسمع عتابي صريحا

فإنني لست أكني

وإن كنيت فإني

بالقول إياك أعني

ما ذا دعاك إلى أن

قلبت ظهر المجنّ

فصرت تهدم ما

كنت من إخائك أبني

[إلى أن قال](٣) :

وصرت تبدي وقارا

وسطوة أي بأنّي

__________________

(١) البيت لأوس بن حجر ، وهو في : البحر (٨ / ٤٣٥) ، والدر المصون (٦ / ٤٩٥) ، والكشاف (٤ / ٧٢٥) ، وروح المعاني (٣٠ / ٧٧) ، والأغاني (١١ / ٧٧).

(٢) قوله : " فذكر" ساقط من ب.

(٣) زيادة من ب.

٥٤٦

قاضيكم فاعرفوني

وعظّموني لأنّي

ثم قال كلاما آخر ختمه بقوله :

أوجعت قلبي فقل لي

أوجعت قلبك أم لا؟

يريد بذلك : تنبيهه على عظيم ما رماه به من القول الموجع ، والأذى المفرط. والله سبحانه وتعالى أعلم.

٥٤٧

سورة الانشقاق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمس وعشرون آية ، وهي مكية بإجماعهم (١).

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً)(١٥)

قال الله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) قال علي عليه‌السلام : تنشق السماء من المجرّة (٢).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٦٨).

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١١). وذكره الماوردي (٦ / ٢٣٣) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٥٥) وعزاه لابن أبي حاتم.

٥٤٨

قال المفسرون : انشقاقها من علامات الساعة (١). وذلك مذكور في مواضع من كتاب الله (٢).

فإن قيل : أين جواب" إذا"؟

قلت : المختار عند المحققين أنه محذوف ؛ ليذهب الذهن [إلى](٣) كل مذهب من أنواع الأهوال.

قال بعضهم (٤) : حذف الجواب اكتفاء بما علم في [نظيرتيهما](٥) ، وهما التكوير والانفطار.

وقيل : جوابها ما دلّ عليه قوله : (فَمُلاقِيهِ). أي : إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه. وهو اختيار الزجاج (٦).

وقال المبرد (٧) : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت.

قوله تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) أي : استمعت له ، ومنه قوله عليه‌السلام : «ما أذن

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ٢٣٣) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٤٥١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٢).

(٢) الفرقان آية رقم : (٢٥) ، والرحمن آية رقم : (٣٧) ، والحاقة آية رقم : (١٦).

(٣) زيادة من ب.

(٤) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٢٦).

(٥) في الأصل : نظيرتها. والتصويب من ب.

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٣٠٣).

(٧) انظر قول المبرد في : الطبري (٣٠ / ١١٤) بلا نسبة ، وزاد المسير (٩ / ٦٣).

٥٤٩

الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن» (١).

ومنه قول الشاعر :

صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به

وإن ذكرت بشرّ عندهم أذنوا (٢)

ومعنى الآية : أطاعت ربها في الانشقاق ، وحقّ لها أن تطيعه.

قوله تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) قال ابن عباس : تمدّ مدّ الأديم ، ويزاد في سعتها (٣).

قال مقاتل (٤) : لا يبقى عليها بناء ولا جبل إلا دخل فيها.

(وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الموتى والكنوز (وَتَخَلَّتْ) مما في باطنها من ذلك.

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) في إلقاء ما في باطنها وتخلّيها منه (وَحُقَّتْ) بأن تأذن له.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) قال الزجاج (٥) : الكدح في اللغة : السّعي والدّؤوب في العمل في [باب](٦) الدنيا وفي

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٩١٨ ح ٤٧٣٥ ، ٦ / ٢٧٢٠ ح ٧٠٤٤) ، ومسلم (١ / ٥٤٦ ح ٧٩٢) من حديث أبي هريرة.

(٢) البيت لقعنب بن أم صاحب. وهو في : اللسان (مادة : شور ، أذن) ، والمحتسب (١ / ٢٠٦) ، وديوان الحماسة (٢ / ١٧٩) ، ومجاز القرآن (١ / ١٧٧) ، وتاج العروس (مادة : أذن) ، والطبري (٣٠ / ١١٢) ، والقرطبي (١٩ / ٢٦٩) ، والماوردي (٦ / ٢٣٤) ، والبحر المحيط (٨ / ٤٣٨) ، والدر المصون (٦ / ٤٩٧) ، وزاد المسير (٩ / ٦٢) ، وروح المعاني (١٠ / ١٢٦ ، ٣٠ / ٧٨).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٨٥) ، والحارث في مسنده (٢ / ١٠٠١ ح ١١٢٢). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤) وعزاه للحارث بن أبي أسامة وابن جرير بسند حسن.

(٤) لم أقف عليه في تفسير مقاتل. وانظر قول مقاتل في : الوسيط (٤ / ٤٥١) ، وزاد المسير (٩ / ٦٣).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٣٠٤).

(٦) في الأصل : دار. والمثبت من ب ، ومعاني الزجاج ، الموضع السابق.

٥٥٠

باب الآخرة.

قال تميم بن مقبل :

وما الدّهر إلا تارتان فمنهما

أموت [وأخرى](١) أبتغي العيش أكدح (٢)

أي : فتارة أسعى في طلب العيش وأدأب.

وقال مقاتل (٣) : إنك ساع إلى ربك سعيا.

وقال ابن عباس وقتادة وعامة المفسرين : إنك عامل لربك عملا (٤).

وقال ابن قتيبة (٥) : فيه إضمار ، تقديره : إلى لقاء ربك فملاق ربك.

وقيل : فملاق عملك ، وهو الكدح.

وابن كثير يصل الهاء في" فملاقيه" بياء. وقد ذكرنا علة ذلك فيما مضى.

قوله تعالى : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) أي : سهلا.

قالت عائشة رضي الله عنها : هو أن يعرّف ذنوبه ثم يتجاوز عنه (٦).

أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو الحسن الصوفي قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا الفربري ، حدثنا البخاري ،

__________________

(١) في الأصل : أخرى. والتصويب من ب ، ومعاني الزجاج (٥ / ٣٠٤).

(٢) تقدم.

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤٦٤).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١١٥) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٢٢٠ ح ٣٥٤٩٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٥٦) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد. ومن طريق آخر عن الضحاك ، وعزاه لابن أبي شيبة.

(٥) تأويل مشكل القرآن (ص : ٥٢١).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ١١٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٥٧) وعزاه لابن المنذر.

٥٥١

حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ـ يعني : ابن سعيد ـ ، عن عثمان ابن (١) الأسود قال : سمعت ابن أبي مليكة قال : سمعت عائشة تقول : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال البخاري : وحدثنا سليمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال البخاري : وحدثنا مسدد ، عن يحيى ، عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة (٢) ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس أحد يحاسب إلا هلك. قالت : قلت : يا رسول الله جعلني الله فداءك ، أليس يقول الله عزوجل : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) قال : ذاك العرض يعرضون ، ومن نوقش الحساب هلك» (٣). هذا حديث متفق على صحته. وأخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن بشر ، عن يحيى بن سعيد.

وأخرج الحاكم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث من كنّ فيه حاسبه الله حسابا يسيرا ، وأدخله الجنة برحمته ، قالوا : لمن يا رسول الله؟ قال : تعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك. قال : فإذا فعلت ذلك فما لي يا رسول الله؟ قال : تحاسب حسابا يسيرا ، ويدخلك الله الجنة برحمته» (٤).

__________________

(١) في الأصل وب زيادة قوله : أبي. انظر ترجمته في : التهذيب (٧ / ٩٨) ، والتقريب (ص : ٣٨٢) ، وسير أعلام النبلاء (٦ / ٣٣٩).

(٢) حاتم بن أبي صغيرة ، وهو ابن مسلم ، أبو يونس القشيري ، وقيل : الباهلي مولاهم البصري ، ثقة (تهذيب التهذيب ٢ / ١١٢ ، والتقريب ص : ١٤٤).

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٨٥ ح ٤٦٥٥) ، ومسلم (٤ / ٢٢٠٥ ح ٢٨٧٦).

(٤) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٦٣ ح ٣٩١٢).

٥٥٢

قوله تعالى : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) أي : ويرجع إلى أهله في الجنة ، من الآدميات والحور العين (مَسْرُوراً) بما أوتي من الكرامة.

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) قال ابن السائب : لأن يده اليمنى مغلولة إلى عنقه ، وتكون يده اليسرى خلف ظهره (١).

قال مقاتل (٢) : تخلع يده اليسرى فتكون من وراء ظهره.

(فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) يريد : أنه إذا قرأ كتابه دعا : يا ويلاه ، يا ثبوراه. وقد ذكرنا ذلك عند قوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣].

قوله تعالى : (وَيَصْلى سَعِيراً) قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة : " ويصلى" بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام ، أضافوا الفعل إلى الداخل في النار ، فهو الفاعل ، وهو مضمر في الفعل ، وجعلوا الفعل ثلاثيا يتعدى إلى مفعول واحد ، وهو" سعيرا" ، ودليله : إجماعهم على قوله : (وَيَصْلى سَعِيراً) ، وقوله : (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ١٦٣].

وقرأ الباقون : بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام ، على ما لم يسمّ فاعله (٣).

(إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي : إنه كان في الدنيا مسرورا باتباع هواه ، وركوب شهواته ، لا يهمّه أمر آخرته ، ولا ينظر في عاقبة أمره.

(إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) لن يرجع إلى الله ، تكذيبا بالبعث ، يقال : حار يحور

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٥٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٤) بلا نسبة.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٤٦٧).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ١٠٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٥ ـ ٧٥٦) ، والكشف (٢ / ٣٦٧) ، والنشر (٢ / ٣٩٩) ، والإتحاف (ص : ٤٣٦) ، والسبعة (ص : ٦٧٧).

٥٥٣

حورا ؛ إذا رجع (١) ، وأنشدوا قول لبيد :

وما المرء إلا كالشّهاب وضوئه

يحور رمادا بعد إذ هو ساطع (٢)

(بَلى) إيجاب لما بعد النفي في" لن يحور" ، أي : بلى ليحورنّ.

(إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) لا يخفى عليه شيء من أحواله ، فهو يجازيه عليها.

وقال الزجاج (٣) : كان به بصيرا قبل أن يخلقه ، عالما بأن مرجعه إليه.

(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٢٥)

قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) وهو الحمرة التي تخرج وقت المغرب بغيبوبتها.

قال الفراء (٤) : سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ : كأنه الشفق ،

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : حور).

(٢) البيت للبيد. انظر : ديوانه (ص : ١٦٩) ، والبحر (٨ / ٤٣٦) ، والدر المصون (٦ / ٤٩٨) ، والماوردي (٦ / ٢٣٦) ، والقرطبي (١٩ / ٢٧٣) ، وزاد المسير (١ / ٢٢٦ ، ٦ / ٢٥٠ ، ٩ / ٦٥) ، وروح المعاني (٢٣ / ٢ ، ٣٠ / ٨١) ، والأغاني (١٥ / ٣٦٢ ، ١٧ / ٦٩) ، واللسان ، وتاج العروس (مادة : حور) ، والعين (٣ / ٢٨٧).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣٠٥).

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٥١).

٥٥٤

الشفق ، وكان أحمر.

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الشفق : الحمرة» (١). وقد ملّح بعض المتأخرين في قوله :

لو لم يكن وجهه شمس النهار لما

لاحت على وجنتيه حمرة الشّفق

وقال آخر :

قم يا غلام أعنّي غير محتشم

على الزّمان بكأس حشوها شفق (٢)

وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب ، والعبادلة : ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، والسعيدان : ابن المسيب ، وابن جبير ، وطاووس ، ومكحول ، والأوزاعي ، وأبو يوسف ، وأبو عبيد ، وإسحاق بن راهويه ، والأئمة الثلاثة ؛ مالك ، والشافعي ، وأحمد ، والفراء ، والزجاج ، وابن قتيبة ، وعامة العلماء من الفقهاء والمفسرين واللغويين.

وقال مجاهد وعكرمة : الشفق : النهار كله (٣).

وقال عمر بن عبد العزيز : البياض (٤). ويقال أنه رجع عنه.

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) أي : وما جمعه وضمّه ، مما كان منتشرا في النهار ، وذلك أنه بدخول الليل يأوي كلّ ذي وطن إلى وطنه ، وكلّ ذي وكر إلى وكره.

__________________

(١) أخرجه الدارقطني (١ / ٢٦٩ ح ٣).

(٢) انظر البيت في : القرطبي (١٩ / ٢٧٥) وفيه : " مرتبك" بدل : " محتشم".

(٣) أخرجه مجاهد (ص : ٧٤٢) ، والطبري (٣٠ / ١١٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١١).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٦).

٥٥٥

قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أي : تكامل وتمّ ، وذلك ليلة أربع عشرة.

وقال الفراء (١) : اتّساقه : امتلاؤه واجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ، وست عشرة. وهو افتعل من الوسق ، وهو الجمع.

وقد ذكرنا في الذاريات معنى القسم بهذه الأشياء وأمثالها ، وجواب القسم : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ).

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : " لتركبن" بفتح الباء (٢) ، وهي قراءة عمر بن الخطاب ، وابن مسعود وأصحابه ، وابن عباس ، وأبي العالية.

واختلفوا في معناه ، فقيل : هو خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، [حدثنا البخاري](٣) ، حدثنا سعيد بن النضر (٤) ، حدثنا هشيم (٥) ، حدثنا أبو بشر جعفر بن إياس (٦) ، عن مجاهد قال : «قال

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢٥١).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١٠٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٦ ـ ٧٥٧) ، والكشف (٢ / ٣٦٧) ، والنشر (٢ / ٣٩٩) ، والإتحاف (ص : ٤٣٦) ، والسبعة (ص : ٦٧٧).

(٣) زيادة على الأصل. وقد سبق هذا الإسناد كثيرا بهذه الزيادة كما أثبتناه.

(٤) سعيد بن النضر البغدادي ، أبو عثمان ، سكن آمل جيحون ، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين (تهذيب التهذيب ٤ / ٨١ ، والتقريب ص : ٢٤١).

(٥) هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي ، أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي ، قيل : إنه بخاري الأصل ، كان ثقة ثبتا كثير الحديث ، كثير التدليس والإرسال الخفي ، ولد سنة أربع ومائة ، ومات سنة ثلاث وثمانين ومائة (تهذيب التهذيب ١١ / ٥٣ ـ ٥٥ ، والتقريب ص : ٥٧٤).

(٦) جعفر بن إياس وهو ابن أبي وحشية اليشكري ، أبو بشر الواسطي ، بصري الأصل ، ثقة ، مات سنة ست وعشرين ومائة ، وقيل قبل ذلك (تهذيب التهذيب ٢ / ٧١ ، والتقريب ص : ١٣٩).

٥٥٦

ابن عباس : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) قال : حالا بعد حال. قال هذا نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١).

انفرد بإخراجه البخاري.

وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد : المعنى : لتركبن يا محمد سماء بعد سماء (٢).

قال الكلبي : تصعد فيها (٣).

وقيل : لتركبن رتبة بعد رتبة ، ودرجة بعد درجة في القربة إلى الله ورفعة المنزلة.

وقال قوم ، منهم : قتادة : الإشارة إلى السماء ، يريد : أنها تتغير لونا بعد لون ، فتصير تارة كالدهان ، وتارة كالمهل ، [وتشقّق](٤) بالغمام مرة ، وتطوى أخرى (٥).

وقيل : الخطاب للإنسان المنادى بقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ).

فإن قيل : لم يرد إنسانا بعينه ، بل هو اسم جنس؟

قلت : هو كذلك ، لكنه راعى اللفظ ، فخاطب خطاب الواحد.

وقرأ الباقون : "(لَتَرْكَبُنَ)" بضم الباء ، على الخطاب للجنس (٦) ، وهي اختيار أبي

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٨٥ ح ٤٦٥٦).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٢٤) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٢) ، والطبراني في الكبير (١٠ / ٩٥ ح ١٠٠٦٨). وذكره الماوردي (٦ / ٢٣٨) ، والوسيط (٤ / ٤٥٥) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٥٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم في الكنى وابن منده في غرائب شعبه وابن مردويه والطبراني عن ابن مسعود.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٥٥).

(٤) في الأصل : وتتشقق. والمثبت من ب.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٢٤). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٧) كلاهما عن ابن مسعود.

(٦) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ١٠٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٦ ـ ٧٥٧) ، والكشف (٢ / ٣٦٧) ، والنشر (٢ / ٣٩٩) ، والإتحاف (ص : ٤٣٦) ، والسبعة (ص : ٦٧٧).

٥٥٧

عبيد ، [قال](١) : لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه إنما ذكر قبل هذه الآية من يؤتى منهم كتابه بيمينه وشماله ، ثم قال بعدهما : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، وذكر ركوبهم طبقا بعد طبق فيهما.

واختلف المفسرون في معنى : " طبقا عن طبق" ، فقال أكثرهم : حالا بعد حال ، وأمرا بعد أمر في مواقف القيامة (٢).

قال ابن عباس : الشدائد والأهوال ، ثم الموت ، ثم البعث ، ثم العرض (٣).

وقال الحسن : الرخاء بعد الشدة ، والشدة بعد الرخاء ، [والغنى](٤) بعد الفقر ، والفقر بعد الغنى ، والصحة بعد السقم ، والسقم بعد الصحة (٥).

وقال عكرمة : حالا بعد حال ، رضيع ، ثم فطيم ، ثم غلام ، ثم شاب ، ثم شيخ (٦).

وقال سعيد بن جبير : هو تغيّر حال الإنسان في الآخرة بعد الدنيا ، فيرتفع من كان وضيعا ، ويتّضع من كان مرتفعا (٧).

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٢٢ ـ ١٢٤) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١١). وانظر : الدر المنثور (٨ / ٤٥٩).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٨).

(٤) في الأصل : والمعنى. والتصويب من ب.

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢٣٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٨).

(٦) مثل السابق.

(٧) ذكره الماوردي (٦ / ٢٣٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٦٠) وعزاه لابن المنذر.

٥٥٨

قال بعض الحكماء : من كان اليوم على حالة وغدا على حالة أخرى ، فليعلم أن تدبيره إلى غيره (١).

وقال بعض البصراء بالعربية (٢) : الطبق : ما طابق غيره ، فيقال : ما هذا بطبق لذا ، أي : لا يطابقه. ومنه قيل للغطاء : الطبق. وإطباق الثرى : ما تطابق منه ، ثم قيل للحال المطابقة لغيرها : طبق. ومنه قوله : (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي : حالا بعد حال ، كل واحدة مطابقة [لأختها](٣) في الشدة والهول. ويجوز أن يكون جمع طبقة ، وهي المرتبة ، من قولهم : هو على طبقات. ومنه : طبق الظهر لفقاره ، [الواحدة](٤) : طبقة ، على معنى : لتركبن أحوالا بعد أحوال ، هي طبقات في الشدة ، بعضها أرفع من بعض ، وهي الموت ، وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها.

وهاهنا [تمّ](٥) الكلام.

ثم قال منكرا على كفار (٦) مكة ، موبخا لهم : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ).

قال عطاء : لا يصلّون (٧).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٨).

(٢) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٢٨ ـ ٧٢٩).

(٣) في الأصل : لاتها. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٧٢٩).

(٤) في الأصل : الواحد. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٧٢٩).

(٥) في الأصل : ثم. والتصويب من ب.

(٦) في الأصل زيادة قوله : قريش.

(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٥٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦٨) كلاهما عن عطاء وابن السائب الكلبي.

٥٥٩

وقال غيره : لا [يستكينون](١) ولا يخضعون (٢).

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن البغداديان قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا معتمر قال : سمعت أبي ، حدثني بكر ، عن أبي رافع قال : «صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) فسجد ، فقلت : ما هذه؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه» (٣). هذا حديث متفق على صحته. أخرجه مسلم عن عبيد الله بن معاذ وغيره عن المعتمر.

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال : «سجدنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٤).

فصل

احتج من يرى وجوب سجود التلاوة ـ وهو مذهب جماعة ، منهم : سفيان الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه ـ بهذه الآية.

قال القاضي أبو يعلى رحمه [الله](٥) : ولا حجة فيها ؛ لأن المعنى : فما لهم لا يخضعون ، ألا ترى أنه أضاف السجود إلى جميع القرآن ، والسجود يختص بمواضع

__________________

(١) في الأصل : يستكنون. والتصويب من ب.

(٢) ذكره الطبري (٣٠ / ١٢٥).

(٣) أخرجه البخاري (١ / ٣٦٦ ح ١٠٢٨) ، ومسلم (١ / ٤٠٧ ح ٥٧٨).

(٤) أخرجه مسلم (١ / ٤٠٦ ح ٥٧٨).

(٥) زيادة من ب.

٥٦٠