رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

فلما سمع ذلك النضر بن الحارث قال : متى هذا الذي توعدنا؟ فأنزل الله : (قُلْ إِنْ أَدْرِي) أي : ما أدري (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) غاية بعيدة. هذا قول جمهور المفسرين.

وقال بعض المحققين (١) : الأمد يكون قريبا وبعيدا ، ألا ترى إلى قوله : (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران : ٣٠].

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستقرب الموعد ، فكأنه قال : ما أدري أهو حال [متوقع](٢) في كل ساعة ، أو هو مؤجل ضربت له غاية (٣).

قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ) أي : هو عالم الغيب ، [أو هو](٤) نعت ل" ربي". والمعنى : عالم ما غاب عن العباد ، (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) من خلقه.

(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أي : إلا المرتضى المخصوص بالرسالة ، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه.

وفي هذا إبطال لأمر النجوم ، وما يدّعي أصحابها من علم ما غاب عن العباد بالنظر فيها.

قال العلماء بالتفسير : من ادّعى أن النجوم تدلّه على ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن.

(فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) أي : من بين يدي من ارتضاه لرسالته ، (وَمِنْ

__________________

(١) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٣٤).

(٢) في الأصل : مستوقع. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٦٣٤).

(٣) في ب : أو مؤجل له غاية.

(٤) في الأصل : وهو. والتصويب من ب.

٣٢١

خَلْفِهِ رَصَداً) حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين ويحرسونه من الوساوس ؛ لئلا يلبّسوا عليه ، حتى يبلّغ ما أوحي إليه على الوجه الصحيح.

قال الضحاك : ما بعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبّهوا بصورة الملك (١).

وقال السدي : يحفظون الوحي ، فما جاء من عند الله قالوا إنه من عند الله ، وما كان ألقاه الشيطان قالوا إنه من الشيطان (٢).

قوله تعالى : (لِيَعْلَمَ) قال الزجاج (٣) : أي : ليعلم الله أن قد أبلغوا رسالاته. وما بعده يدل على هذا ، وهو قوله : (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).

وقال ابن قتيبة (٤) : ليعلم الله ذلك موجودا.

وقال قتادة : ليعلم [محمد](٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الرسل قبله قد بلغوا رسالات ربهم وحفظوا (٦).

وقال سعيد بن جبير : ليعلم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جبريل بلغ إليه رسالة ربه (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٠٩ ـ ٣١٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ١٢٢).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٣٨).

(٤) تأويل مشكل القرآن (ص : ٤٣٤).

(٥) في الأصل : محمدا. والتصويب من ب.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣١٠) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٧) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٧٨).

٣٢٢

وقرأ يعقوب من رواية رويس : " ليعلم" بضم الياء (١) ، وهي قراءة ابن عباس ، على معنى : ليعلم الناس.

قال ابن قتيبة (٢) : تقرأ : " لتعلم" بالتاء ، يريد : لتعلم الجن أن الرسل [قد](٣) بلّغت لا هم بما رجوا من استراق السمع.

(وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) أي : بما عند الرسل من الحكم والشرائع (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ) من الرمل والقطر وورق الأشجار وغيرها (عَدَداً) المعنى : فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه.

و" عددا" حال ، أي : وضبط كل شيء معدودا محصورا.

وقال الزجاج (٤) : يجوز أن يكون عددا في موضع المصدر المحمول (٥) ، على معنى : وأحصى ، أي : وعدّ كل شيء [عددا](٦). والله تعالى أعلم.

__________________

(١) النشر (٢ / ٣٩٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٢٦).

(٢) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٩٢).

(٣) زيادة من ب ، وتفسير غريب القرآن (ص : ٤٩٢).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٣٨).

(٥) انظر : التبيان (٢ / ٢٧١) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٠).

(٦) في الأصل : عدا. والمثبت من ب ، ومعاني الزجاج ، الموضع السابق.

٣٢٣

سورة المزمل صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثماني عشرة آية في المدني ، وعشرون بالكوفي (١).

وهي مكية إلا قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ ...) إلى آخر السورة (٢).

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(٩)

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قرأ الأكثرون : " المزّمل" بإدغام التاء في الزاي ؛ لقربها منها.

وقرأ جماعة ، منهم : أبي بن كعب ، والأعمش : " المتزمّل" بإظهار التاء على

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٥٧).

(٢) انظر الإتقان (١ / ٥٤) ، وزاد المسير (٨ / ٣٨٧).

قال السيوطي في الإتقان : ويرده : ما أخرجه الحاكم عن عائشة أنه نزل بعد نزول صدر السورة بسنة ، وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس.

٣٢٤

الأصل (١).

وقرأ عكرمة : " المزمّل" بحذف التاء وتخفيف الزاي (٢) ، على معنى : يا أيها المزمّل نفسه.

والمزّمّل : هو الذي تزّمّل في ثيابه ، أي : تلفّف فيها.

قال أبو [عبد الله](٣) الجدلي (٤) : سألت عائشة رضي الله عنها عن قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ما كان تزميله ذلك؟ قالت : كان مرطا ، طوله أربع عشرة ذراعا ، نصفه عليّ وأنا نائمة ، ونصفه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلي. قال أبو عبد الله : فسألتها : ما كان؟ [فقالت : والله ما كان](٥) خزّا ولا قزّا ولا مرعزّى (٦) ولا إبريسم [ولا صوفا](٧) ، كان سداه شعرا ولحمته وبرا (٨).

[وقال](٩) السدي : كان قد تزمّل للنوم (١٠).

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٨٨) ، والدر المصون (٦ / ٤٠١).

(٢) مثل السابق.

(٣) في الأصل : أبو عبيد الله. والمثبت من ب. وكذا وردت في الموضع التالي.

(٤) أبو عبد الله الجدلي الكوفي ، اسمه : عبد بن عبد ، وقيل : عبد الرحمن بن عبد. ثقة رمي بالتشيع (تهذيب التهذيب ١٢ / ١٦٥ ، والتقريب ص : ٦٥٤).

(٥) زيادة من ب.

(٦) المرعزّى : الليّن من الصوف (اللسان ، مادة : رعز).

(٧) في الأصل : وصوفا. والتصويب من ب.

(٨) ذكره الثعلبي (١٠ / ٥٨).

(٩) في الأصل : قال. والمثبت من ب.

(١٠) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٧١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٨٨).

٣٢٥

وقال مقاتل (١) : خرج من البيت وقد لبس ثيابه ، فناداه جبريل : " يا أيها المزمل".

وقال ابن عباس : يا أيها المزمل بالقرآن (٢).

وقال عكرمة : يا أيها المزمل بالنبوة (٣).

فإن قيل : ما الحكمة في ندائه هاهنا بالمزمل دون النبي والرسول؟

قلت : لأن هذه الآية من أول ما خوطب به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رسخ قدمه في النبوة والرسالة ، فخّم وعظّم بالخطاب المنوّه بهما.

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) يعني : قمه مصلّيا.

قال المفسرون : كان قيام الليل فرضا عليه.

وتقديره : قم الليل نصفه إلا قليلا. ف" نصفه" بدل من" الليل" (٤) ، كما تقول : ضربت زيدا رأسه.

و" قليلا" : استثناء منه ، قدّم المستثنى على المستثنى منه ، والضمير في" منه" و" عليه" للنصف (٥).

والمعنى : التخيير بين أمرين ، وهما القيام أقلّ من نصف الليل على البتّ والقطع ، [أو اختيار](٦) أحد الأمرين ، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه.

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٠٩).

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ١٢٥).

(٣) مثل السابق.

(٤) انظر : التبيان (٢ / ٢٧١) ، والدر المصون (٦ / ٤٠١).

(٥) مثل السابق.

(٦) في الأصل : واختيار. والتصويب من ب.

٣٢٦

ويجوز أن يكون" نصفه" بدلا من" قليلا" (١).

(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال ابن عباس : بيّنه تبيينا (٢).

قال الزجاج (٣) : البيان لا يتم بأن تعجل في القراءة ، وإنما يتم التبيين بأن تبيّن جميع الحروف وتوفّي حقها من الإشباع.

قال أبو [جمرة](٤) : قلت لابن عباس : إني رجل في قراءتي وفي كلامي عجلة ، فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة البقرة أرتّلها أحبّ إليّ من أقرأ القرآن كله (٥).

وسئلت عائشة عن قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقالت : لا كسردكم هذا ، لو أراد السامع أن يعدّ حروفه لعدّها (٦).

وقال عمر رضي الله عنه : شرّ السّير : الحقحقة ، وشرّ القراءة : الهذرمة (٧).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٧١) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٢).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٧) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٠) ، وابن أبي شيبة (٢ / ٢٥٥ ح ٨٧٢٥ ، ٦ / ١٤١ ح ٣٠١٥٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣١٣) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٠).

(٤) في الأصل : حمزة. وهو خطأ. والتصويب من ب. وأبو جمرة هو : نصر بن عمران. انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (٥ / ٢٤٣) ، وتهذيب التهذيب (١٠ / ٣٨٥).

(٥) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٢ / ٤٨٩ ح ٤١٨٧) ، وابن المبارك في الزهد (ص : ٤٢٠).

(٦) ذكره الزمخشري في : الكشاف (٤ / ٦٣٨).

(٧) ذكره الزمخشري في : الكشاف (٤ / ٦٣٨).

والحقحقة : شدّة السّير (اللسان ، مادة : حقق).

والهذرمة : السّرعة في القراءة (اللسان ، مادة : هذرم).

٣٢٧

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن [عمرو](١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها» (٢).

فصل

قال أهل التفسير : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطائفة من المؤمنين يقومون من الليل على نحو هذه المقادير ، وشق ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين لموضع احتياطهم وخوفهم من فوات القدر الواجب ، فكانوا يقومون الليل كله ، حتى خفّف الله عنهم ، فأنزل آخر السورة : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).

قال سعيد بن هشام : قلت لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقالت : ألست تقرأ : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)؟ قلت : بلى ، قالت : فإن [الله](٣) افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام نبي الله وأصحابه حولا ، وأمسك الله خاتمتها اثنا عشر شهرا في السماء ، حتى أتى أمر الله في آخر هذه السورة بالتخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد [فريضة](٤).

وذهب جماعة من العلماء إلى أن الله تعالى نسخ فرضيّة قيام الليل في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) [الإسراء : ٧٩] ، وفي حق المؤمنين

__________________

(١) في الأصل : عمر. والتصويب من ب ، والمسند (٢ / ١٩٢).

(٢) أخرجه أحمد (٢ / ١٩٢ ح ٦٧٩٩).

(٣) زيادة من ب.

(٤) في الأصل : فرضه. والتصويب من ب ، والصحيح. والحديث أخرجه مسلم (١ / ٥١٣ ح ٧٤٦).

٣٢٨

بالصلوات الخمس.

وقال [قوم](١) : نسخ في حق الأمة وبقي فرضا عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) يريد : القرآن.

وفي معنى ثقله خمسة أقوال :

أحدها : ما كان يجده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند نزول الوحي عليه.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو الحسن الصوفي قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها «أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو [أشدّه](٢) عليّ ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصّد عرقا» (٣). هذا حديث متفق على صحته ، وأخرجه مسلم عن أبي بكر عن أبي أسامة عن هشام.

وفي الصحيحين أيضا من حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول لعمر رضي الله عنه : «ليتني أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين ينزل عليه الوحي ، فلما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجعرانة جاءه رجل فسأله عن شيء ، فجاءه الوحي ، فأشار عمر إلى يعلى أن تعال ،

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : أشد. والتصويب من الصحيح ومن ب.

(٣) أخرجه البخاري (١ / ٤ ح ٢) ، ومسلم (٤ / ١٨١٦ ح ٢٣٣٣).

٣٢٩

فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو [محمرّ](١) يغطّ كذلك ساعة ، ثم سرّي عنه» (٢).

وفي حديث زيد بن ثابت [قال](٣) : «إني لقاعد إلى جنب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أوحي إليه وغشيته السكينة ، ووقع فخذه على فخذي ، فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٤). وقد ذكرنا الحديث في سورة النساء عند قوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) [النساء : ٩٥].

وقال أبو أروى الدوسي : «رأيت الوحي ينزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنه على راحلته ، حتى أظن أن ذراعها ينقصم ، فربما بركت وربما قامت موتدة يديها ، حتى يسرّى عنه من ثقل الوحي ، وإنه ليتحدر عنه مثل [الجمان](٥)» (٦).

وقالت عائشة رضي الله عنها : إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها (٧).

وقال عبادة بن الصامت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب له ، وتربّد وجهه (٨).

القول الثاني : أن المراد بثقله : مشاقّ تكاليفه.

__________________

(١) في الأصل : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والمثبت من ب.

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٥٧٣ ح ٤٠٧٤) ، ومسلم (٢ / ٨٣٧ ح ١١٨٠).

(٣) زيادة من ب.

(٤) أخرجه أبو داود (٣ / ١١ ح ٢٥٠٧).

(٥) في الأصل : الجمانة. والتصويب من ب ، والطبقات الكبرى (١ / ١٩٧).

(٦) ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١٩٧).

(٧) أخرجه أحمد (٦ / ١١٨ ح ٢٤٩١٢).

(٨) أخرجه مسلم (٤ / ١٨١٧ ح ٢٣٣٤).

٣٣٠

قال قتادة : [ثقيل](١) والله! فرائضه وحدوده (٢).

وقال الحسن : إن الرجل ليهذّ (٣) السورة ، ولكن العمل به ثقيل (٤).

الثالث : أنه يثقل (٥) في الميزان يوم القيامة. قاله ابن زيد (٦).

الرابع : أن معنى ثقله : رصانة ألفاظه ومبانيه ، وصحة معانيه ، كما تقول : هذا قول له وزن ؛ إذا استجدّته.

قال الزجاج (٧) : معناه : أنه له وزن في صحته وبيانه ونفعه.

قال الفراء (٨) : ليس بالخفيف ولا بالسفساف ؛ لأنه كلام الرب عزوجل.

الخامس : أنه مهيب ، [كما](٩) يقال للرجل العاقل : رزين راجح. قاله عبد العزيز بن يحيى (١٠).

قوله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) يعني : ساعاته.

__________________

(١) في الأصل : تثقل. والمثبت من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣١٥) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن نصر.

(٣) الهذّ : سرعة القطع ، تقول : تهذ القرآن هذّا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر (النهاية في غريب الحديث ٥ / ٢٥٤).

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٧).

(٥) في ب : ثقيل.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٧).

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٠).

(٨) معاني الفراء (٣ / ١٩٧).

(٩) زيادة من ب.

(١٠) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٩٠).

٣٣١

قال المفسرون واللغويون : الليل كله ناشئة.

قال الزجاج (١) : كل ما نشأ منه ، أي : كل ما حدث منه فهو ناشئة.

قال أبو علي الفارسي (٢) : كأنّ المعنى : إن صلاة ناشئة الليل أو عمل ناشئة الليل.

قالت عائشة رضي الله عنها : الناشئة : القيام بعد النوم (٣). وإلى هذا المعنى ذهب الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية المروذي عنه.

وقال أنس بن مالك : هي ما بين المغرب والعشاء (٤).

وقال الحسن ومجاهد وقتادة : هي بعد العشاء (٥).

وقال عكرمة : ما قمت من أول الليل فهو ناشئة (٦).

وقال يمان وابن كيسان : هي القيام من آخر الليل (٧).

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٠).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٧١).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٧٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٩١).

(٤) أخرجه البيهقي في الكبرى (٣ / ٢٠ ح ٤٥٢٩) ، وابن أبي شيبة (٢ / ١٥ ح ٥٩٢٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣١٧) وعزاه لابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه.

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٢٨ ، ١٢٩) ، والبيهقي في الكبرى (٣ / ٢٠ ح ٤٥٣١). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣١٦ ـ ٣١٧) وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة. ومن طريق آخر عن الحسن ، وعزاه لعبد بن حميد وابن نصر والبيهقي في سننه. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن نصر.

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ١٢٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٩١).

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٩١).

٣٣٢

قال صاحب الكشاف (١) : " ناشئة الليل" : هي النفس الناشئة بالليل ، التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة ، أي : تنهض وترتفع ، من نشأت السحابة ؛ إذا ارتفعت ، ونشأ من مكانه ؛ إذا نهض ، قال :

نشأنا إلى [خوص برى](٢) نيّها السّرى

وألصق منها مشرفات المقاحد (٣)

قلت : [الخوص](٤) : ضيق العين وغؤورها (٥) ، والنيّ : الشحم ، والمقاحد : جمع مقحاد ، وهي الناقة الضخمة السنام ، والقحدة : أصل السنام (٦).

قال (٧) : أو قيام الليل ، على [أن](٨) الناشئة مصدر من نشأ ؛ إذا قام ونهض ، على فاعلة ؛ كالعافية. ويدل عليه قول عائشة رضي الله عنها ، وقد ذكرته.

(هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) قرأ ابن عامر وأبو عمرو : " وطاء" بكسر الواو وفتح الطاء والمد. وقرأ الباقون بفتح الواو وسكون الطاء من غير مد (٩).

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٣٩).

(٢) في الأصل : حوض يرى. والمثبت من ب.

(٣) انظر البيت في : الكشاف (٤ / ٦٣٩) ، والبحر (٨ / ٣٥٤) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٤) ، وروح المعاني (٢٩ / ١٠٥).

(٤) في الأصل : الحوص. والتصويب من ب.

(٥) في ب : وعوورها.

(٦) انظر : الصحاح للجوهري (٢ / ٥٢١ ـ ٥٢٢).

(٧) أي : الزمخشري في الكشاف.

(٨) زيادة من ب ، والكشاف (٤ / ٦٣٩).

(٩) الحجة للفارسي (٤ / ٧١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٠) ، والكشف (٢ / ٣٤٤) ، والنشر (٢ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٦) ، والسبعة (ص : ٦٥٨).

٣٣٣

فالقراءة الأولى مصدر [واطأ](١) يواطئ وطاء ، مثل : قاتل يقاتل قتالا.

والمعنى : إن ناشئة الليل هي خاصة دون ناشئة النهار أشدّ مواطأة يواطئ [قلبها](٢) لسانها ؛ إن أردت النفس ، أو يواطئ فيها [قلب](٣) القائم لسانه ؛ إن أردت القيام أو العبادة أو الساعات.

وقال الحسن : أشد موافقة بين السر والعلانية ، لانقطاع رؤية الخلائق (٤).

قال ابن قتيبة وأبو علي وغيرهما (٥) : من قرأ : " وطأ" على فعل ، فالمعنى : أنه أشقّ على الإنسان من القيام بالنهار ؛ لأن الليل للدّعة والسكون ، ومنه الحديث : «اللهم اشدد وطأتك على مضر» (٦).

(وَأَقْوَمُ قِيلاً) أسدّ مقالا وأصحّ قراءة ؛ لهدوّ الأصوات ، وسكون القلوب ، وعدم الشواغل.

وفي قراءة أنس : " وأصوب قيلا" (٧).

قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) قال ابن عباس : فراغا لنومك وراحتك ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك (٨).

__________________

(١) في الأصل : وطأ. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : قبلها. والتصويب من ب.

(٣) في الأصل : قبل. والتصويب من ب.

(٤) ذكره الزمخشري في : الكشاف (٤ / ٦٣٩).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٧١) ، وتأويل مشكل القرآن (ص : ٣٦٥).

(٦) أخرجه البخاري (١ / ٣٤١ ح ٩٦١) ، ومسلم (١ / ٤٦٦ ح ٦٧٥).

(٧) انظر هذه القراءة في : الدر المصون (٦ / ٤٠٥) ، والكشاف (٤ / ٦٤٠).

(٨) ذكره الماوردي (٦ / ١٢٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٩٢).

٣٣٤

وقال غيره : السّبح : سرعة الذهاب ، ومنه : السباحة في الماء ، وفرس سابح ، أي : شديد الجري (١).

فالمعنى : إن لك في النهار تصرفا وتقلّبا في مهمّاتك وحوائجك.

قال الواحدي (٢) : السّبح : التّقلّب ، ومنه : السابح في الماء ؛ لتقلبه بيديه ورجليه (٣).

وقرأ جماعة ، منهم : ابن مسعود ، وابن يعمر ، وأبو عمران : " سبخا" بالخاء المعجمة (٤).

قال الزجاج (٥) : معناه قريب من معنى السّبح.

قال غيره : أراد خفّة [وسعة](٦) واستراحة ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة وقد دعت على سارق سرقها : «لا تسبّخي بدعائك عليه ، أي : لا تخفّفي» (٧).

والتّسبيخ : توسيع القطن والصوف ونفشهما ، يقال للمرأة : سبّخي قطنك ، ويقال لقطع القطن إذا ندف : سبائخ (٨).

قال الأخطل يصف القناص والكلاب :

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : سبح).

(٢) الوسيط (٤ / ٣٧٤).

(٣) انظر : اللسان (مادة : سبح).

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٥).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٢٤١).

(٦) في الأصل : وسرعة. والمثبت من ب.

(٧) أخرجه أبو داود (٢ / ٨٠ ح ١٤٩٧).

(٨) انظر : اللسان (مادة : سبخ).

٣٣٥

فأرسلوهنّ يذرين التراب كما

يذري سبائخ قطن ندف أوتار (١)

قال ثعلب : ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الحمّى من فيح جهنم فسبّخوها بالماء» (٢).

قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي : انقطع إلى الله في العبادة ، ومنه قيل لمريم : البتول.

والمعنى : بتّل نفسك. وعليه جاء المصدر مراعاة للفواصل.

قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) قرأ ابن عامر ويعقوب وأهل الكوفة إلا حفصا : " ربّ" بالجر على البدل من" ربك".

وقرأ الباقون من العشرة : " ربّ" بالرفع على المدح (٣). أو هو مبتدأ ، خبره : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(٤). وقد سبق تفسيره.

(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً

__________________

(١) البيت للأخطل. انظر : ديوانه (ص : ١٤٠) ، واللسان (مادة : سبخ) ، والطبري (٢٩ / ١٣٢) ، والقرطبي (١٩ / ٤٣) ، والبحر (٨ / ٣٥٥) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٥) ، وروح المعاني (٢٩ / ١٠٦) ، وتاج العروس (مادة : سبخ ، ندف) ، والعين (٤ / ٢٠٤).

(٢) ذكره بهذا اللفظ : القرطبي (١٩ / ٤٣). وأصل الحديث أخرجه البخاري (٣ / ١١٩١ ح ٣٠٩١) ، ومسلم (٤ / ١٧٣١ ح ٢٢٠٩) من حديث ابن عمر ولفظهما : " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء".

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٧٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣١) ، والكشف (٢ / ٣٤٥) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٦) ، والسبعة (ص : ٦٥٨).

(٤) انظر : التبيان (٢ / ٢٧١) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٦).

٣٣٦

(١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً)(١٩)

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي : على ما يقولون من التكذيب والأذى ، (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) لا جزع فيه ، وهذا قبل الأمر بالقتال.

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) أي : أولي التنعّم.

المعنى : لا تهتم بهم فإني أكفيك أمرهم.

قالت عائشة رضي الله [عنها](١) : لما نزلت : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) لم يكن إلا يسيرا حتى كانت وقعة بدر (٢).

قوله تعالى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) وهي القيود ، واحدها : نكل.

قال الكلبي : أغلالا من حديد (٣).

وقال أبو عمران الجوني : قيود لا تحلّ (٤).

(وَجَحِيماً* وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) لا يسوغ في الحلق.

__________________

(١) في الأصل : عنهما. والمثبت من ب.

(٢) أخرجه الحاكم (٤ / ٦٣٦ ح ٨٧٥٧) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والطبري (٢٩ / ١٣٤) ، وأبو يعلى في مسنده (٨ / ٥٦ ح ٤٥٧٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣١٨) وعزاه لأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ١٣٠) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٧٥).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٧٥) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣١٩) وعزاه لعبد بن حميد.

٣٣٧

قال ابن عباس : هو شوك يأخذ [بالحلق](١) فلا يدخل فيه ولا يخرج (٢).

وقال [مقاتل](٣) : هو الزقوم.

وقال الزجاج (٤) : هو الضريع.

أخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره ، عن وكيع ، عن حمزة الزيات ، عن حمران بن أعين ، عن ابن عمر : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع قارئا قرأ : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) فصعق (٥).

قرأت على الشيخ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي بالموصل ، أخبركم أبو القاسم يحيى بن أسعد فأقر به ، أخبرنا أبو طالب ابن يوسف ، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب ، حدثنا أبو بكر (٦) أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا يونس ، وحدثنا صالح ،

__________________

(١) في الأصل وب : الحلق. والمثبت من مصادر التخريج.

(٢) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٤٩ ح ٣٨٦٧) ، والطبري (٢٩ / ١٣٥) ، وابن أبي الدنيا في صفة النار (ص : ٩١). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣١٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في صفة النار وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في البعث.

(٣) زيادة من ب. وانظر : تفسير مقاتل (٣ / ٤١٠).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٢).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٣٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٠) ، وأحمد في الزهد (ص : ٣٦) ، وهناد في الزهد (١ / ١٨٠ ح ٢٦٧) ، والبيهقي في الشعب (١ / ٥٢٢ ح ٩١٧). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣١٩) وعزاه لأحمد في الزهد وهناد وعبد بن حميد ومحمد بن نصر.

(٦) في الأصل زيادة قوله : بن. وهو وهم.

٣٣٨

عن خليد بن حسان (١) ، قال : أمسى الحسن صائما ، فجئناه بطعامه عند إفطاره ، فلما قرّب إليه عرضت له هذه الآية : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً* وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) فتقلّصت يده عنه ، فقال : ارفعوه ، فرفعناه. قال : فأصبح صائما ، فلما أراد أن يفطر ذكر الآية ففعل ذلك أيضا ، فلما كان اليوم الثالث انطلق ابنه إلى ثابت البناني ويحيى البكّاء وأناس من أصحاب الحسن فقال : أدركوا أبي فإنه لم يذق طعاما منذ ثلاثة أيام ، كلما قربنا إليه الطعام ذكر هذه الآية : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً* وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) فتركه ، قال : فأتوه ، فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق (٢).

قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ) قال الزجاج (٣) : " يوم" منصوب بقوله : "(إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً)" أي : ننكّل بالكافرين ونعذّبهم يوم ترجف (الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) ، أي : تزلزل وتحرّك.

(وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) قال الفراء (٤) : الكثيب : الرمل ، والمهيل : الذي تحرّك أسفله فينهال عليك من أعلاه.

وما بعده ظاهر أو مفسّر إلى قوله تعالى : (أَخْذاً وَبِيلاً) أي : ثقيلا ، ومنه : الوابل والوبيل : العصا الضخمة (٥).

__________________

(١) خليد بن حسان ، أبو حسان البحري العصري ، سكن بخارى. يروي عن الحسن ، روى عنه خازم بن خزيمة ، يخطىء ويهم (الثقات ٦ / ٢٧١).

(٢) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٣٤٦).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٢).

(٤) معاني الفراء (٣ / ١٩٨).

(٥) انظر : (اللسان ، مادة : وبل).

٣٣٩

قوله تعالى : (يَوْماً) مفعول به (١) ، أي : فكيف تتقون أنفسكم يوم القيامة وعذابه إن بقيتم على كفركم؟.

ويجوز أن يكون ظرفا ، على معنى : فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا.

وقرأت من بعض طرق حفص : " تتقون" بكسر النون (٢) ، فيكون" يوما" نصبا على الظرف ، على ما ذكرنا ، أو مفعولا ل"(كَفَرْتُمْ)" (٣) ، على معنى : جحدتم يوما ، أي : كيف تتقون وتخشون إن جحدتم يوم القيامة ، والمجازاة على الأعمال ؛ لأن تقوى الله خوف عقابه.

ثم نبّه على أهوال ذلك اليوم وشدائده بقوله : (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ) أي : الأطفال الذين لم يتلبّسوا بالإجرام ولم يتدنّسوا بالآثام (شِيباً).

وقرأ أبي بن كعب وأبو عمران : " نجعل" بالنون (٤).

ثم بالغ في وصف أهواله فقال : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) يعني : لنزول الملائكة ، كقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١].

قال ابن قتيبة (٥) : المعنى : السماء منشقّ به ، أي فيه ، يعني : في ذلك اليوم.

وقال غيره (٦) : الباء في" به" مثلها في قولك : فطرت العود بالقدوم فانفطر به ،

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٨).

(٢) انظر هذه القراءة في : القرطبي (١٩ / ٥٠).

(٣) في الأصل : كفرتم. والتصويب من ب.

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٩٤) ، والدر المصون (٦ / ٤٠٨).

(٥) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٩٤).

(٦) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٤٣).

٣٤٠