رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ) يعني : ماذا يقول في القرآن (وَقَدَّرَ) [هيأ](١) القول في نفسه. (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أي : لعن وعذّب على أيّ حال قدر من الكلام.

قال صاحب النظم (٢) : وهذا كما يقال : لأضربنه كيف صنع ، أي : على أيّ حال كانت منه.

وقيل : هو تعجيب من إصابته [المحز](٣) في تقديره.

(ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) تكريرا لمعنى التوكيد.

(ثُمَّ نَظَرَ) عطف على"(فَكَّرَ وَقَدَّرَ)" ، والدعاء : اعتراض بينهما ، فيما يدفع به القرآن ويرده.

وقال مقاتل (٤) : نظر في الوحي.

وقيل : نظر في وجوه الناس.

(ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) أي : كرّه وجهه وقطّب ، وأنشدوا :

وقد [رابني](٥) منها صدود رأيته

وإعراضها عن حاجتي وبسورها (٦)

وقيل : قدّر ما تقوله ، ثم نظر فيه ، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقوله.

__________________

(١) في الأصل : منا. والتصويب من ب.

(٢) هو : الحسين بن يحيى الجرجاني.

(٣) في الأصل : المخز. والتصويب من ب.

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٧).

(٥) في الأصل : رأيتني. والتصويب من ب.

(٦) البيت لتوبة الخفاجي. وهو في : الطبري (٢٩ / ١٥٦) ، والقرطبي (١٩ / ٧٦) ، والماوردي (٦ / ١٤٢) ، وزاد المسير (٨ / ٤٠٧) ، وروح المعاني (٢٩ / ١٢٤).

٣٦١

(ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق (وَاسْتَكْبَرَ) عنه ، فقال ما قال.

[ولما](١) كان قوله [لكلمته](٢) الشنعاء عقيب استنباطها من غير توقّف وتثبّت ، جاء بحرف التعقيب وهو الفاء دون حرف المهلة ، وذلك قوله : (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ). أي : يأثره محمد عن غيره.

وقيل : معناه : تؤثره النفوس لحلاوته.

(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) يريد : أنه ليس من كلام الله.

قال الله تعالى [مبينا](٣) جزاءه على ذلك : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) ، وهو اسم من أسماء جهنم. وقد ذكرناه في القمر (٤).

ثم عظّم شأن سقر فقال : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ).

ثم أخبر عنها فقال : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) أي : لا تبقي لهم لحما إلا أكلته ، ولا تذرهم من العذاب.

وقال مجاهد : لا تبقي من فيها حيا ، ولا تذره ميتا (٥).

(لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أي : مغيّرة للجلود الظاهرة.

قال أبو رزين : تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادا من الليل (٦).

__________________

(١) في الأصل : ما. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : وكلمته. والتصويب من ب.

(٣) في الأصل : فبينا. والتصويب من ب.

(٤) عند الآية رقم : ٤٨.

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٨). وذكره الماوردي (٦ / ١٤٣).

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٩) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٤٩ ح ٣٤١٢٤). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٢) وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد.

٣٦٢

وقال عطية : تحرق البشر حتى يلوح العظم (١).

قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) يريد : خزنتها ، وهم مالك وأعوانه ، أعينهم كالبرق الخاطف ، وأنيابهم كالصياصي ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، تسع كفّ أحدهم مثل ربيعة ومضر.

ويروى في الحديث : «إن لأحدهم قوة الثقلين ، يسوق أحدهم الأمّة ، على رقبته جبل ، فيرمي بهم في النار ، ويرمي بالجبل عليهم» (٢).

قال ابن عباس وقتادة والضحاك : لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، أيعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ، ثم نخرج من النار ، فقال أبو الأشدين الجمحي ـ واسمه : كلدة بن خلف. وقال مقاتل (٣) : أسيد بن كلدة ـ : يا معشر قريش إذا كان يوم القيامة فأنا أمشي بين [أيديكم](٤) إلى الصراط ، فأرفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار وندخل الجنة ، فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً)(٥).

(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ١٤٣).

(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣٣٤).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٧).

(٤) في الأصل : أيدكم. والتصويب من ب.

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥٩ ـ ١٦٠) بأقصر منه. وذكره الواحدي في الوسيط (٦ / ٣٨٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٠٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٣٣) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

٣٦٣

لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)(٣٧)

أي : ما جعلناهم رجالا من جنسكم تطيقونهم ، وإنما جعلناهم ملائكة أشداء يعجز طوق البشر عن مغالبتهم.

(وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) قليلة (إِلَّا فِتْنَةً) ضلالة (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) حتى قالوا ما قالوا ، (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ما عندهم من ذكر عدّتهم ؛ لأن عدّتهم في كتابهم تسعة عشر.

وقيل : ليستيقنوا صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكونه أخبر بعدد خزنة جهنم ، على الوجه المذكور عندهم.

(وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) منهم ومن غيرهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِيماناً).

قوله تعالى : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي : لا يتخالجهم شك ولا ريب في عدد الخزنة ، فينضم إلى يقينهم وتصديقهم عدم الريب بسبب تواطئهم وتوافقهم على ذلك ، نظرا إلى تصديق كل واحد من الكتابين والنبيّين لصاحبه.

قوله تعالى : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شك ونفاق.

٣٦٤

(وَالْكافِرُونَ) مشركوا العرب (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا) الحديث والخبر (مَثَلاً). و" مثلا" تمييز ل" هذا" ، أو حال منه (١).

قال الزمخشري (٢) : إن قلت : لم سموه مثلا؟

قلت : هو استعارة من المثل المضروب ؛ لأنه مما غرب من الكلام وبدع ، استغرابا منهم لهذا [العدد](٣) واستبداعا. والمعنى : أيّ شيء أراد الله بهذا العدد العجيب ، وأيّ [غرض](٤) قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر ، ومرادهم إنكاره من أصله ، وأنه ليس من عند الله ، وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص.

قوله تعالى : (كَذلِكَ) الكاف الأولى في موضع نصب ، و" ذلك" : إشارة إلى ما تقدم ذكره من معنى الإضلال والهدى.

والمعنى : كما أضل الله من أنكر عدد الخزنة ، وهدى من صدّق ذلك (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).

(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) يعني : من الملائكة (إِلَّا هُوَ) فلا يتوهموا أن قلّة عدد الخزنة لقلّة جنوده الذين خلقهم لتعذيب أهل النار ، يشير إلى أن مع كل واحد من الخزنة من الجنود والأعوان مما لا يعلم عددهم إلا الله. هذا معنى قول عطاء (٥).

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٦ / ٤١٨).

(٢) الكشاف (٤ / ٦٥٤).

(٣) في الأصل : العد. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : شيء. والمثبت من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٥) انظر : البغوي (٤ / ٤١٧).

٣٦٥

ويحتمل عندي : أن يراد بذلك عموم الملائكة.

قال ابن عباس : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم غنائم حنين وجبريل إلى جنبه ، فأتاه ملك فقال : إن ربك يأمرك بكذا وكذا ، فخشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون شيطانا ، فقال : يا جبريل تعرفه؟ فقال : هو ملك ، وما كلّ ملائكة ربك أعرفه (١).

وقال الأوزاعي : قال موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رب! من معك في السماء؟ قال : ملائكتي ، قال : كم عدّتهم يا رب؟ قال : اثنا عشر سبطا ، قال : كم عدة كل سبط؟ قال : عدد التراب (٢).

قوله تعالى : (وَما هِيَ) يريد : سقر (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) موعظة للناس.

قوله تعالى : (كَلَّا) أي : حقا.

وقيل : ردع لمن ينكر أن تكون إحدى الكبر نذيرا.

ثم أقسم سبحانه وتعالى بعجائب مخلوقاته فقال : (وَالْقَمَرِ* وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) قرأ نافع وحمزة وحفص : " إذ" بغير ألف ، " أدبر" بهمزة قبل الدال.

ومرّ ورش على أصله في إلقاء حركة الهمزة على الساكنين قبلها ، جعلوه أمرا قد تقضّى ومضى ؛ لأن" إذ" ظرف لما مضى من الزمان.

وقرأ الباقون : " إذا دبر" بغير همز (٣) ، جعلوه أمرا لم يمض ؛ لأن" إذا" لما يستقبل من الزمان.

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٧ / ٢٢٥ ح ٧٣٣٩).

(٢) ذكره القرطبي (١٩ / ٨٣).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٧٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٣) ، والكشف (٢ / ٣٤٧) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٧) ، والسبعة (ص : ٦٥٩).

٣٦٦

وأدبر ودبر لغتان. قاله الفراء (١) والأخفش وثعلب.

وقال أبو عبيدة وابن قتيبة (٢) : دبر بمعنى : خلف ، وأدبر بمعنى : ولّى ، يقال : دبرني ، بمعنى : جاء خلفي.

(وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أضاء وتبيّن.

(إِنَّها) يعني : سقر (لَإِحْدَى الْكُبَرِ).

قال ابن قتيبة (٣) : " الكبر" جمع : كبرى ، مثل : الأول والأولى ، والصّغر والصّغرى ، وهذا كما يقال : إنها لإحدى العظائم.

قال الحسن : والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها (٤).

وقال الكلبي ومقاتل (٥) : أراد بالكبر : دركات جهنم السبعة.

قوله تعالى : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) قال الزجاج (٦) : نصب"(نَذِيراً)" على الحال (٧). والمعنى : إنها للكبيرة في حال الإنذار.

وقال الزمخشري (٨) : "(نَذِيراً)" تمييز من" إحدى" ، على معنى : إنها لإحدى

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢٠٤).

(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة (٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص : ٤٩٧).

(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٩٧).

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٦٣). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٠).

(٥) ذكره مقاتل (٣ / ٤١٩) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٨٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٠).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٢٤٩).

(٧) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٣) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٠).

(٨) الكشاف (٤ / ٦٥٥).

٣٦٧

الدواهي إنذارا ، كما تقول : هي إحدى النساء [عفافا](١).

وقيل : "(نَذِيراً)" متعلق بقوله في أول السورة" قم" ، على معنى : قم نذيرا (٢).

وفيه بعد.

قوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ) بدل من قوله : "(لِلْبَشَرِ)" (٣).

(أَنْ يَتَقَدَّمَ) في الخير والإيمان (أَوْ يَتَأَخَّرَ) عنه.

يريد : أن الإنذار شامل للمؤمنين والكفار.

(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)(٥٦)

__________________

(١) في الأصل : عقافا. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٦٥٥).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٣) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٠).

(٣) مثل السابق.

٣٦٨

قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) قال صاحب الكشاف (١) : " رهينة" ليست بتأنيث رهين في قوله : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور : ٢١] ، لتأنيث النفس ؛ لأنه لو قصدت الصفة لقيل : رهين ؛ لأن فعيلا بمعنى مفعول ، يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي بمعنى : الرهن ، [كالشتيمة](٢) بمعنى : الشتم ، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن.

وفي معنى الآية ثلاثة أقوال :

أحدها : كل نفس بالغة رهينة بعملها لتحاسب عليه ، (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ، وهم أطفال المسلمين ؛ لأنه لا حساب عليهم ، لأنهم لا ذنوب لهم. قاله علي عليه‌السلام (٣) ، واختاره الفراء (٤).

الثاني : كل نفس من أصحاب النار رهينة في النار ، إلا أصحاب اليمين وهم المؤمنون فإنهم في الجنة. قاله الضحاك (٥).

الثالث : كل نفس مرتهنة بعملها لتحاسب عليه ، إلا أصحاب اليمين فإنهم لا يحاسبون. قاله ابن جريج (٦).

وقال ابن السائب : هم الذين قال لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهم الذين

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٥٥).

(٢) في الأصل : كالشتمة. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٣) ذكره الطبري (٢٩ / ١٦٥) ، والماوردي (٦ / ١٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١١).

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٠٥).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٦٥) بمعناه. وذكره الماوردي (٦ / ١٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١١).

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ١٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١١).

٣٦٩

كانوا على يمين آدم (١).

وقال مقاتل (٢) : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم.

(فِي جَنَّاتٍ) أي : هم في جنات (يَتَساءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ) يسأل بعضهم بعضا ، أو يتساءلون غيرهم.

وقال مقاتل (٣) : إذا خرج أهل التوحيد من النار قال المؤمنون لمن بقي في النار : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ).

قال الفراء (٤) : وهذه الآية تقوّي أنهم الولدان ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب ، فسألوا : " ما سلككم في سقر".

وقال غيره : سألوهم مع علمهم بحالهم ؛ توبيخا وتقريعا لهم.

والمعنى : ما أدخلكم النار؟.

(قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) أي : من أهل الصلاة.

(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) لله عزوجل.

(وَكُنَّا نَخُوضُ) [تكذيبا](٥) واستهزاء (مَعَ الْخائِضِينَ) بالباطل.

(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي : بيوم الجزاء والحساب.

(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) وهو الموت.

__________________

(١) ذكره القرطبي (١٩ / ٨٧) ، والبغوي (٤ / ٤١٨) كلاهما عن مقاتل.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٩).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤١٩).

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٠٥).

(٥) في الأصل : مع تكذيبنا. والتصويب من ب.

٣٧٠

(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) قال المفسرون : هذا بعد الشفاعة.

قال ابن عباس : يريد : شفاعة الملائكة والنبيين ، كما نفعت الموحدين (١).

وقال الحسن : لم تنفعهم شفاعة ملك ولا شهيد ولا مؤمن (٢).

قال ابن مسعود : يشفع نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم رابع أربعة ؛ جبريل ، ثم إبراهيم ، ثم موسى وعيسى ، ثم نبيكم [صلّى الله عليهم](٣) أجمعين ، لا يشفّع أحد في أكثر مما يشفّع فيه نبيكم ، ثم النبيون ، ثم الصدّيقون ، ثم الشهداء. ويبقى قوم في جهنم فيقال لهم : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) قرأ إلى قوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ). قال ابن مسعود : فهؤلاء الذين يبقون في جهنم (٤).

(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ)(٥) أي : عن التذكير ، يريد : الموعظة بالقرآن وغيره من المواعظ ، (مُعْرِضِينَ) نصب على الحال (٦) ، كما تقول : ما لك قائما.

(كَأَنَّهُمْ) لشدة نفرتهم عن التذكرة (حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ).

قرأ نافع وابن عامر : " مستنفرة" بفتح الفاء ، على معنى : أنها استدعيت للنفار من القسورة ، فهي مفعول بها في المعنى.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٨٧).

(٢) مثل السابق.

(٣) في الأصل : صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والتصويب من ب.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٨٧).

(٥) في الأصل زيادة قوله : معرضين ، وستأتي بعد.

(٦) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٣) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٢).

٣٧١

وقرأ الباقون : بكسر الفاء (١) ، جعلوها فاعلة. ويدل عليه قولهم : (فَرَّتْ). يقال : نفر واستنفر بمعنى ، مثل : عجب واستعجب.

قال أبو عبيدة (٢) : المعنى : كأنهم حمر مذعورة ، وأنشد الفراء والزجاج (٣) :

أمسك حمارك إنه مستنفر

 ..........(٤)

والقسورة : فعولة من القسر ، وهو القهر والشدة ، وكل شديد عند العرب فهو [قسورة](٥). قال لبيد :

إذا ما هتفنا هتفة في نديّنا

أتانا الرجال العائذون القساور (٦)

ثم اختلفوا فيه ؛ فقال ابن عباس في رواية عنه : هو الأسد بلغة الحبشة (٧). وهو قول أبي هريرة (٨).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٧٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٤) ، والكشف (٢ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٧) ، والسبعة (ص : ٦٦٠).

(٢) مجاز القرآن (٢ / ٢٧٦).

(٣) معاني الفراء (٣ / ٢٠٦) ، ومعاني الزجاج (٥ / ٢٥٠).

(٤) صدر بيت ، وعجزه : (في إثر أحمرة عمدن لغرّب) ، وهو في : اللسان وتاج العروس (مادة : نفر) ، والطبري (٢٩ / ١٦٨) ، والماوردي (٦ / ١٤٨) ، والبحر (٨ / ٣٧٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٢) ، وزاد المسير (٨ / ٤١٢). ويروى البيت : " اربط" بدل : " أمسك".

(٥) في الأصل : قسور. والتصويب من ب.

(٦) البيت للبيد بن ربيعة. وهو في : القرطبي (١٩ / ٨٩) ، والبحر (٨ / ٣٦٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٣).

(٧) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٩) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٨) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣٣٩) وعزاه لعبد بن حميد ـ

٣٧٢

قال ابن عباس : الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه ، كذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هربوا منه (١).

وسئل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام عنه فقال : هو الأسد ، ومنه قوله في أراجيزه عليه‌السلام :

أنا الذي سمّتني أمّي حيدره

ضرغام آجام شديد قسورة (٢)

وقال ابن عباس في رواية أخرى : القسورة : الرماة (٣).

وقال أيضا : هم عصب من الرجال (٤).

وقال أيضا : أصوات الناس (٥).

وقال سعيد بن جبير : هو القنّاص (٦) ، يريد : الصّيّاد.

وقال جماعة ، منهم عكرمة : ظلمة الليل (٧).

__________________

ـ وابن جرير وابن المنذر.

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٨٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٢).

(٢) انظر نحو هذا البيت في : البداية والنهاية (٤ / ١٨٧) ، وتاريخ الطبري (٢ / ١٣٧) ، واللسان (مادة : حدر).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٦٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٦٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٩) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٩) وعزاه لسفيان بن عيينة في تفسيره وعبد الرزاق وابن المنذر.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٦٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٣٩) وعزاه لعبد بن حميد.

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٣).

٣٧٣

قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي : كتبا منشورة.

وكان كفار قريش قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن سرّك أن نتبعك ، فليصبح عند رأس كل واحد (١) منا كتاب منشور : إلى فلان بن فلان من الله تبارك وتعالى ، يؤمر فيه باتباعك (٢).

وقال أبو صالح : طلبوا أن يأتي كل واحد منهم كتاب من الله تبارك وتعالى فيه براءة له من النار (٣).

وقيل : إنهم قالوا : بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا أذنب ذنبا أصبح وذنبه مكتوب في رقعة ، فما لنا لا نرى ذلك ، فنزلت هذه الآية (٤).

قوله تعالى : (كَلَّا) ردع لهم عن تلك الإرادة ، وزجر عن اقتراح الآيات (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) أي : لا يحذرون عذابها. فلذلك اقترحوا عليك الآيات ، وتعنّتوك هذا [التعنّت](٥).

(كَلَّا إِنَّهُ) يعني : القرآن (تَذْكِرَةٌ) أي : عظة بليغة.

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي : اتّعظ به ، فإن الله تعالى جعل له آلة توصله إلى ذلك.

ثم رد المشيئة إلى نفسه تعالى فقال : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقرأ نافع :

__________________

(١) في ب : رجل.

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧١). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر أيضا.

(٣) ذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ١٤٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٣).

(٥) في الأصل : التعنيت. والتصويب من ب.

٣٧٤

" تذكرون" بالتاء ، على الخطاب (١).

(هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أخبرنا الشيخ أبو العباس الخضر بن كامل بن سالم المعبر الخاتوني بدمشق ، في شوال سنة ست وستمائة قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد الخياط المقرئ سبط الشيخ أبي منصور ، في المحرم سنة سبع وثلاثين وخمسمائة قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، المعروف بابن أخي ميمي ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا سهيل بن أبي حزم ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في هذه الآية : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول ربكم : أنا أهل أن أتّقى فلا يشرك بي غيري ، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له» (٢).

وأخرج الإمام أحمد قال : حدثني عبد القدوس بن بكر قال : سمعت محمد بن [نضر](٣) الحارثي يقول في قوله تعالى : (أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) قال : «أنا أهل أن يتقيني عبدي ، فإن لم يفعل كنت أهلا أن أغفر له» (٤).

__________________

(١) الحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٥) ، والكشف (٢ / ٣٤٨) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٧) ، والسبعة (ص : ٦٦٠).

(٢) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٤٣٧ ح ٤٢٩٩).

(٣) في الأصل وب : نصر. والتصويب من الزهد (ص : ٤٤١). وانظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (٨ / ١٧٥).

(٤) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٤٤١).

٣٧٥

سورة القيامة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي أربعون آية في الكوفي ، وإلا آية في المدني (١). وهي مكية بإجماعهم.

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ)(١٥)

قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) اتفقوا على أن المعنى : أقسم بيوم القيامة.

واختلفوا في" لا" فقال ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو عبيدة (٢) : هي صلة ، وأنشدوا :

تذكّرت ليلى [فاعترتني](٣) صبابة

وكاد ضمير القلب لا يتقطّع (٤)

أراد : وكاد ضمير القلب يتقطّع ، ومثله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (: ٢٥٩).

(٢) انظر : مجاز القرآن (٢ / ٢٧٧) ، والطبري (٢٩ / ١٧٢ ـ ١٧٣) ، والماوردي (٦ / ١٥٠).

(٣) في الأصل : فاعترتي. والتصويب من ب ، ومصادر البيت.

(٤) انظر البيت في : تفسير الماوردي (٦ / ١٥٠) ، وتفسير النسفي (٤ / ٢٩٩) ، وتفسير القرطبي (١٩ / ٩١ ، ٢٠ / ٥٩) وفيه : " صميم" بدل : " ضمير".

٣٧٦

الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩].

وقال أبو بكر بن عياش وغيره : دخلت" لا" توكيدا للقسم ، كقولك : لا والله (١) ، ومنه قول امرئ القيس :

لا وأبيك ابنة العامريّ

لا يدّعي القوم [أني](٢) أفرّ (٣)

وقال الفراء (٤) : " لا" ردّ على الذين أنكروا البعث والجنة والنار.

ويدل على هذا قراءة من قرأ" لأقسم" يجعلها لاما دخلت على" أقسم". وهي قراءة ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والحسن وعكرمة وابن محيصن ، وبها قرأت لابن كثير بخلاف عنه ، ولأبي عمرو من رواية عبد الوارث (٥).

قال الزجاج (٦) : وهذه القراءة بعيدة في العربية ؛ لأن لام القسم لا تدخل على الفعل المستقبل إلا مع النون ، تقول : لأضربنّ زيدا ، ولا يجوز : لأضرب زيدا.

وقال غيره في هذه القراءة (٧) : اللام للابتداء ، و" أقسم" : خبر مبتدأ محذوف ،

__________________

(١) ذكره الطبري (٢٩ / ١٧٣) ، والماوردي (٦ / ١٥٠).

(٢) في الأصل : لا. والتصويب من ب ، ومصادر البيت.

(٣) البيت لامرئ القيس. انظر : ديوانه (ص : ١٥٤) ، والمحتسب (٢ / ٢٧٣) ، والخزانة (٤ / ٤٨٩) ، والقرطبي (١٩ / ٩٢) ، والماوردي (٦ / ١٥٠) ، والبحر (٨ / ٣٧٥) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٤) ، وتاج العروس (مادة : سند) ، وروح المعاني (٥ / ٧١ ، ٢٧ / ١٥٢ ، ٢٩ / ١٣٥).

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٠٧).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٧٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٥) ، والكشف (٢ / ٣٤٩) ، والنشر (٢ / ٢٨٢) ، والإتحاف (ص : ٤٢٨) ، والسبعة (ص : ٦٦١).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٣٢٧).

(٧) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٦٠).

٣٧٧

معناه : لأنا أقسم ، ويعضده أنه في الإمام بغير ألف.

قوله تعالى : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) قال قتادة : حكمها حكم الأولى (١).

قال الحسن : أقسم بالأولى ، ولم يقسم بالثانية (٢).

قال الماوردي (٣) : يكون تقدير الكلام : أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة.

والصحيح : انتظامهما في سلك واحد ، وأنهما قسمان (٤).

فإن قيل : المقسم عليه ما دل عليه قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) ، كأنه قيل : أقسم لتبعثن. فعلى هذا ؛ القسم بيوم القيامة [معقول](٥) ؛ لما يشتمل عليه من الأهوال ، والأمور العظام الدالّة على قدرة خالقها ، وعظمة موجدها ، والتذكير بذلك اليوم العظيم ليهيّجهم على الإيمان به ، والاستعداد له ، فما معنى القسم بالنفس اللوامة؟

قلت : النفس اللوامة هي التي [تتلوّم](٦) حين لا ينفعها التّلوّم ، وذلك يوم القيامة. فهو منتظم في معنى القسم الأول.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧٣). وذكره الماوردي (٦ / ١٥١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٦).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧٣). وذكره الماوردي (٦ / ١٥١).

(٣) تفسير الماوردي (٦ / ١٥١).

(٤) وهو اختيار الطبري (٢٩ / ١٧٣) ، قال : لأنه جعل" لا" ردا لكلام قد كان تقدمه من قوم وجوابا لهم.

(٥) في الأصل : مفعول. والتصويب من ب.

(٦) في الأصل : تلوم. والمثبت من ب.

٣٧٨

قال الفراء (١) : ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيرا قالت : هلّا [ازددت](٢) ، وإن كانت عملت شرا قالت : ليتني لم أفعل. وهذا معنى ما رواه عطاء عن ابن عباس.

وقيل : هي التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان.

قال الحسن : لا ترى المؤمن إلا لائما لنفسه (٣) ، وإن الكافر يمضي قدما لا يعاتب نفسه (٤).

فعلى هذا ؛ يكون القسم بالنفس المؤمنة الشديدة الخوف من ربها ، أقسم بها مؤذنا بشرفها ، معرّضا بتوبيخ الكفار لإعراضهم عن مراقبة ربهم ، ومحاسبة أنفسهم ، ظنا منهم أنها مهملة ، لا تجمع لفصل القضاء والعرض على الله للجزاء.

وقيل : هي نفس آدم لم تزل [تتلوّم](٥) على فعلها الذي خرجت به من الجنة (٦).

قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) يريد : الكافر ، فهو اسم جنس.

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢٠٨).

(٢) في الأصل : ازدت. والتصويب من ب.

(٣) في ب : نفسه.

(٤) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب محاسبة النفس (ص : ٢٤). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٤٣) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس.

(٥) في الأصل : تلوم. والمثبت من ب.

(٦) انظر : القرطبي (١٩ / ٩٣).

٣٧٩

وقال ابن عباس : يريد : أبا جهل (١).

وقال مقاتل (٢) وغيره : نزلت في عدي بن ربيعة ، وذلك أنه قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو عاينت يوم القيامة لم أصدقك ولم أؤمن بك ، أو يجمع الله العظام؟ فنزلت هذه الآية.

والاستفهام في معنى الإنكار.

والمعنى : (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) بعد تفرّقها وتمزّقها.

(بَلى) أوجبت ما بعد النفي ، وهو جمع العظام ، أي : بلى نجمع عظامه (قادِرِينَ) حال من الضمير في"(نَجْمَعَ)" (٣).

والمعنى : نجمع العظام قادرين على تأليفها وجمعها بعد أن صارت رميما ، ونسفتها الرياح.

(عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) يريد : أصابعه.

وخصّ البنان بالذّكر ؛ لموضع صغر عظامه ؛ إشارة إلى أنّ من قدر على جمع العظام الصغار كان على جمع العظام الكبار أقدر. وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج (٤).

وقال جمهور المفسرين : المعنى : بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه ، أي : نجعلها مستوية شيئا واحدا ؛ كخف البعير ، وحافر

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٦).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٤٢١).

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٤) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٦).

(٤) تأويل مشكل القرآن (ص : ٣٤٦) ، ومعاني الزجاج (٥ / ٢٥١).

٣٨٠