رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

١
٢

سورة السجدة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وتسمى المصابيح (١) ، وهي ثلاث وخمسون آية في المدني ، وأربع في الكوفي (٢) ، وهي مكية بإجماعهم.

قرأت على الشيخ أبي القاسم علي بن أبي الفرج بن أبي منصور الموصلي ، أخبركم أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش الخباز فأقرّ به ، أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ، أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين بن محمد الجازري الكاتب ، حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى النهرواني الجريري ، حدثنا أبو بكر ابن الأنباري ، حدثنا محمد ـ يعني : المروزي ـ ، حدثنا أحمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن زياد (٣) مولى بني هاشم ، عن محمد بن كعب القرظي قال : قال عتبة بن ربيعة ، وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منفرد ناحية : أريد أن أقوم إلى محمد فأعرض عليه أمورا ليكف عن أمره هذا ، فأيها شاء أعطيناه إذا رجع لنا عن هذا ، فقالوا له : شأنك أبا الوليد ، وكان عتبة سيدا حليما ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : يا ابن أخي ، إنك منا بحيث قد علمت من الصميم في النسب والمكان من العشيرة ، وإنك قد أتيت قومك بما لم يأت أحد قومه بمثله ، سفّهت أحلامنا ، وكفّرت آبائنا ،

__________________

(١) وتسمّى سورة فصلت أيضا.

(٢) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٢٠).

(٣) يزيد بن زياد ، ويقال : بن أبي زياد ، ويقال : يزيد بن زياد بن أبي زياد المدني ، ثقة (تهذيب التهذيب ١١ / ٢٨٧ ، والتقريب ص : ٦٠١).

٣

وعبت آلهتنا ، وفرّقت كلمتنا ، فإن كان هذا المال تبغيه جمعنا لك أموالنا حتى تكون أيسرنا ، وإن كنت تميل إلى الرئاسة رأسناك علينا ولم نقطع أمرا دونك ، وإن كان لرأي من الجن يعتادك أعذرنا في الجد والاجتهاد حتى ينصرف عنك ، فإن الرأي قد يحمل صاحبه على ما لا يصل إلى بذله ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساكت يسمع ، فلما سكت عتبة قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اسمع يا أبا الوليد ما أقول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القراءة حتى انتهى إلى السجدة فسجد ، وعتبة مصغ يستمع ، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره ، فلما قطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القراءة قال : يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك ، فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا : والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم ، ثم قالوا له : وما وراءك أبا الوليد؟ فقال : والله لقد سمعت من محمد كلاما ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا السحر ، ولا الكهانة فأطيعوني في هذه ، وأنزلوها بي ، خلوا محمدا وشأنه واعتزلوه ، فو الله ليكون لما سمعت من قوله نبأ ، [فإن](١) أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم ، وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به ؛ لأن ملكه ملككم ، وشرفه شرفكم ، فقالوا : هيهات ، سحرك محمد يا أبا الوليد ، فقال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم (٢).

__________________

(١) في الأصل : فا.

(٢) أخرجه البيهقي في الدلائل (١ / ٢٢١). وذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية (٢ / ١٣٠ ـ ١٣٢) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٣٠٩) وعزاه لابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن عساكر.

٤

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٨)

قوله تعالى : (تَنْزِيلٌ)(١) قال الزجاج (٢) : " تنزيل" : مبتدأ ، خبره : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) هذا مذهب البصريين.

وقال الفراء (٣) : يجوز أن يرتفع" تنزيل" ب" حم" ، ويجوز أن يرتفع بإضمار : هذا.

وقال الزمخشري (٤) : إن جعلت" حم" اسما للسورة كانت في موضع المبتدأ. و" تنزيل" خبره. وإن جعلتها تعديدا للحروف كان" تنزيل" خبر مبتدأ محذوف ، و" كتاب" بدل من" تنزيل" ، أو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف (٥) ، ويجوّز الزجاج أن يكون" تنزيل" مبتدأ ، و" كتاب" خبره. ووجهه : أن تنزيلا تخصص

__________________

(١) في الأصل زيادة قوله : الكتاب. وهو خطأ.

(٢) معاني الزجاج (٤ / ٣٧٩).

(٣) معاني الفراء (٢ / ٤١٤).

(٤) الكشاف (٤ / ١٨٩).

(٥) انظر : التبيان (٢ / ٢٢٠) ، والدر المصون (٦ / ٥٥).

٥

بالصفة فساغ وقوعه مبتدأ.

قوله تعالى : (فُصِّلَتْ آياتُهُ) مفسّر في أوّل هود.

(قُرْآناً) نصب على الحال (١). أي : فصلت آياته في حال كونه قرآنا عربيا.

وقيل : نصب على المدح والاختصاص (٢).

(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) متعلق ب" تنزيل" أو ب" فصلت" (٣).

قال صاحب الكشاف (٤) : الأجود أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده ، أي : قرآنا عربيا كائنا لقوم عرب ، لئلا يفرق بين الصلات والصفات.

(بَشِيراً وَنَذِيراً) صفة ل" قرآنا" (٥). وقرئ : " بشير ونذير" بالرفع (٦) ، صفة للكتاب ، أو خبر مبتدأ محذوف.

(فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لا يقبلون. وقد ذكرنا مثل هذا فيما مضى.

(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أغطية ، وقد سبق ذكره وذكر الوقر (٧).

وهذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن تقبل الحق الذي جاء به.

(فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) قال الفراء (٨) : اعمل ما تعلم من دينك إنا عاملون بما

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٢٠) ، والدر المصون (٦ / ٥٥).

(٢) انظر : الدر المصون (٦ / ٥٥).

(٣) انظر : الدر المصون (٦ / ٥٥ ـ ٥٦).

(٤) الكشاف (٤ / ١٨٩).

(٥) انظر : الدر المصون (٦ / ٥٦).

(٦) انظر هذه القراءة في : البحر (٧ / ٤٦٣) ، والدر المصون (٦ / ٥٦) وهي قراءة زيد بن علي.

(٧) في سورة الأنعام ، عند الآية رقم : ٢٥.

(٨) معاني الفراء (٣ / ١٢).

٦

نعلم من ديننا.

وقال ابن السائب : اعمل في هلاكنا إنا عاملون في هلاكك (١).

وقد سبق ذكر الويل في البقرة.

فإن قيل : هذه السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة ، فكيف وصفهم في معرض الذم بمنع الزكاة؟

قلت : عنه أجوبة :

أحدها : معناه : الذين لا يزكون أعمالهم. قاله ابن عمر ومجاهد (٢).

الثاني : لا يأتون ما يصيرون به أزكياء. قاله الحسن (٣). وهو معنى قول ابن عباس : لا يشهدون أن لا إله إلا الله (٤).

الثالث : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. قاله الضحاك (٥).

فإن قيل : على هذا القول لم خص منع الزكاة من بين أوصافهم المذمومة بالذّكر؟

قلت : تقريعا لهم بالشّحّ الذي تأنف منه النفوس الأبية والأمة العربية.

فإن قيل : لم قرنه في الذّكر بالكفر بالآخرة؟

قلت : لتوغله في الإثم ، ولذلك ألحق مانع الزكاة بالكافر في شرعته ، ونصب

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ١٦٨).

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ١٦٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٢).

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ١٦٩).

(٤) أخرجه الطبري (٢٤ / ٩٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٧٠). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣١٣) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٢).

٧

لهم [الصّدّيق](١) راية القتال حتى عاودوا رشدهم وعادوا عن إلحادهم.

قوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي : غير مقطوع ولا منقوص.

(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١٢)

قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) قال ابن عباس وعبد الله بن سلام والسدي والأكثرون : يوم الأحد ويوم الاثنين (٢).

ومن حديث أبي هريرة في صحيح مسلم قال : «أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فقال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر

__________________

(١) في الأصل : الصدق. والصواب ما أثبتناه.

(٢) أخرجه الحاكم مطولا (٢ / ٥٩٢ ح ٣٩٩٧) ، والطبري (٢٤ / ٩٤) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٣٦٣) ، والنحاس في ناسخه (ص : ٦٨٠ ـ ٦٨١) كلهم عن ابن عباس ، ومن طريق آخر أخرجه أبو الشيخ (٤ / ١٣٦٦) عن عبد الله بن سلام. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٣) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٣١٤ ، ٣١٥) وعزاه لابن جرير والنحاس في ناسخه وأبي الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن عبد الله بن سلام ، وعزاه لأبي الشيخ في العظمة.

٨

فيها يوم الاثنين ...» (١).

وقد ذكرت الحديث في سورة الأعراف عند قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [٥٤] ، وذكرنا ثمة ما لا غنى لك عن النظر فيه ، وذكرنا كيفية خلق السماوات والأرض في أوائل البقرة.

قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) وهي الجبال.

فإن قيل : ما الحكمة في [تثبيتها](٢) بالجبال من فوقها ، وهلّا كانت لها دعائم كسائر الأبنية؟

قلت : جعلها فوقها لاستقرارها والانتفاع بها والاستدلال على قدرة منشئها وعظمته ، وليعلم أن للماسك والممسوك قادرا ممسكا.

(وَبارَكَ فِيها) بإجراء أنهارها وإنشاء أشجارها وإخراج زرعها وثمارها.

(وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أرزاق أهلها بما يصلحهم في معايشهم.

(فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) قرأ أبو جعفر : " سواء" بالرفع. وقرأ يعقوب وعبد الوارث والقزاز عن أبي عمرو : " سواء" بالجر ، والباقون بالنصب (٣).

قال الزجاج (٤) : من قرأ بالخفض جعل سواء صفة للأيام. المعنى : في أربعة أيام مستويات تامات ، ومن نصب فعلى المصدر ، على معنى : استوت سواء

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٤٩ ح ٢٧٨٩). قال ابن كثير في تفسيره (٤ / ٩٥) : وهو من غرائب الصحيح.

(٢) في الأصل : تثبتها. والصواب ما أثبتناه.

(٣) النشر (٢ / ٣٦٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٨٠).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٣٨١).

٩

واستواء ، ومن رفع فعلى معنى : هي سواء.

ومعنى : [(لِلسَّائِلِينَ)](١) معلق بقوله تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) لكل محتاج من خلقه إلى القوت.

وإنما قيل : " للسائلين" ؛ لأن كلا يطلب القوت ويسأله ، ويجوز أن [يكون للسائلين](٢) لمن سأل : في كم خلقت السموات والأرض؟

فقيل : خلقت الأرض في أربعة أيام سواء ، لا زيادة على ذلك ولا نقصان ، جوابا لمن سأل. هذا كلام الزجاج.

قلت : والمعنى الأول قول ابن زيد (٣) ، والثاني قول قتادة (٤).

قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) أي : عمد إليها وهي دخان متصاعد من الماء.

قال المفسرون : لما خلق الله تعالى الماء أرسل عليه الريح فثار منه دخان ، فارتفع وسما (٥).

(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي : جيئا بما خلقت فيكما لمصالح عبادي ، أو افعلا ما آمركما [اختيارا](٦) أو اضطرارا.

__________________

(١) في الأصل : السائلين. والتصويب من معاني الزجاج (٤ / ٣٨١).

(٢) في الأصل : السائلين. والتصويب والزيادة من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٣) أخرجه الطبري (٢٤ / ٩٧).

(٤) أخرجه الطبري (٢٤ / ٩٧). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٧ / ٣١٥) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد.

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٥).

(٦) في الأصل : اختايارا.

١٠

قال ابن عباس : ركّب فيهما العقل فخاطبهما ، فقال للسموات : أطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وقال للأرض : شقّقي أنهارك وأخرجي ثمارك (١).

(قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) قال ابن عباس : أتت السماء بما فيها ، والأرض بما فيها (٢).

قال أبو النصر : نطق من الأرض موضع الكعبة ، ونطق من السماء ما بحيالها ، فوضع الله تعالى فيها حرمه (٣).

وقيل : إن ظهور الطاعة منهما قام مقام قولهما (٤).

قال الزجاج (٥) : " طائعين" منصوب على الحال ، وإنما قال : " طائعين" دون طائعات ؛ لأنهن جرين مجرى ما يعقل ويميز ، كما قال في النجوم : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : ٤٠]. وقد قيل : أتينا نحن ومن فينا طائعين.

ويروى : أن بعض الأنبياء قال : يا رب! لو أن السموات والأرض حين قلت لهما : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) عصتاك ما كنت صانعا بهما؟ قال : كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما ، قال : وأين تلك الدابة؟ قال : في مرج من مروجي ، قال : يا رب وأين ذلك المرج؟ قال : في علم من علمي (٦).

__________________

(١) أخرجه الحاكم (١ / ٧٩ ح ٧٣) ، والطبري (٢٤ / ٩٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣١٦ ـ ٣١٧) وعزاه لابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ١٧٢).

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ١٧٣).

(٤) ذكره الماوردي (٥ / ١٧٢).

(٥) معاني الزجاج (٤ / ٣٨١).

(٦) ذكره القرطبي في تفسيره (١٥ / ٣٤٤).

١١

قوله تعالى : (فَقَضاهُنَ)(١) قال الزجاج (٢) : أي : خلقهنّ وصورهنّ.

قال أبو [ذؤيب](٣) الهذلي :

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السّوابغ تبّع (٤)

أي : عملهما وصنعهما.

(سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قال ابن عباس وعبد الله بن سلام : يوم الخميس ويوم الجمعة (٥).

(وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) قال قتادة : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وملائكتها وما يصلحها (٦).

وقال مجاهد : أوحى ما أراد ، وأمر بما شاء (٧).

(وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) يريد : النجوم ، سمّيت بذلك ؛ لإضاءتها.

(وَحِفْظاً) قال الزجاج (٨) : وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب

__________________

(١) في الأصل زيادة قوله : " سبع" وستأتي بعد.

(٢) معاني الزجاج (٤ / ٣٨١).

(٣) في الأصل : ذؤب. والصواب ما أثبتناه.

(٤) انظر البيت في : الدر المصون (٦ / ٥٩) ، والبحر (٧ / ٤٦٧) ، واللسان (مادة : صنع ، قضي) ، والطبري (١ / ٥٠٩ ، ١١ / ٩١ ، ٢٢ / ٦٧) ، والقرطبي (٢ / ٨٧ ، ١٤ / ٢٦٨ ، ١٥ / ٣٤٥) ، وزاد المسير (٧ / ٢٤٦).

(٥) أخرجه الطبري (٢٤ / ٩٩) عن السدي. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٦).

(٦) أخرجه الطبري (٢٤ / ٩٩). وذكره الماوردي (٥ / ١٧٣) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٣١٧) وعزاه لعبد بن حميد.

(٧) أخرجه مجاهد في تفسيره (ص : ٥٧٠) والطبري (٢٤ / ٩٩) ، كلاهما بلفظ : قال : مما أمر به وأراد.

(٨) معاني الزجاج (٤ / ٣٨٢).

١٢

حفظا.

وقال الزمخشري (١) : يجوز أن يكون مفعولا له على المعنى ، كأنه قال : وخلقنا المصابيح زينة وحفظا.

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)(١٦)

قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) أي : إن تولوا عن الإيمان بعد هذا البيان (فَقُلْ) محذرا لهم ومخوفا : (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ).

وروي شاذا عن ابن كثير : " صعقة مثل صعقة" بغير ألف فيهما (٢).

والمعنى : أنذرتكم أن ينزل بكم ما نزل بمن كفر من الأمم قبلكم من العذاب الشديد ، الوقع الذي كأنه صاعقة.

وخصّ هاتين الأمّتين بالذّكر ؛ لأن قريشا كانت تمرّ بمنازلهم وآثارهم في

__________________

(١) الكشاف (٤ / ١٩٦).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٧ / ٤٦٨) ، والدر المصون (٦ / ٥٩).

١٣

أسفارهم.

(إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي : من كل جانب ، وأعملوا فيهم كل حيلة فلم يؤمنوا.

وقال الحسن : أنذروهم وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة (١) ، فقد جاؤوهم بالوعظ والتخويف من جهة الزمن الماضي والمستقبل.

وقيل : جاءتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم.

فإن قيل : كيف يستقيم هذا القول وقد قال : " جاءتهم الرسل"؟

قلت : الرسل كلهم جاؤوا بدين التوحيد وإيجاب التصديق بكل رسول ، فكأن الرسل جميعهم قد جاؤوهم.

(أَلَّا تَعْبُدُوا) يعني : أي : لا [تعبدوا](٢). وقيل : هي مخففة من الثقيلة.

قالوا استبعادا لإرسالهم إليهم وتكذيبا لهم : (لَوْ شاءَ رَبُّنا) ، ومفعول" شاء" محذوف ، تقديره : لو شاء إرسال الرسل (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) ولم يرسل بشرا ، (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) هذا ليس اعتراف منهم برسالتهم ، وإنما هو على طريقة التهكم بما أرسلتم به على زعمكم.

ثم قصّ الله تعالى قصة عاد وثمود فقال : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي : تكبروا وعتوا على الناس ، أو تكبروا عن الإيمان (وَقالُوا) حين توعدهم هود بالعذاب : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فنحن ندفع ما يجيء به ، اغترارا بفخامة أجسامهم وعظم أجرامهم.

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ١٩٦).

(٢) في الأصل : يعبدوا.

١٤

قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) قال أبو عبيدة (١) : هي الشديدة الصوت.

قال الزمخشري (٢) : هي العاصفة التي تصرصر ، أي : تصوّت في هبوبها.

وقال الزجاج (٣) : وأكثر التفسير : أنها الشديدة البرد.

قال غيره : هي الباردة التي تحرق ببردها ، تكرير لبناء الصرّ ، وهو البرد الذي يصرّ ، أي : يجمع.

وقال مجاهد : هي السموم (٤).

(فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) قرأ أبو جعفر وابن عامر وأهل الكوفة : " نحسات" بكسر الحاء ، وأسكنها الباقون من العشرة (٥).

فمن كسر الحاء ، فالواحد : " نحس" ، مثل : فرق وحذر ، وجمع على ذلك. ومن أسكن الحاء فالواحد" نحس".

قال الزمخشري (٦) : إما مخفف نحس ، أو صفة على فعل ، أو وصف لمصدر.

__________________

(١) مجاز القرآن (٢ / ١٩٦).

(٢) الكشاف (٤ / ١٩٩).

(٣) معاني الزجاج (٤ / ٣٨٣).

(٤) أخرجه الطبري (٢٤ / ١٠٢). وذكره الماوردي (٥ / ١٧٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٨).

(٥) الحجة للفارسي (٣ / ٣٥٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٣٥) ، والكشف (٢ / ٢٤٧) ، والنشر (٢ / ٣٦٦) ، والإتحاف (ص : ٣٨٠ ـ ٣٨١) ، والسبعة (ص : ٥٧٦).

(٦) الكشاف (٤ / ١٩٩).

١٥

قال مجاهد وقتادة : " نحسات" : مشؤومات (١).

قال ابن عباس : كنّ آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء ، وذلك (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) ، قال : وما عذّب قوم إلا في يوم الأربعاء (٢).

وقال الربيع بن أنس : أولها يوم الجمعة (٣).

وقال السدي : يوم الأحد (٤).

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(١٨)

قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) وقرأت لعاصم من رواية المفضل عنه : " ثمودا" بالنصب والتنوين (٥).

قال المبرد : والوجه الرفع ، تقول : زيد ضربته ، والنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده.

قال قتادة : المعنى : وأما ثمود فبينا لهم سبيل الخير والشر (٦).

(فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي : اختاروا الكفر على الإيمان (فَأَخَذَتْهُمْ)

__________________

(١) أخرجه مجاهد (ص : ٥٧٠) ، والطبري (٢٤ / ١٠٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣١٧ ـ ٣١٨) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لعبد بن حميد.

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ١٧٤).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٤٨).

(٤) مثل السابق.

(٥) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٨١) ، والدر المصون (٦ / ٦٣).

(٦) أخرجه الطبري (٢٤ / ١٠٤). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣١٨) وعزاه لعبد بن حميد.

١٦

[الصاعقة (صاعِقَةُ (١) الْعَذابِ) أي : قارعة العذاب (الْهُونِ) والهون والهوان بمعنى واحد. وقد سبق ذكره ، ومجازه : فأخذتهم [صاعقة](٢) العذاب ذي الهوان.

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)(٢٤)

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) قرأ نافع ويعقوب وأبان عن عاصم : " نحشر" بالنون على البناء للفاعل" أعداء" بالنصب. وقرأ باقي القراء العشرة في جميع طرقهم المشهورة : " يحشر" بالياء المضمومة على البناء للمفعول ، " أعداء" بالرفع (٣).

والقراءة الأولى محمولة على قوله : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا)، ويؤيدها قوله تعالى :

__________________

(١) في الأصل : الصاعة صاعة.

(٢) في الأصل : صاعة.

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٣٥٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٣٥ ـ ٦٣٦) ، والكشف (٢ / ٢٤٨) ، والنشر (٢ / ٣٦٦) ، والإتحاف (ص : ٣٨١) ، والسبعة (ص : ٥٧٦).

١٧

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) [مريم : ٨٥] ، والثانية محمولة على" يوزعون" ، والكلام تم عند قوله تعالى : (وَكانُوا يَتَّقُونَ) ، فلا معنى لحمل ما بعده عليه.

و (يُوزَعُونَ) مفسّر في النمل (١).

قوله تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ) الأظهر : أنها الجلود المعروفة.

وقيل : الأيدي والأرجل (٢).

وقال السدي : هي الفروج (٣).

وعن ابن عباس : كالقولين (٤).

والآخرين قالوا لها حين شهدت عليهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) هذا تمام كلام الجلود.

وفي هذا الموضع إشكالان ما رأيت أحدا من المفسرين ذكرهما :

أحدهما : أن الشهادة صدرت من السمع والأبصار والجلود ، فلم أفرد الجلود باللوم والسؤال دون السمع والأبصار؟

الثاني : أن حق الجواب أن يكون : شهدنا لكيت وكيت ، فلم قالوا : أنطقنا الله ، وهم لم يسألوهم عن ذلك؟

قلت : على الإشكال الأول إن أريد الجلود المعروفة فلا إشكال فيه ؛ لاشتمالها

__________________

(١) عند الآية رقم : ١٧.

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ١٧٦) عن ابن عباس.

(٣) أخرجه الطبري (٢٤ / ١٠٦) عن الحكم الثقفي ، وعبيد الله بن أبي جعفر. وذكره الماوردي (٥ / ١٧٦) عن ابن زيد.

(٤) ذكره الماوردي (٥ / ١٧٦) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٥٠).

١٨

على سائر الأجسام ، فلومها وسؤالها شامل لجميع أجزاء البدن ، وإن أريد الأيدي والأرجل ؛ فلأنهما معتمد الجسد وبهما عامة أكسابه ، ويؤيده قوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [يس : ٦٥] ، وإن أريد الفروج ؛ فلأن جنايتها أشد من جناية البصر والسمع ، والعقوبة الكائنة بسببها أعظم.

وأما الثاني فجوابه أن يقال : لما كان مقصودهم بالسؤال اللوم بقولهم : لم شهدتم علينا؟ أجابوا واعتذروا : قالوا : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء بالشهادة وألجأنا إليها بطريق القهر والاضطرار الذي أنطق كل شيء.

قال أنس بن مالك : «ضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ألا تسألون ممّ ضحكت؟ فقالوا : ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال : عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، قال : يقول : يا رب أليس وعدتني ألا تظلمني؟ قال : فإن لك ذلك ، قال : فإني لا أقبل عليّ شاهدا إلا من نفسي ، قال : أو ليس كفى بي شهيدا والكرام الكاتبين؟ قال : فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، فيقول لهنّ : بعدا لكنّ وسحقا ، عنكنّ كنت أجادل» (١). هذا حديث انفرد مسلم بإخراجه.

قال الله تعالى : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) هذا تقرير. المعنى : إنطاق الجوارح ، واستدلال على القدرة على ذلك بالخلق الأول.

قوله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٨٠ ح ٢٩٦٩).

١٩

جُلُودُكُمْ) السبب في نزولها : ما أخبرنا به شيخنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه بقراءتي عليه في شعبان سنة تسع وستمائة بظاهر دمشق قال : أخبرنا أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي ببغداد سنة إحدى وستين وخمسمائة قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار ، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ، حدثنا محمد بن مسلمة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا المسعودي (١) ، عن الأعمش (٢) ، عن أبي وائل (٣) ـ فيما يعلم المسعودي ـ ، عن عبد الله قال : «بينما أنا مستتر بأستار الكعبة إذ دخل ثلاثة نفر عظيمة بطونهم ، قليل فقههم ، [ثقفيان](٤) وختن لهما قرشي ، أو قرشيان وختن لهما ثقفي ، فقال أحدهما لصاحبه : ترى الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر : يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا خفضنا.

قال عبد الله : فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته بقولهما ، قال : فنزل القرآن : (وَما

__________________

(١) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي ، كان ثقة صدوق ، كثير الحديث ، وقد اختلط قبل موته ، مات سنة ستين ومائة (تهذيب التهذيب ٦ / ١٩٠ ـ ١٩١ ، والتقريب ص : ٣٤٤).

(٢) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم ، أبو محمد الكوفي الأعمش ، يقال : أصله من طبرستان ، وولد بالكوفة سنة إحدى وستين ، كان ثقة ثبتا في الحديث ، عارفا بالقراءات ، لكنه يدلس ، وكان محدث أهل الكوفة (تهذيب التهذيب ٤ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، والتقريب ص : ٢٥٤).

(٣) شقيق بن سلمة الأسدي ، أبو وائل الكوفي. أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يره ، كان ثقة كثير الحديث ، مخضرم ، مات بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين (تهذيب التهذيب ٤ / ٣١٧ ، والتقريب ص : ٢٦٨).

(٤) في الأصل : ثقيفيان. والتصويب من الصحيحين.

٢٠