رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

نسبتان : نسبة بالحرف ، ونسبة [بالصيغة](١). أو جعل الفعل لها مجازا وهو لصاحبها.

قال أبو هريرة وأبو سعيد يرفعانه : إنهم يعيشون فلا يموتون [أبدا](٢) ، ويصحّون فلا يمرضون أبدا ، وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ، ويشبون فلا يهرمون أبدا (٣).

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) مرتفعة المكان والمنازل والدرجات والأشجار.

(قُطُوفُها دانِيَةٌ) ثمارها قريبة ، ينالها القاعد.

وقد سبق هذا المعنى في سورة الرحمن (٤).

(كُلُوا وَاشْرَبُوا) على إضمار القول ، تقديره : يقال لهم : كلوا واشربوا ، (هَنِيئاً) صفة مصدر محذوف ، تقديره : أكلا وشربا هنيئا.

(بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) أي : بما قدمتم في الأيام الماضية من الأعمال الصالحة.

وعن مجاهد : أيام الصيام (٥).

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد من زيادات ابنه عبد الله بإسناده ، عن يوسف بن يعقوب الحنفي قال : بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا أوليائي طال ما نظرت

__________________

(١) في الأصل وب : بالصفة. والتصويب من الكشاف (٤ / ٦٠٧).

(٢) زيادة من المصادر التالية.

(٣) ذكره الماوردي في تفسيره (٦ / ٨٤) ، والقرطبي (١٨ / ٢٧٠).

(٤) عند الآية رقم : ٥٤.

(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٠٧).

٢٦١

إليكم في الدنيا وقد قلصت [شفاهكم](١) عن الأشربة ، وقد غارت [عيونكم](٢) ، وخمصت بطونكم ، فكونوا اليوم في نعيمكم ، وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية (٣).

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ)(٣٧)

قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) قال ابن السائب : تلوى يده اليسرى خلف ظهره ، ثم يعطى كتابه ، (فَيَقُولُ) حين يقف على تلك الفضائح والقبائح : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ)(٤).

كان بعض السلف [يقول](٥) : لو خيرت بين أن أكون ترابا وبين أن أحاسب

__________________

(١) في الأصل : شفاكم. والتصويب من ب.

(٢) في ب : أعينكم.

(٣) لم أقف عليه في المطبوع من الزهد للإمام أحمد. وقد ذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٢٧٢) وعزاه لابن المنذر.

(٤) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٣٨٩).

(٥) زيادة من ب.

٢٦٢

ثم أدخل الجنة ، لاخترت أن أكون ترابا (١).

(يا لَيْتَها) يعني : الموتة التي ماتها في الدنيا (كانَتِ الْقاضِيَةَ) القاطعة لأثره. تمنى أنه لم يبعث. وقيل : يتمنى الموت في ذلك اليوم.

قال قتادة : تمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت (٢).

(ما أَغْنى عَنِّي) نفي [أو](٣) استفهام بمعنى الإنكار ، تقديره : أيّ شيء أغنى عني اليوم ما كان لي في الدنيا من المال.

(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ذهب عني تسلطي واقتداري.

وقال جمهور المفسرين وأهل المعاني : السلطان : الحجة (٤).

قال الزجاج (٥) : قيل للأمراء سلاطين ؛ لأنهم الذين تقام بهم الحجج والحقوق.

والمعنى : ضلّت عني حجتي.

قال مقاتل (٦) : حين [شهدت](٧) عليه الجوارح بالشرك.

فيقول الله حينئذ : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي : اجعلوه يصلى

__________________

(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء (ص : ٤٦).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ٦٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٧٣) وعزاه لعبد بن حميد.

(٣) زيادة من ب.

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ٦٣). وذكره الماوردي (٦ / ٨٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٣) ، والسيوطي في الدر المنثور (٨ / ٢٧٣).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٢١٧).

(٦) تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٤).

(٧) في الأصل : شدت. والتصويب من ب ، وتفسير مقاتل ، الموضع السابق.

٢٦٣

النار.

(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) قال ابن عباس : بذراع الملك (١).

وقال نوف البكالي : كلّ ذراع سبعون باعا ، الباع أبعد مما بينك وبين مكة ، وكان في رحبة الكوفة (٢).

وقال سفيان : كل ذراع سبعون ذراعا (٣).

وقال الحسن : الله أعلم أيّ ذراع هو (٤).

وقال مقاتل (٥) : سبعون ذراعا بالذراع الأول.

قال كعب : لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها (٦).

وفي حديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أن رصاصة مثل هذه ـ وأشار إلى جمجمة ـ أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمسمائة عام لبلغت إلى الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٦٣ ـ ٦٤). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٣).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ٦٣) ، وابن المبارك في الزهد (ص : ٨٣) ، وهناد في الزهد أيضا (١ / ١٨١).

وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤) وعزاه لابن المبارك وهناد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٣).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٧).

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٤).

(٦) أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص : ٨٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٧٤) وعزاه لابن المبارك وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

٢٦٤

أربعين خريفا ، الليل والنهار ، قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها» (١).

وقال سويد بن نجيح (٢) : بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة (٣).

ومعنى : " اسلكوه" : اجعلوه فيها.

قال ابن السائب : كما يسلك الخيط في اللؤلؤ (٤).

وجاء في التفسير : أنها تدخل من فيه وتخرج من دبره (٥).

قال الزمخشري (٦) : ومعنى" ثم" : الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم ، وما بينها وبين السلك في السلسلة ، لا على تراخي المدة.

ثم ذكر السبب الموجب لذلك فقال : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ* وَلا يَحُضُ) أي : لا يحث (عَلى طَعامِ) أي : على بذل طعام (الْمِسْكِينِ) بمعنى : لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه : «أنه كان يحضّ امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ، وكان يقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان ، أفلا [نخلع](٧) نصفها

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ١٩٧ ح ٦٨٥٦).

(٢) سويد بن نجيح ، أبو قطبة ، سمع عكرمة ، والشعبي ، ويزيد الفقير. روى عنه عبد الواحد بن زياد ، ومحمد بن عبيد الطنافسي ، توفي في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين ومائتين (الثقات ٦ / ٤١٢ ، والإكمال لابن ماكولا ٧ / ٩٤).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٨).

(٤) مثل السابق.

(٥) ذكره الطبري (٢٩ / ٦٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٣).

(٦) الكشاف (٤ / ٦٠٨).

(٧) في الأصل : نجعل. والتصويب من ب.

٢٦٥

الآخر؟» (١).

(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) قريب أو صديق يدفع عنه.

ويقال : إن اشتقاقه من الحميم ، وهو الماء الحار ، كأنه القريب أو الصديق الذي يحترق قلبه لأجله.

(وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) وهو صديد أهل النار ، وما ينغسل من أبدانهم من القيح والدم.

قال ابن عباس : لو أن قطرة من غسلين وقعت في الأرض أفسدت على الناس معايشهم (٢).

وقال الضحاك : هو شجر يأكله أهل النار (٣).

(لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) الآثمون أصحاب الخطايا ، وهم الكافرون.

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤٣)

قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ)" لا" رد لقول المشركين.

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٠٩). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٨ / ٢٧٤) وعزاه لأبي عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر ولفظه : عن أبي الدرداء قال : إن لله سلسلة لم تزل تغلي فيها مراجل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم القيامة تلقى في أعناق الناس وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم ، فحضّي على طعام المسكين يا أم الدرداء.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٤٨).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٤).

٢٦٦

أي : ليس الأمر كما قالوا من نسبتهم الرسول إلى الشعر والكهانة ، أو هي زائدة مؤكدة ، وهو مذكور في الواقعة.

(بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) أي : بما ترون وما لا ترون ، فهو قسم بجميع الكائنات من السماوات ، والملائكة ، والعرش ، والجنة والنار ، والأرض ، والإنس والجن ، والدنيا والآخرة.

وقيل : هو قسم بالخالق والمخلوق.

وقيل : ما أظهر عليه الملائكة وما استأثر بعلمه.

وقيل : ما تبصرون من آثار القدردة ، وما لا تبصرون.

وقيل : أراد الأرواح والأجسام.

(إِنَّهُ) يعني : القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في قول جمهور المفسرين.

وقال ابن السائب : جبريل عليه‌السلام (١).

والأول أصح ؛ لقوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) والمعنى : إنه لقول رسول كريم جاء به من عند الله.

ودلّ على هذا المحذوف ذكر الرسول ، فإنه يستدعي مرسلا ، وهو الله تعالى.

(وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) كما زعم أبو جهل ، (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ).

(وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) كما زعم عقبة بن أبي معيط.

(قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) وقرأ ابن كثير وابن عامر : " يذكرون" و" يؤمنون" بالياء

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ٨٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٤).

٢٦٧

فيهما (١) ، حملا على قوله : (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ).

قال الزجاج (٢) : " ما" مؤكدة ، وهي لغو في باب الإعراب. والمعنى : قليلا يذّكّرون وقليلا يؤمنون.

وقال غيره : القلّة في معنى العدم ، أي : لا يؤمنون ولا يذّكّرون البتة ، على معنى : ما أكفركم وما أغفلكم.

(تَنْزِيلٌ) أي : هو تنزيل (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

وقرأ أبو [السّمّال](٣) : " تنزيلا" بالنصب على المصدر (٤).

أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : «خرجت أتعرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة ، فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) قال : قلت : كاهن ، قال : (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى آخر السورة قال : فوقع الإسلام في قلبي كل موقع» (٥).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٥٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٢٠) ، والكشف (٢ / ٣٣٣) ، والنشر (٢ / ٣٩٠) ، والإتحاف (ص : ٤٢٣) ، والسبعة (ص : ٦٤٨ ـ ٦٤٩).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٢١٨).

(٣) في الأصل : السماك. والتصويب من ب.

(٤) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٢٢) ، والدر المصون (٦ / ٣٧٠).

(٥) أخرجه أحمد (١ / ١٧ ح ١٠٧).

٢٦٨

(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢)

قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) أي : لو تكلّف قولا من تلقاء نفسه ونسبه إليه.

(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) ، قال الزجاج (١) : بالقدرة والقوّة. قال الشماخ :

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقّاها عرابة باليمين (٢)

وهذا قول الفراء (٣) والمبرد وعامة أهل البيان.

قال ابن قتيبة (٤) : إنما أقام اليمين مقام القوة ؛ لأن قوة كل شيء في ميامنه.

(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب (٥).

والمفسرون يقولون : هو نياط القلب ، فإذا انقطع مات صاحبه.

وقيل : هو القلب.

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢١٨).

(٢) البيت للشماخ بن ضرار المري. وهو في : اللسان (مادة : عرب ، يمن) ، والطبري (٢٣ / ٤٩) ، والقرطبي (٥ / ٢٠ ، ٨ / ٢٥١ ، ١٤ / ١٤٧ ، ١٥ / ٧٥ ، ٢٧٨ ، ١٨ / ٢٧٥) ، والماوردي (٥ / ٤٥).

(٣) معاني الفراء (٣ / ١٨٣).

(٤) تأويل مشكل القرآن (ص : ١٥٤).

(٥) الوتين : الشريان الرئيس الذي يغذي جسم الإنسان بالدم النقي الخارج من القلب (المعجم الوسيط ٢ / ٩٤٣).

٢٦٩

وقال ابن السائب : هو عرق بين العلباء والحلقوم (١) ، وأنشدوا للشمّاخ :

إذا بلّغتني وحملت رحلي

عرابة فاشرقي بدم الوتين (٢)

(فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ)" من" زائدة لتوكيد النفي ، (عَنْهُ حاجِزِينَ)(٣) حائلين بينه وبين ما يفعل به.

والضمير في" عنه" : للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقيل : للقتل.

والخطاب بقوله : " منكم" : للناس.

قال الزمخشري (٤) : قيل" حاجزين" في وصف أحد ؛ لأنه في معنى الجماعة ، وهو اسم يقع في النفي العام ، مستويا فيه الواحد والجميع ، والمذكر والمؤنث ، ومنه قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] ، (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [الأحزاب : ٣٢].

(وَإِنَّهُ) يعني : القرآن (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) مثل قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢]. وقد بيناه في أول البقرة.

(وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ) خطاب للناس كلهم.

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ٨٧).

(٢) البيت للشماخ. انظر : ديوانه (ص : ٩٢) ، وشرح المفصل (٢ / ٣١) ، والطبري (٢٩ / ٦٧) ، والقرطبي (١٨ / ٢٧٦) ، والماوردي (٦ / ٨٧) ، والدر المصون (٦ / ٣٧٠) ، وزاد المسير (٨ / ٣٥٥) ، وروح المعاني (٢٩ / ٥٤).

(٣) في الأصل زيادة قوله : عنه.

(٤) الكشاف (٤ / ٦١٠).

٢٧٠

وقيل : خطاب للمؤمنين ، على معنى : لنعلم أن [فيكم](١).

(مُكَذِّبِينَ) بالقرآن والوحدانية والرسالة.

(وَإِنَّهُ) يعني : القرآن (لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) إذا رأوا ثواب المصدّقين به.

(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) قال الزجاج (٢) : " لليقين" حق اليقين.

قال الزمخشري (٣) : كقولك : هو العالم حق العالم. والمعنى : لعين اليقين ، ومحض اليقين.

وباقي الآية مفسر في آخر الواقعة (٤).

__________________

(١) في الأصل : منكم. والتصويب من ب.

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٢١٨).

(٣) الكشاف (٤ / ٦١٠).

(٤) عند الآية رقم : ٩٥ ـ ٩٦.

٢٧١

سورة المعارج

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي أربع وأربعون آية (١) ، وهي مكية بإجماعهم.

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً)(٧)

قال الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر : " سال" بغير همز (٢).

وروى ورش من طريق النهرواني : " سايل" بتخفيف الهمزة بين بين هنا فحسب ، كالخزاعي عن ابن فليح من طريق ابن كثير (٣). وقرأ الباقون من العشرة : بتخفيف الهمزة فيهما ، إلا حمزة إذا وقف ، فإنه يبدل من الهمزة ألفا ، سماعا في هذا على غير قياس.

وكان القياس : أن يجعل الهمزة بين بين ، أي : بين الهمزة والألف ، كما يفعل في

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٥٤).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٦١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٢٠ ـ ٧٢١) ، والكشف (٢ / ٣٣٤) ، والنشر (٢ / ٣٩٠) ، والإتحاف (ص : ٤٢٣) ، والسبعة (ص : ٦٥٠).

(٣) انظر : النشر (٢ / ٣٩٠).

٢٧٢

الوقف على : رأى ونأى.

وقد حكى سيبويه (١) البدل في" سال" سماعا ، وأنشد على ذلك أبياتا ، منها قول الشاعر :

سالت هذيل رسول الله فاحشة

 ..........(٢)

فمن حقق الهمزة في" سأل" جعله من السؤال وأتى به على أصله ، وهو اختيار أكثر القرّاء.

قال ابن عباس ومجاهد وأكثر المفسرين : السائل : النضر بن الحارث ، والذي سأل قوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٣) [الأنفال : ٣٢].

وقال الربيع بن أنس : هو أبو جهل (٤).

وكان ذلك على وجه الاستهزاء ، كما ذكرناه في موضعه.

__________________

(١) انظر : الكتاب (٣ / ٥٥٤).

(٢) صدر بيت لحسان بن ثابت ، وعجزه : (ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب). انظر : ملحق ديوانه (ص : ٣٧٣) ، وشرح المفصل (٩ / ١١٤) ، والكتاب (٣ / ٤٦٨ ، ٥٥٤) ، والمقتضب (١ / ١٦٧) ، والمحتسب (١ / ٩٠) ، والحجة للفارسي (١ / ٣٧٨ ، ٤ / ٦١) ، والدر المصون (٦ / ٣٧٣) ، والقرطبي (١٨ / ٢٨٠) ، وروح المعاني (٢٩ / ٥٦).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٧٣) عن ابن عباس ، والحاكم (٢ / ٥٤٥ ح ٣٨٥٤) عن سعيد بن جبير. وانظر : أسباب نزول القرآن للواحدي (ص : ٤٦٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٧٧) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس.

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٧).

٢٧٣

ولما كان السؤال متضمنا معنى الدعاء ، عدّاه تعديته فقال : (بِعَذابٍ) كأنه قيل : دعا داع بعذاب ، من قولك : دعا بكذا ؛ إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله : (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) [الدخان : ٥٥].

وبعضهم يقول : الباء في" بعذاب" زائدة.

وقوله : (لِلْكافِرينَ) متصل ب" عذاب" صفة له ، أي : بعذاب واقع كائن للكافرين. أو ب"(واقِعٍ)" ، على معنى : بعذاب نازل لأجلهم. أو بالفعل ، على معنى :

دعا للكافرين بعذاب واقع (١).

وقيل : الباء بمعنى عن ، كقوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] أي : عنه ، وأنشدوا :

فإن تسأليني بالنساء ...

 ..........(٢)

أي : عن النساء.

وقد سبق إنشاد البيت في الفرقان.

والمعنى : سأل سائل عن عذاب واقع لمن هو؟ فقال الله تعالى : للكافرين.

وهذا قول الحسن وقتادة قالا : كان هذا بمكة لما بعث الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخوّفهم بالعذاب ، فقال بعضهم لبعض : من أهل هذا العذاب؟ سلوا محمدا لمن هو؟ فقال الله تعالى : (لِلْكافِرينَ).

وقيل : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استعجل بعذاب [للكافرين](٣).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٦٨) ، والدر المصون (٦ / ٣٧٣).

(٢) تقدم.

(٣) في الأصل : الكافرين. والمثبت من ب.

٢٧٤

ومن قرأ : " سال" بغير همز ، احتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون من السؤال ، لكن أبدل من الهمزة ألفا ، على ما ذكرناه آنفا من اللغة المسموعة فيه ، وتكون الهمزة في" سائل" أصلية.

الثاني : أن تجعله من سلت تسال ، لغة في السؤال ، كخفت تخاف ، فتكون الألف في" سال" بدلا من واو ، كخاف ، وتكون الهمزة في" سايل" بدلا من واو ؛ كخايف.

الثالث : أن تكون من السيل لا من السؤال ، فتكون الألف في" سأل" بدلا من ياء ، ككال ، وتكون الهمزة في" سايل" بدلا من ياء.

قال زيد بن ثابت : هو واد في جهنم يقال [له](١) : سايل (٢).

ويؤيد هذا قراءة ابن عباس : " سال سيل" (٣).

قوله تعالى : (مِنَ اللهِ) يتصل ب" واقع" ، على معنى : بعذاب واقع من الله ، أو ب" دافع" ، على معنى : ليس له دافع من جهة الله إذا جاء وقته.

قوله تعالى : (ذِي الْمَعارِجِ) أي : المصاعد. وقد ذكرنا فيما مضى أنه جمع : معرج.

قال مجاهد : هي معارج الملائكة (٤).

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ٧٠) عن ابن زيد. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٨). وقد استضعف هذا القول ابن كثير (٤ / ٤١٩) وقال : وهذا القول ضعيف بعيد عن المراد ، والصحيح الأول ، لدلالة السياق عليه.

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٥٨) ، والدر المصون (٦ / ٣٧٢).

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ٧٠) ولفظه : " معارج السماء". وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٩).

٢٧٥

وقال ابن عباس وابن السائب : ذي السماء (١) ، وسماها معارج ؛ لأن الملائكة تعرج إليها (٢).

وقال قتادة : ذي الفضائل العالية (٣).

وقيل : ذي الدرجات العالية ، يعطيهن من يشاء من خلقه.

والأول أصح ، ألا تراه وصف المصاعد وبعد مداها فقال : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ). وقرأ الكسائي : " يعرج" بالياء (٤) ؛ لأن تأنيث الجمع غير حقيقي.

(وَالرُّوحُ) وهو جبريل ، في قول جمهور المفسرين (٥).

وقال قبيصة : هو روح الميت حين يقبض (٦).

(إِلَيْهِ) أي : إلى الله تعالى ، (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

قال محمد بن إسحاق : لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش ساروا خمسين ألف سنة قبل أن يقطعوه (٧).

وقال ابن عباس وعكرمة والحسن وقتادة والقرظي وجمهور المفسرين : يعني :

__________________

(١) في ب : السموات.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٥١).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ٧٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٧٨) وعزاه لعبد بن حميد.

(٤) الحجة للفارسي (٤ / ٦٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٢١) ، والكشف (٢ / ٣٣٥) ، والنشر (٢ / ٣٩٠) ، والإتحاف (ص : ٤٢٣) ، والسبعة (ص : ٦٥٠).

(٥) ذكره الطبري (٢٩ / ٧٠) ، والماوردي في تفسيره (٦ / ٩٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٩).

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ٩٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٥٩).

(٧) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٣٩٢).

٢٧٦

يوم القيامة (١).

ويؤيده ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري قال : «قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده! إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا» (٢).

وهذا مقدار ما بين البعث إلى الفصل بين الخلاق ، وإلا فهو يوم لا آخر له.

فعلى هذا القول : يتعلق قوله : (فِي يَوْمٍ) بقوله : "(لَيْسَ لَهُ دافِعٌ)" أي : ليس له دافع من الله في ذلك اليوم ، أو [بقوله](٣) : "(بِعَذابٍ واقِعٍ)" ، على معنى : سأل سائل بعذاب واقع في ذلك اليوم.

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ) متعلق بقوله : " سأل سائل" ؛ لأن ذلك كان [منه](٤) على سبيل الاستهزاء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك مما يوجب تألّمه وتضجّره ، فأمر بالصبر عليه.

فإن قيل : كيف يتعلق به على قراءة من قرأ" سال" بغير [همز](٥) ، على

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٧١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٧٤). وذكره الماوردي (٦ / ٩٠) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٥١) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) وعزاه لابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن عكرمة ، وعزاه لابن مردويه. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد بن حميد.

(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٧٥ ح ١١٧٣٥).

(٣) في الأصل : فقوله. والتصويب من ب.

(٤) في الأصل : فيه. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : ألف. والمثبت من ب.

٢٧٧

[معنى](١) أنه واد في جهنم؟

قلت : معناه قرب العذاب منهم فاصبر (صَبْراً جَمِيلاً) لا جزع فيه. وقد فسرناه في يوسف (٢).

(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ) يعني : يرون العذاب الواقع ، أو يوم القيامة (بَعِيداً) غير كائن ، (وَنَراهُ قَرِيباً) كائنا. وكل ما [هو](٣) آت فهو قريب.

(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى)(١٨)

ثم أخبر عن زمان وقوعه فقال : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) قال ابن عباس : كدرديّ (٤) الزيت (٥).

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) عند الآية رقم : ١٨.

(٣) زيادة من ب.

(٤) درديّ الزيت : ما يبقى في أسفله (اللسان ، مادة : درد).

(٥) أخرجه الطبري (١٥ / ٢٤٠) ، وأحمد (١ / ٢٢٣ ح ١٩٤٦). وذكره الماوردي (٦ / ٩٢) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٣٥٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ١٣٥) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٣٨٥) وعزاه لابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٧٨

وقال عطاء : كعكر القطران (١).

وقال ابن مسعود والحسن : كالفضة [المذابة](٢). وقد ذكرناه في الكهف (٣).

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) قال الزجاج (٤) : العهن : الصوف.

وقال ابن قتيبة (٥) : الصّوف المصبوغ.

قال الحسن : الصوف الأحمر ، وهو أضعف الصوف (٦).

وقال مقاتل (٧) : المنفوش ، وهو [جمع](٨) : عهنة ، كصوفة وصوف.

وقال الزمخشري (٩) : " كالعهن" كالصوف المصبوغ ألوانا ؛ لأن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود ، فإذا بسّت وطيّرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.

وقال غيره : شبّهها بالصوف في ضعفها ولينها.

وقيل : شبّهها به في الخفة إذا سارت.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٥٢).

(٢) مثل السابق. وما بين المعكوفين في الأصل : الذائبة. والمثبت من ب.

(٣) عند الآية رقم : ٢٩.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٢٠).

(٥) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٣٧).

(٦) ذكره القرطبي في تفسيره (١٨ / ٢٨٤).

(٧) تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٨).

(٨) زيادة من ب.

(٩) الكشاف (٤ / ٦١٢).

٢٧٩

(وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) قال مقاتل (١) : لا يسأل الرجل قرابته ، ولا يكلمه من شدة الأهوال.

وقرأت لجماعة ، منهم : أبو جعفر : " ولا يسأل" بضم الياء (٢).

قال الزجاج (٣) : المعنى : لا يسأل قريب عن قرابته.

قوله تعالى : (يُبَصَّرُونَهُمْ) كلام مستأنف ، كأنه قيل : لعله لا يبصره ، فقال : يبصرونهم ، لكنه منعهم التساؤل ما خامرهم من أهوال القيامة.

وجمع الضميران في" يبصرونهم" وهما للحميمين ؛ نظرا إلى المعنى ؛ لأنه لم يرد حميمين مخصوصين ، بل كل حميمين.

وقرأ جماعة ، منهم : قتادة وأبو المتوكل : " يبصرونهم" بالتخفيف (٤). من [أبصر](٥) يبصر.

(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) يتمنى أبو جهل وغيره من أضرابه (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) الذين هم أحبّ الخلق إليه.

(وَصاحِبَتِهِ) يعني : زوجته ، (وَأَخِيهِ) الذي هو أعزّ أهله عليه (٦).

(وَفَصِيلَتِهِ) عشيرته القريبة إليه التي فصل منها (الَّتِي تُؤْوِيهِ) تضمّه انتماء إليها ، أو حدبا عليه.

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٣٩٨).

(٢) النشر (٢ / ٣٩٠) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٢٣).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٢٠).

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٦١) ، والدر المصون (٦ / ٣٧٦).

(٥) في الأصل : البصر. والتصويب من ب.

(٦) قوله : " عليه" ساقط من ب.

٢٨٠