رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

ويجوز أن تكون استفهامية ، على معنى : أيّ شيء قدمت يداه.

(وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) قال عبد الله بن عمرو : إذا كان يوم القيامة ، مدّت الأرض مد الأديم ، وحشرت الدواب والبهائم والوحش (١) ، ثم يجعل القصاص بين الدواب ، حتى يقتصّ للشاة الجمّاء من الشاة القرناء تنطحها ، فإذا فرغ من القصاص قال لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا (٢).

وقال الحسن : إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة فقضى بين الثقلين الجن والإنس وأنزلهم منازلهم ، قال لسائر الخلق : كونوا ترابا ، فحينئذ (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٣)

وقيل : المراد بالكافر : إبليس ، يرى آدم وولده وثوابهم ، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١٢].

وقال الزجاج (٤) : وقيل المعنى : يا ليتني كنت ترابا ، أي : يا ليتني لم أبعث ، كما قال : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) [الحاقة : ٢٥].

__________________

(١) في ب : والوحوش.

(٢) أخرجه الحاكم (٤ / ٦١٩ ح ٨٧١٦) ، والطبري (٣٠ / ٢٦).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٧).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٦).

٤٦١

سورة النازعات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وتسمى الطامة. وهي أربع وخمسون آية في المدني ، وست في الكوفي ، وهي مكية بإجماعهم (١).

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)(١٤)

قال الله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) قال علي عليه‌السلام : هي الملائكة تنزع أرواح الكفار (٢).

قال مقاتل (٣) : ملك الموت وأعوانه ، ينزعون روح الكافر ، كما ينزع السّفّود (٤)

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٦٣).

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٤) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٠٣) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر.

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٥).

(٤) السّفّود : حديدة ذات شعب معقّفة ، معروف ، يشوى بها اللحم (اللسان ، مادة : سفد).

٤٦٢

الكثير الشّعب من الصوف المبتل ، فتخرج نفسه كالغريق في الماء. وهذا قول جمهور المفسرين.

وقال مجاهد : هو الموت ينزع النفوس (١).

قال السدي : النازعات : النفوس حين تنزع (٢).

وقال الحسن وقتادة : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ، ومن مشرق إلى مغرب (٣). وهي اختيار أبي عبيدة (٤) والأخفش.

وقال عطاء وعكرمة : هي القسي تنزع بالسهم (٥).

وقيل : هي الوحوش تنزع وتنفر (٦).

وقيل : هي الرماة (٧).

" غرقا" : إغراقا وإبعادا في النزع ، فهو اسم أقيم مقام الإغراق.

قوله تعالى : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) قال علي عليه‌السلام : هي الملائكة تنشط

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٧).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٤) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٨).

(٤) مجاز القرآن (٢ / ٢٨٤).

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٨) عن عطاء. وذكره الماوردي (٦ / ١٩٢) عن عطاء ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥) عن عطاء وعكرمة ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٠٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء.

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ١٩٢) حكاية عن يحيى بن سلام.

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥) حكاية عن الثعلبي.

٤٦٣

أرواح الكفار ما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أجوافهم بالكرب والغم (١).

قال مقاتل (٢) : ينزع ملك الموت روح الكافر ، فإذا بلغت ترقوته عوّقها في حلقه ، فيعذبه في حياته [قبل أن يميته](٣) ، ثم ينشطها من حلقه ، ـ أي : يجذبها ـ كما ينشط السّفّود من الصوف المبتلّ.

وقال مجاهد : هو الموت ينشط النفوس (٤).

وقال ابن عباس : هي الملائكة تنشط أرواح المؤمنين بسرعة (٥).

وقال أيضا : هي أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج. وذلك أنه ليس من مؤمن يحضره الموت إلا عرضت [عليه](٦) الجنة قبل أن يموت ، فيرى فيها ما يدعوه إليها ، فتنشط نفسه لذلك (٧).

وقال قتادة وأبو عبيدة والأخفش : هي النجوم التي تنشط من مطالعها إلى مغاربها (٨).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٠٣) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٥).

(٣) زيادة من تفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٨). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦).

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٨). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٥).

(٦) زيادة من ب.

(٧) ذكره الطبري (٣٠ / ٢٩) ، وزاد المسير (٩ / ١٥).

(٨) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٩) عن قتادة. وذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) عن قتادة ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦).

٤٦٤

وقال عطاء وعكرمة : هي الأوهاق (١).

وقيل : هي الوحش حين ينشط من بلد إلى بلد ، كما أن الهموم تنشط الإنسان من بلد إلى بلد. قاله أبو عبيدة (٢). وأنشد قول [هميان](٣) بن قحافة :

أمست همومي تنشط المناشطا

الشّام [بي](٤) طورا ثم طورا واسطا (٥)

قوله تعالى : (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) قال علي عليه‌السلام : هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين (٦).

قال ابن السائب : يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء ، فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع ، يسلّونها سلا رفيقا ، ثم يدعونها حتى تستريح ، كالسابح بالشيء في الماء يرفق به (٧).

وقال أبو صالح ومجاهد : هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين ، كما يقال

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٩) عن عطاء. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء.

(٢) مجاز القرآن (٢ / ٢٨٤).

(٣) في الأصل وب : هيمان. والتصويب من مجاز القرآن ، الموضع السابق. وانظر ترجمته في : الأعلام للزركلي (٨ / ٩٥).

(٤) زيادة من مجاز القرآن ، الموضع السابق ، ومصادر البيت.

(٥) البيت لهميان بن قحافة السعدي. وهو في : الطبري (٣٠ / ٢٩) ، والقرطبي (١٩ / ١٩٢) ، ومجاز القرآن (٢ / ٢٨٤) ، واللسان (مادة : نشط) ، والماوردي (٦ / ١٩٣) ، والبحر (٨ / ٤٠٩) ، وزاد المسير (٩ / ١٦) ، والدر المصون (٦ / ٤٧٠) ، وروح المعاني (٣٠ / ٢٤).

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٠٣) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر.

(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٨) بلا نسبة ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦).

٤٦٥

للفرس الجواد [سابح](١) ؛ إذا أسرع في جريه (٢).

وقال مجاهد أيضا : هو الموت يسبح في نفوس بني آدم (٣).

وقال قتادة : هي النجوم والشمس والقمر ، كلّ في فلك يسبحون (٤).

وقيل : هي خيل الغزاة (٥).

وقال عطاء : هي السفن (٦).

قوله : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) قال علي عليه‌السلام : هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء عليهم‌السلام (٧).

وقال الحسن : سبقت إلى الإيمان (٨).

وقال مجاهد : [تسبق](٩) بأرواح المؤمنين إلى الجنة (١٠).

وقال ابن مسعود : هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها وقد

__________________

(١) زيادة من زاد المسير (٩ / ١٦).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٠) عن مجاهد. وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٠٤) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي صالح.

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٠). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦).

(٤) مثل السابق.

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) حكاية عن ابن شجرة.

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٠). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦).

(٧) ذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٧).

(٨) مثل السابق.

(٩) في الأصل : تسجق. وكذا وردت في المواضع الثلاث التالية. والتصويب من ب.

(١٠) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٧).

٤٦٦

عاينت السرور شوقا إلى لقاء الله ورحمته وكرامته (١).

وروي عن مجاهد : أنه الموت يسبق إلى النفوس (٢).

وقال قتادة : هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير (٣).

وقال عطاء : هي الخيل (٤).

قوله تعالى : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) قال ابن عباس وجمهور المفسرين : هي الملائكة (٥) ، على معنى : تدبّر أمرا من علم الحساب وغيره.

وقال عبد الرحمن بن سابط : يدبّر أمر الدنيا أربعة أملاك : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ، وإسرافيل عليهم‌السلام. فأما جبريل فهو موكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح ، وأما إسرافيل (٦) فهو ينزل بالأمر عليهم (٧).

وقيل : جبريل للوحي ، وإسرافيل [للصور](٨).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٧).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٠). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٧).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣١). وذكره الماوردي وابن الجوزي ، الموضعان السابقان.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٧). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٨) ، والسيوطي في الدر المنثور (٨ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥).

(٦) في الأصل زيادة قوله : فموكل ، ولعلها زيادة من الناسخ ، وهي غير موجودة في ب.

(٧) أخرجه البيهقي في الشعب (١ / ١٧٧ ح ١٥٨) ، وابن أبي شيبة (٧ / ١٥٩ ح ٣٤٩٦٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان.

(٨) في الأصل : الصور. والمثبت من ب.

٤٦٧

فإن قيل : من أول السورة إلى هاهنا قسم ، فأين جوابه؟

قلت : إما محذوف ، تقديره : لتبعثن ، بدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة. وإما قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) [النازعات : ٢٦].

قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) العامل في الظرف : جواب القسم المحذوف.

والراجفة : الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال ، أي : تضطرب ، وهي النفخة الأولى ، وصفت بما يحدث بحدوثها.

(تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) وهي النفخة الثانية ، وبينهما أربعون سنة ، وكل [شيء](١) تبع شيئا فقد ردفه.

وقيل : " الراجفة" : الأرض والجبال ، و" الرادفة" : السماء والكواكب ؛ لأنها تنشق وتنثر [كواكبها](٢) على إثر ذلك.

ومحل" تتبعها" من الإعراب : النصب على الحال (٣) ، أي : ترجف تابعتها [الرادفة](٤).

(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) الوجيف والوجيب بمعنى ، أي : شديدة الاضطراب من أهوال القيامة.

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : كوابها. والتصويب من ب.

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٨٠) ، والدر المصون (٦ / ٤٧١).

(٤) في الأصل : المرادفة. والتصويب من ب.

٤٦٨

و" قلوب" : رفع بالابتداء (١).

(أَبْصارُها خاشِعَةٌ) [هو](٢) الخبر ، " واجفة" : صفة القلوب (٣) ، ولذلك جاز الابتداء بها ، وهي نكرة لتخصّصها بالوصف ، كقوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) [البقرة : ٢٢١].

ومعنى : " خاشعة" : ذليلة خاضعة.

والمراد : [أبصار أصحابها](٤) ، والإشارة إلى منكري البعث ، بدليل قوله : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ).

وقرأ أبو جعفر : " إنا لمردودون" بهمزة واحدة على الخبر (٥).

وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة ويعقوب إلا زيدا ورويسا : بهمزتين محقّقتين. وفصل بينهما بألف : هشام ، الباقون : بتحقيق الأولى وتليين الثانية. وفصل بينهما بألف : نافع إلا ورشا وأبو عمرو وزيد عن يعقوب ، وتركه ابن كثير (٦) وورش [ورويس](٧).

وقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب : " إذا كنا" على الخبر. وقرأ عاصم

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٦ / ٤٧١).

(٢) في الأصل : هي. والمثبت من ب.

(٣) انظر : الدر المصون (٦ / ٤٧١).

(٤) في الأصل : أيضا ذا صاحبها. والتصويب من ب.

(٥) النشر (٢ / ٣٧٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٣٢).

(٦) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ٩٧) ، والنشر (١ / ٣٧٣) ، والإتحاف (ص : ٤٣٢) ، والسبعة (ص : ٦٧٠).

(٧) في الأصل : وريوس. والتصويب من ب.

٤٦٩

وحمزة وخلف : بتحقيق الهمزتين على الاستفهام ، الباقون : بتحقيق الأولى وتليين الثانية. وفصل بينهما بألف : أبو عمرو وأبو جعفر ، وتركه ابن كثير (١).

قال أهل اللسان : يقال : رجع فلان [في](٢) حافرته ، أي : في طريقه [التي](٣) جاء فيها فحفرها ، أي : أثّر فيها بمشيه فيها ، جعل أثر قدمه حفرا ، ومنه : حفرت أسنانه ؛ إذا أثّر الأكال في أسناخها ، ومنه : الخط المحفور في الصخر (٤).

المعنى : أنردّ إلى أول [حالنا](٥) وابتداء أمرنا.

قال ابن عباس : المعنى : أئنا لمردودون في الحياة بعد الموت (٦).

وقيل : الحافرة : الأرض [التي](٧) تحفر فيها قبورهم.

المعنى : أئنا لمردودون في الأرض خلقا جديدا. وهذا معنى قول مجاهد والحسن (٨).

والاستفهام في الموضعين للإنكار ، وقد نبهنا على معنى الخبر والاستفهام في

__________________

(١) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ٩٧) ، والنشر (١ / ٣٧٣) ، والإتحاف (ص : ٤٣٢) ، والسبعة (ص : ٦٧٠).

(٢) في الأصل : على. والمثبت من ب.

(٣) في الأصل : الذي. والمثبت من ب.

(٤) انظر : اللسان (مادة : حفر).

(٥) في الأصل : حالتنا. والمثبت من ب.

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٤). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٧) في الأصل : الذي. والمثبت من ب.

(٨) أخرجه مجاهد (ص : ٧٢٦) ، والطبري (٣٠ / ٣٤). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد.

٤٧٠

سورة الرعد (١).

قال الخليل وغيره : حافرة بمعنى : محفورة ، كما [قالوا](٢) : (ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] بمعنى : مدفوق (٣) ، و (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١].

قال الزمخشري (٤) : وقرأ أبو حيوة : " الحفرة" ، والحفرة بمعنى : المحفورة. يقال : حفرت أسنانه ، وهي حفرة. قال : وهذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى : المحفورة.

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا : " ناخرة". وقرأ الباقون : " نخرة" بغير ألف (٥).

وروي عن الكسائي التخيير بين حذف الألف وإسقاطها (٦) ، وهما لغتان بمعنى واحد.

يقال : نخر العظم فهو نخر وناخر ، مثل : طمع فهو طمع وطامع ، إلا أن فعل أبلغ من فاعل.

والنّخر : البالي [الأجوف](٧) ، الذي تمر فيه الريح فيسمع له نخير.

والعامل في" إذا" محذوف ، تقديره : إذا كنا عظاما نرد ونبعث.

__________________

(١) عند الآية رقم : ٥.

(٢) في الأصل. قال. والمثبت من ب.

(٣) قوله : " بمعنى مدفوق" سقطت من ب.

(٤) الكشاف (٤ / ٦٩٤).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٩٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٨) ، والكشف (٢ / ٣٦١) ، والنشر (٢ / ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣٢) ، والسبعة (ص : ٦٧٠).

(٦) انظر : المصادر السابقة.

(٧) في الأصل : الأخوف. والتصويب من ب.

٤٧١

(قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) منسوبة إلى الخسران ، أو خاسر أصحابها. وهذا على وجه الفرض والتقدير منهم ، أي : إن صح هذا فتلك إذا كرّة خاسرة. وهو كلام ينبئ [عن](١) استحكام تكذيبهم واستهزائهم ، وأن ذلك غير كائن ولا واقع.

قوله تعالى : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أي : لا تستبعدوا تلك الكرّة ، [فإنما](٢) هي زجرة واحدة ، أي : صيحة واحدة ، وهي النفخة الثانية.

(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) وهي وجه الأرض (٣) ، في قول جمهور المفسرين واللغويين ، قالوا : سمّيت بذلك ؛ لأن به نوم الحيوان وسهرهم.

والمعنى : فإذا هم على ظهر الأرض أحياء ، بعد أن كانوا في بطنها أمواتا.

قال وهب بن منبه : "(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)" : جبل عند بيت المقدس (٤).

وقال قتادة : "(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)" : جهنم (٥).

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ

__________________

(١) في الأصل : على. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : إنما. والمثبت من ب.

(٣) ذكره الطبري (٣٠ / ٣٦) ، والماوردي (٦ / ١٩٦) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢٠).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٣٨). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٧) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٠٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٥) مثل السابق.

٤٧٢

إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٢٦)

قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) أي : قد جاءك خبره.

(إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) قرأ ابن عامر وأهل الكوفة : " طوى" بالتنوين. وقرأ الباقون بغير تنوين (١).

وقد ذكرت وجه القراءتين مع ما لم أذكره هاهنا في طه (٢).

قرأ الحرميان : " تزّكّى" بتشديد الزاي. وخففها الباقون (٣) ، أصلها : تتزكى.

فمن شدّد أدغم التاء في الزاي ، ومن خفف حذف التاء الثانية طلبا للخفة ، [وهو](٤) مثل : " تظاهرون" و" تساءلون".

والمعنى : هل لك أن تتطهر من الشرك. والعرب تقول : هل لك إلى كذا.

(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) أرشدك إلى معرفته ، (فَتَخْشى) لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨].

قوله تعالى : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) وهي قلب العصاحية ، وهي أصل آياته ،

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٩٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٥١) ، والكشف (٢ / ٩٨) ، والنشر (٢ / ٣١٩) ، والإتحاف (ص : ٤٣٢) ، والسبعة (ص : ٦٧١).

(٢) عند الآية رقم : ٩.

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٩٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٩) ، والكشاف (٢ / ٣٦١) ، والنشر (٢ / ٣٩٨) ، والإتحاف (ص : ٤٣٢) ، والسبعة (ص : ٦٧١).

(٤) في الأصل : وهم. والتصويب من ب.

٤٧٣

وأكبر معجزاته.

وقال جمهور المفسرين : هي العصا واليد ، وجعلهما" آية" ؛ لانتظامهما في سلك واحد ، وتساوقهما معا.

(فَكَذَّبَ) بموسى وآياته ، (وَعَصى) الله بعد صحة علمه أن الطاعة قد وجبت عليه.

وقيل : عصى رسوله.

(ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الإيمان (يَسْعى) يعمل بالفساد (١).

وقيل : أدبر حين رأى انقلاب العصا حية.

" يسعى" : يسرع في مشيه خوفا منها.

(فَحَشَرَ) أي : فجمع قومه وجنوده.

وقيل : جمع السحرة ، بدليل قوله : (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) [الشعراء : ٥٣].

(فَنادى) في المقام الذي اجتمعوا فيه. يروى أنه قام فيهم خطيبا.

ويجوز أن يكون المعنى : أمر مناديا فنادى بهذه الكلمة الشنيعة.

(فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أي : لا ربّ فوقي.

وقيل : أراد : أن الأصنام أرباب وأنه فوقها.

أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقرئ الطوسي في كتابه قال : أخبرنا عبد الجبار بن أحمد بن محمد الخواري ، أخبرنا علي بن أحمد النيسابوري ، أخبرنا

__________________

(١) في ب : بعمل الفساد.

٤٧٤

المؤمل بن محمد ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا موسى بن إسماعيل القاضي ، حدثنا محمد بن أحمد [بن البراء](١) ، حدثنا عبد المنعم بن إدريس ، حدثنا عبد الصمد بن معقل (٢) ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة وهو يقول : أنا ربكم الأعلى ، [ويكذب](٣) آياتك ، ويجحد رسلك ، فأوحي إليه : أنه كان حسن الخلق ، سهل الحجاب ، فأحببت أن أكافئه» (٤).

قوله تعالى : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) قال الزجاج (٥) : النّكال : منصوب مصدر مؤكد ؛ لأن معنى : " أخذه الله" : نكّل به ، "(نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى)" أي : أغرقه في الدنيا ويعذبه في الآخرة.

قال (٦) : وجاء في التفسير : أن نكال الآخرة والأولى ؛ لقوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] ، وقوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، فنكّل الله به نكال هاتين الكلمتين.

__________________

(١) في الأصل وب : البزار. والتصويب والزيادة من البيهقي (٦ / ٥٣). وانظر : ترجمته في : تاريخ بغداد (١ / ٢٨١).

(٢) عبد الصمد بن معقل بن منبه بن كامل اليماني ، ثقة صدوق ، مات سنة ثلاث وثمانين (تهذيب التهذيب ٦ / ٢٩٣ ، والتقريب ص : ٣٥٦).

(٣) في الأصل : وكذب. والمثبت من ب.

(٤) أخرجه الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٢٠) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٦ / ٥٣ ح ٧٤٧٦ ، ٦ / ٢٥٠ ح ٨٠٤٢).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٢٨٠).

(٦) أي : الزجاج.

٤٧٥

قلت : وهذا المعنى الثاني الذي حكاه الزجاج هو قول جمهور المفسرين.

قال ابن عباس : كان بين الكلمتين أربعون سنة (١).

قال السدي : بقي بعد الآخرة ثلاثين سنة (٢).

والمعنى الأول ؛ قول الحسن وقتادة (٣).

(إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي فعل بفرعون حين كذّب وعصى (لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى).

ثم خاطب منكري البعث فقال :

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)(٣٣)

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) أي : أأنتم فيما عندكم [أصعب](٤) خلقا وأعجب إيجادا وإنشاء بعد الموت أم السماء؟ ، وهذا كقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧].

قال الزجاج (٥) : قال بعض النحويين : "(بَناها)" من صلة"(السَّماءُ)". المعنى : التي بناها.

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ١٩٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٢١).

(٢) مثل السابق.

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٤٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٩) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة. ومن طريق آخر عن الحسن ، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٤) في الأصل : أضعف. والتصويب من ب.

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٢٨٠).

٤٧٦

وقال بعضهم : السماء ليس مما يوصل ، ولكن المعنى : أأنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا.

ثم بيّن كيف خلقها فقال : (بَناها).

ثم بيّن البناء فقال : (رَفَعَ سَمْكَها).

قال الزمخشري (١) : جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام ، (فَسَوَّاها) فعدّلها مستوية ملساء ، ليس فيها تفاوت ولا فطور ، أو فتمّمها بما علم أنها تتمّ به وأصلحها ، من قولك : سوّى فلان أمر فلان.

قوله تعالى : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أي : أظلمه ، والغطش والغبش : الظّلمة ، ورجل أغطش : أعمى.

(وَأَخْرَجَ ضُحاها) أبرز ضوء شمسها ، بدليل قوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) [الشمس : ١] أي : وضوؤها ، وأضيف الليل والشمس إلى السماء ؛ لأنهما ينزلان منها وينشآن عنها.

(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ) أي : بعد خلق السماء (دَحاها).

قال ابن عباس وغيره من المفسرين واللغويين : " دحاها" بمعنى : بسطها (٢). والدّحو : البسط.

قال عبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء وجمهور المفسرين : خلق الأرض قبل

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٩٧).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٤٦ ـ ٤٧). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٩) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤١١) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد.

٤٧٧

السماء ، ثم خلق السماء ، ثم دحى الأرض بعد خلق السماء (١).

وحمل القائلون بتكامل خلق الأرض قبل السماء" بعد" على معنى : قبل ، كقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء : ١٠٥] ، ومنهم من قال : " بعد" بمعنى : مع ، قالوا : ومنه قوله : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ) [القلم : ١٣] ، أي : مع ذلك. ويؤيده قراءة مجاهد : " عند ذلك دحاها".

وقد ذكرنا في البقرة اختلاف العلماء في السابقة (٢) بالخلق ، وبيّنّا الصواب من ذلك.

قوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها)(٣) قال ابن عباس : فجّر الأنهار والبحار والعيون (٤).

(وَمَرْعاها) ما يأكله الناس والأنعام ، وهو قوله : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).

واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) [يوسف : ١٢].

قال الزمخشري (٥) : " مرعاها" : رعيها ، وهو في الأصل موضع الرعي. ونصب الأرض والجبال بإضمار" دحا" و" أرسى" ، وهو الإضمار على شريطة التفسير.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٤٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤١٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٢) في الأصل زيادة قوله : في.

(٣) في الأصل زيادة قوله : وَمَرْعاها. وستأتي بعد.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٢١).

(٥) الكشاف (٤ / ٦٩٧).

٤٧٨

وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء (١).

فإن قلت : هلّا أدخل حرف العطف على" أخرج"؟

قلت : فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون [معنى](٢) " دحاها" بسطها ومهّدها للسكنى ، ثم فسّر التمهيد بما لا بد منه في تأتّي سكناها ، من تسوية أمر المأكل والمشرب ؛ وإمكان القرار عليها ، والسكون بإخراج الماء والمرعى ، وإرساء الجبال وإثباتها أوتادا لها حتى تستقر ويستقر عليها.

والثاني : أن يكون" أخرج" حالا بإضمار" قد" كقوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠].

(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٤٦)

قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) يريد : القيامة.

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٣٢ ـ ٤٣٣).

(٢) في الأصل : بمعنى. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٦٩٧).

٤٧٩

وقيل : الساعة التي يتصدّعون فيها ، فريق إلى الجنة وفريق إلى السعير.

وقيل : النفخة الثانية.

وسميت طامّة ؛ لأنها تطم وتغمر الدواهي.

(يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) ما عمل من خير وشر.

وقيل : إذا رأى أعماله مدوّنة في كتابه تذكّرها ، وكان قد نسيها ، كقوله : (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ) [المجادلة : ٦].

(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) قال مقاتل (١) : يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق.

وقرأ أبو مجلز وابن السميفع : " لمن ترى" بالتاء ، على الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وقيل : لمن ترى الجحيم ، كما قال : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).

وقرأ ابن مسعود وابن عباس : " لمن رأى" بهمزة بين الراء والألف (٣).

وجواب قوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) ؛ قوله : (فَأَمَّا مَنْ طَغى).

أي : فإذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك.

قال الزجاج (٤) : ومعنى : (هِيَ الْمَأْوى) : هي المأوى له.

قال (٥) : وقال قوم : الألف واللام بدل من الهاء ، المعنى : هي مأواه ؛ لأن الألف

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٩) بمعناه.

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٢٤) ، والدر المصون (٦ / ٤٧٦).

(٣) مثل السابق.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٨١).

(٥) أي : الزجاج في معاني القرآن ، الموضع السابق.

٤٨٠